- أنصار الحزب الحاكم يحتجون أمام سينما "روكسي" - إجراءات أمنية مشددة والمخرج يختفي التونسيةطنجة مالك السعيد عرض الفيلم الذي طال انتظاره في المهرجان الوطني للفيلم بالمغرب عشية الثلاثاء 5 فيفري في سينما روكسي غير بعيد عن قلب المدينة النابض، ويتعلق الأمر بشريط « تنغير، القدس:أصداء الملاح» للمغربي الفرنسي كمال هشكار، وهو فيلم أحدث ضجة منذ أشهر بعد أن بثت القناة الثانية 2M نسخة مختصرة منه. خصص كمال هشكار فيلمه الأول لليهود المنحدرين من مسقط رأسه تنغير الذين «إضطروا» أو «إختاروا» الهجرة إلى إسرائيل بعد نكبة 1948 أو «حرب تحرير إسرائيل» كما ورد على لسان إحدى اليهوديات المغربيات. بطبيعة الحال استقبل الفيلم بحفاوة بالغة حيثما عرض خارج العالم العربي، في كندا وواشنطن وفرنسا وفي إسرائيل نفسها حيث صور جزء أساسي من الفيلم الذي أحرز على جائزة حقوق الإنسان في مهرجان أفلام حقوق الإنسان بالرباط في جوان 2012، ولكن ضغوطا محلية حالت دون عرضه في المركز الثقافي الفرنسي بأغادير في شهر نوفمبر من العام الماضي ... وقد أثارت برمجة الفيلم في المهرجان الوطني للفيلم المغربي جدلا لم يجف حبره بعد، فقد تغيب وزير الاتصال عن افتتاح المهرجان خلافا للعادة وتم تأويل غيابه على أنه تهرب من طرف الوزير «الإسلامي» من تحمّل وزر فيلم متهم بالتطبيع وتُلاحق مخرجه تهمة العمالة لإسرائيل غاب الوزير الإسلامي ولكن رئيس ديوانه حضر عرض الفيلم؟ لم يطل الانتظار طويلا فقد تلاحقت التهم وتتالت، وهذا نائب منسق المبادرة المغربية للدعم والنصرة يعتبر الفيلم عملا صهيونيا يستهدف المكون الأمازيغي والرافد العبري للمغرب بإعتبار مغاربة إسرائيل جزءا من هذا المكون والترويج لعودتهم الممكنة ضمن مغرب متعدد. حزب العدالة والتنمية (حتى في تسمية الأحزاب العربية بؤس وفقر فنلتجئ للأتراك ننسخ أسماء أحزابهم) الحاكم في المغرب لم يفوت مناضلوه وأنصاره في طنجة الفرصة فقد أصدروا بيانا يندد ببرمجة عرض الفيلم في المهرجان الوطني، وتسربت أحاديث بخصوص تراجع المهرجان عن قراره، وهي أحاديث لا يمكن تصديقها مادام رئيس المهرجان هو «الفيلسوف» نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي الذي لا يتردد في الذهاب إلى الأقصى دفاعا عن حرية التعبير ، وأعداء الرجل وخصومه لا يترددون في تذكيرنا في الكواليس بصوت خفيض بأن الصايل وافق زوجته المنشطة التلفزيونية نادية لارغيت –قبل ثلاث سنوات- على الظهور بنصف جسدها العلوي عارية على غلاف مجلة «نساء من المغرب» شهرا قبل وضع مولودها الأول منه وكانت تغطي صدرها بيدها اليسرى، حينها صرحت نادية لارغيت أن الصورة موضوع غلاف مجلة «نساء من المغرب» نشرت بموافقة زوجها. ووصفت شريك حياتها بأنه أشبه بالكائنات الفضائية في فيلم المخرج العالمي «ستيفن سبيلبورغ» الذي يحمل نفس العنوان: Extra-terrestre حيت يتمتع زوجها، تقول نادية لارغيت، بشخصية مرحة ووديعة ويحب الحياة بين البشر. واعتبرت الصحافية المغربية أن موافقة زوجها على نشر الصورة نابعة من قناعته من أنها حرة في التعامل مع جسدها، وأن اختيارها هذا الشكل للظهور على غلاف مجلة مغربية فيه ممارسة لحريتها. أمام سينما روكسي، تجمع بضع عشرات من المنتمين لحزب العدالة والتنمية ومناصريهم رافعين لافتات ضد عرض فيلم «تنغير، القدس: أصداء الملاح» ، قابلتها إجراءات أمنية مشددة إذ أحيط المحتجون بحزام أمني يصعب الفكاك منه، وكان لزاما علينا أن نفتح حقائبنا للتثبت من محتوياتها وخاصة إذا كانت ملامحك تشي بأنك عربي وهو حالنا بطبيعة الحال، وتلك ثمار 11 سبتمبر 2001 ... صعد المخرج بإبتسامة ثابتة لا تغيب تحدث عن الفيلم وعن التسامح والحب والمغرب المتعدد وووو... وكل ذلك الكلام الذي يسبب ضيق التنفس حين تتذكر نظرة شرطي في مطار أوروبي... لم يكن كمال هشكار مخرجا فقط لفيلمه، فهو شخصية لا تكاد تغيب عن الشاشة في محاوراته وأسئلته الميالة إلى الطيبة التي تلامس أحيانا الغفلة والبساطة والسطحية، فخلفيات الصراع الفلسطيني –حتى لا نقول العربي – الإسرائيلي لا يمكن إختزالها في دموع إمرأة مسنة تحن إلى بلادها المغرب مهما كان صدق تلك الدموع، ومادامت المغرب بلادهم فلماذا غادر كل هؤلاء اليهود تماما كما غادروا تونس والجزائر خاصة وأنه لم يتم التعرض لهم بأي سوء كما أجمعت كل الشهادات في الفيلم...؟ يواصل كمال هشكار رحلته بين تنغير والقدس مبتسما طول الوقت لا تعطل ابتسامته من زيادة الإتساع سوى نظّارته الطبية، يسأل بالعربية والأمازيغية والعبرية التي يتقنها ويعبر عن تأثره سلبا وإيجابا بما يسمع من اليهوديات المغربيات وقليل من الرجال اليهود ... يتحدث المخرج في التعليق الذي قرأه هو بنفسه عن قصة ولادة الفيلم، قال إنه اكتشف من خلال زياراته الصيفية لتنغير ان البلدة كانت واحة سلام تجمع بين اليهود والمسلمين منذ اكثر من 2000 سنة وحتى الخمسينات من القرن العشرين. كان مخرج فيلم «تنغير القدس، أصداء الملاح» يظن ان كل المغاربة البربر مسلمون وهو أحد هؤلاء، غير إنه اكتشف من خلال زياراته السنوية الصيفية مع والده لمسقط رأسه ، تنغير الواقعة بين جبال الأطلس، أن طائفة يهودية عريقة كانت تعيش جنبا الى جنب مع المسلمين. من هنا تبدأ رحلته عبر الماضي والحاضر. غادر كمال، الشاب المنحدر من أصل بربري، مسقط راسه تنغير وهو رضيع لم يتجاوز الستة أشهر مع والدته للالتحاق بوالده الذي هاجر إلى فرنسا عام 1968، تربى وترعرع بين الثقافة الفرنسية والمغربية الإسلامية، ودرس التاريخ في جامعة السوربون، وأصبح مدرسا في فرنسا. في فيلمه «تنغير القدس ، أصداء الملاح» يتتبع هشكار مصير اليهود الغائبين، كما يسميهم، الذين غادروا المدينة واستقروا في إسرائيل. «لم استطع أن أفهم كيف اختفت طائفة بأكملها بين عشية وضحاها» - يقول المخرج، مضيفا انه لمس تشابها بين مأساة هؤلاء اليهود الذين تركوا بيوتهم وأموالهم وأشغالهم وتغربوا في بلد آخر، وبين المسلمين المغربيين الذين استقروا في فرنسا، مما أثار اهتمامه بهجرة اليهود الذين خلفوا وراءهم شهادات صامتة: بيوتهم الخالية ، كنائسهم المهجورة لكنها تروي ذكرى الراحلين. أكثر ما أدهش المخرج لدى زيارته لإسرائيل والتقائه بيهود تنغير والمغرب عموما، أنهم على الرغم من مرور نصف قرن على مغادرتهم وطنهم الاصلي، ما زالوا يتذكرون أسماء الجيران المسلمين ولا يزال الحنين والذكريات تعشّش في قلوبهم واذهانهم، شأنهم شأن المسلمين المغاربة يعتزون بذكريات مشتركة من حياتهم في الماضي، حياة كانت تسودها المحبة وحسن الجيرة. «قابلت دانييل واسحق وحنا وعايشة وتوثقت أواصر الصداقة بيننا. إن صلتي الحميمة بهم ساعدتني على تعريف الذات. كما وجدت ان بحث أبناء الجيل الثاني من كلا الطرفين عن ذاكرة أبائهم وأجدادهم مستمر عبر التراث والأغاني واللغة». يُعتبر المخرج المغربي الفرنسي كمال هشكار نفسه داعية سلام، حيث تعلم العبرية و قام بتنظيم أمسيات ثقافية في باريس تمت خلالها قراءة الشعر من أعمال شعراء يهود وعرب باللغة الأصلية بالعربية والعبرية والفرنسية. عرض الفيلم في المراكز الثقافية الفرنسية في القدس وتل ابيب، وفي فرنسا والمغرب، ونال إعجاب الجمهور واشتدت حدة التصفيق عندما توقف الفيلم مع أغنية المطرب الاسرائيلي شلومو بار التي تتحدث عن حياة اليهود في قرية تودرا في جبال الأطلس. يقول هشكار «رسالتي ليست سياسية. رسالتي رسالة صداقة ومحبة وتعايش وتقبّل الآخر. ساعدني العمل على الفيلم في ترتيب افكاري التي تتناغم مع المسائل التي أشغلت أذهان وقلوب اليهود المغربيين الذين قابلتهم في إسرائيل». من خلاصات بحوثه ورحلاته المكثفة ذهابا وإيابا بين فرنسا والمغرب٬ تعاظم فضوله المعرفي ليغدو مسكونا بذاكرة هؤلاء اليهود الغائبين. قرر ترك مشروع رسالته لنيل الدكتوراه في التاريخ جانبا٬ وانبرى لبناء مادته الفيلمية. يقول كمال هشكار «بالنسبة إلى جيلنا الذي حرم من تملك جزء من تاريخه٬ يصعب تصور هذا التعايش اليهودي الأمازيغي: ماذا حدث إذن في ظرف خمسين عاما حتى يصبح هذا التعايش أمرا لا يصدق». كنا تحدثنا هاتفيا مع كمال هشكار واتفقنا على الالتقاء إثر عرض الفيلم، اتصلنا به فإذا به لا يرد، طلب منا ترك رسالة صوتية فلم نفعل، وما نفعها وسط ذلك الزحام؟ بحثنا عنه في القاعة فلم نجد له أثرا.... سألت نفسي كيف يملك هذا المخرج المبتسم على الدوام القدرة على السفر إلى إسرائيل ويخشى هتافات لا يكاد يسمعها أحد ضد الفيلم؟ هل بمثل هذه الصلابة يمارس المثقفون والفنانون أدوارهم الطلائعية في مجتمعاتهم؟ ونحن نغادر القاعة بعد أن يئسنا من العثور على كمال هشكار الذي يبكي قلبه دما على جيرانه اليهود ويشجعهم على العودة إلى تنغير، صادفنا الناقد المغربي احمد بوغابة فسألناه عن الهاتفين ضد عرض الفيلم فقال « تلك هي الديمقراطية يا صديقي» ... بصراحة لم أشأ أن أخبره بأن قاعة الأفريكا في قلب العاصمة تونس أغلقت أبوابها بقرار من مالك البناية بعد غزوة سلفية ضد فيلم «لائكية إن شاء الله» لنادية الفاني، ذهبت بالواجهة البلورية للقاعة التي تجاور وزارة الداخلية، وخلفت بعض الهلع بين الحاضرين والحاضرات وبضع رضوض للحبيب بلهادي مدير القاعة قبل أن تغلق...دون أن يحرك أحد ساكنا لإقناع مالك البناية وهو رجل الأعمال الشهير ناجي المهيري بالاستجابة للراغبين في استغلال القاعة بعد تلك الحادثة الشهيرة التي لفها النسيان ...وحتى وزارة الثقافة فوتت أيام قرطاج السينمائية وظلت القاعة مغلقة ولعلها تفتح أبوابها لمركز تدليك و «صونا» كما قيل لنا... ولعلها فرصة لكثيرين للتطهر في فندق خمس نجوم...