فراغ مهول تعيشه على مرّ المواسم الدراسية الفارطة الساحة التعليمية في خانة الامتحانات الوطنية الى درجة صار الأمر مبعثا للسخرية والحيرة لدى الأجيال القديمة التي مرّت على محك الانتقال من المنظومة التربوية الأولى والثانية على اعتبار أن طفل اليوم وهو في خضم التجارب التربوية صار يمرّ من سنته الأولى بالمدرسة الابتدائية الى المدرسة الاعدادية ثم الى المعهد الثانوي دون اجتياز مناظرة وطنية ولا إقليمية ولا حتى جهوية ومع التطرق الى «مهزلة» الباكالوريا بما تهبه الى المترشحين بما يعبر عنه ب 25% حتى صار الارتقاء الآلي يفرض نفسه مهما كانت إمكانيات التلميذ على اعتبار أن المنظومة التربوية الحالية لا يهمها الكيف بقدر ما يهمها الكم فأمسى الرسوب نادرا. وفي نفس الإطار لازلنا نتذكر إقدام وزارة التربية على تجربة «الكاتريام» و«النوفيام» ثم أوقفتها مما جعل حبر الأسئلة يسيل كثيرا حول دواعي الإقدام على هذه التجربة ثم التراجع فيها بعد أن تكلفت علينا بأموال طائلة وفهم الناس أن هذا الكرّ والفرّ هو في باب الهزّان والنفضان لدى أهل القرار ممن لازالوا يصمّون آذانهم عن طلبات رجال التعليم وهم أصحاب الميدان وأسياده من يرون أن عودة مناظرة «السيزيام» على الشاكلة القديمة ضرورة ملحة لا مفرّ منها بداية من الموسم الدراسي المقبل حيث تكون إلزاما على كل التلاميذ بعد إجراء امتحانين تجريبين ولا ينجح فيها إلا من تحصل على معدل يتراوح بين 10 من 20 فأكثر ثم يتوجه الناجحون حسب معدلاتهم الى التعليم الثانوي المهني والتعليم الثانوي الطويل. ولازلنا نتذكر «السيزيام» في أبهى أيامه لما كان يصنع الحدث في كل شبر من البلاد ولأجله تستعد العائلات والمدارس والإدارات والمؤسسات العمومية ويتحوّل الى مهرجان تربوي بكل المقاييس تلبس فيه المؤسسات التربوية أبهى حلّة من أجل أن يجتاز التلاميذ اختبارات المناظرة في أحسن الظروف على اعتبارها محطة متميزة وبوابة تمهد الى التعليم الثانوي في شكل امتحان بكل ما فيه من معاني الاختبار جودة واختيارا وتأشيرا وتقييما في مواد الحساب والإنشاء ودراسة النص باللغتين والإملاء باللغة الفرنسية ثم ألحقت بها مادة الايقاظ العلمي. وينتظر الجميع الإعلان عن النتائج عن طريق الصحف اليومية ثم أصبحت لدى الإدارات الجهوية قبل أن تصير من مشمولات مدير المدرسة يقدمها في يوم احتفالي مشهود بواسطة مضخمات الصوت على أنغام الزغاريد والتهاني. وعلى مرّ هذه الأيام يعيش التلميذ فترة الاستعدادات في جوّ مشحون بالقلق والتوتر والتوهّج الذهني وهي عناصر إيجابية في نحت شخصيته من خلال تعويده على الصعاب وعلى تجاوز المطبات والحواجز على اعتبار أن الحياة هي أصلا امتحان... ولا خير في شاب يدخل معترك الحياة بلا تجربة. عودة «السيزيام» لا مفرّ منها تلعب فهي «الغربال» ليكون النتاج تلاميذ متميّزين وآخرين متوسطين بينما من فشل في هذه المناظرة فمكانه في مركز التكوين المهني. ومازال العديد من التونسيين تعتبر «السيزيام» أحسن الحلول للاقتراب من التميز وتجنّب الفشل لكل الأطراف.