هكذا إذن ...أصبح الإعلان عن وجود أسلحة ومتفجرات وذخيرة وحتى راجمات ««أر- بي – جي» وكأنه مجرد خبر عادي.. خبر لم يستطع « التشويش» إلا قليلا على الجدل المحموم المتواصل حول أزمة تشكيل الحكومة الجديدة. ففي أوج الصخب الذي تعيشه الساحة السياسية الوطنية بعد استقالة رئيس الحكومة، وانطلاق المشاورات لتكوين حكومة جديدة، أعلنت مصادر أمنية عن كشفها لكميات كبيرة من السلاح في حي شعبي على مشارف العاصمة. وبعدها بأقل من أربع وعشرين ساعة تحدثت الأخبار عن التجاء مجموعة مسلحة إلى جامع في مدينة سيدي بوزيد، بعد مواجهات مع قوات الأمن في قرية «السبالة»... ومنذ أكثر من شهر تم التفطن إلى مخزن للسلاح في مدينة مدنين... أما الكشف عن وجود أسلحة فردية وحجزها فهو أمر يكاد يحصل كل يوم... فما الذي حدث ؟ وهل تخيل تونسي واحد من بيننا، للحظة واحدة، أن يأتي علينا يوم نتحدث فيه عن وجود سلاح في بلادنا، بنفس « البرودة» التي تحدث بها البعض عن عملية الكشف عن كل تلك «الترسانة» المخيفة من الأسلحة على مشارف العاصمة ؟ لطالما قال لنا المحللون والخبراء وحتى الأجهزة الأمنية الرسمية، أن بلادنا تظل مجرد معبر، يدخل إليها السلاح من بلد في طريقه إلى بلد آخر... وأن ترابنا الوطني يبقى مجرد محطة «ترانزيت» ليس إلا... مستشهدين بأن أغلب عمليات الكشف عن وجود أسلحة تمت في المناطق الحدودية. لنكتشف بعد ذلك أن السلاح لم يعد يخبأ في فيافي الصحراء وفي المرتفعات الوعرة. بل أصبح يقطع مئات الكيلومترات نحو التجمعات السكنية الكبرى، ليصل إلى الأحياء الآهلة بالسكان التي لا تكاد تغمض فيها العيون، ولا تهدأ فيها الحركة... لا يعرف التونسيون إلى حدّ الآن الكثير من المعطيات عن حادثة مخزن الأسلحة الذي عثر عليه في مدنين. والحال أن هذه الحادثة مر عليها أكثر من شهر.. ومن حقهم أن يعرفوا تفاصيل أكثر حول ما حدث، وحول نوايا من خزنوا الأسلحة وأهدافهم، حتى يحتاطوا في المستقبل من كل سلوك مريب.. ومن حق التونسيين أيضا معرفة ما يجب أن يعرفوه عن «الترسانة» التي عثر عليها ب «المنيهلة» قرب العاصمة. ففي مثل هذا الوضع لا يمكن الاكتفاء بعبارات الطمأنة متعللين بعدم تخويف الشعب وإدخال الاضطراب على حياته. وجود السلاح أمر مخيف.. ويجب أن يبقى دوما كذلك في هذه البلاد... ولا يمكن أن تكون هناك أولوية أخرى قبل أولوية التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة بكل الطرق، وأولها حماية حدودنا وتأمينها، خاصة في مثل هذا الظرف المتقلب، بسبب تواصل الانفلات الأمني وانتشار السلاح عند بعض جيراننا، وبسبب ما يجري جنوب الصحراء الإفريقية. وهذا يتطلب أولا توفير كل الإمكانيات البشرية والمادية والتكنولوجية لحماية حدودنا من عمليات إدخال السلاح، ومن التهريب بشكل عام. لأن التهريب تحول إلى معضلة حقيقية ما فتأت تتفاقم، وأصبحت تهدد أمن المواطنين وسلامتهم بعد أن خربت الاقتصاد لسنوات. فالذي يهرب البضائع العادية بالسهولة التي تجري بها عمليات التهريب الآن، يمكنه أن يهرب الأسلحة بنفس هذه السهولة. والتصدي للتهريب لا يمكن أن يكون مسؤولية جيشنا الوطني وقوات أمننا، فحسب، فهؤلاء يقومون، مشكورين، بما في وسعهم وأكثر للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، متسلحين بروحهم الوطنية العالية وإحساسهم بحجم المسؤولية المنوطة بعهدتهم، ومعتمدين على ما يتوفر لديهم من معدات وإمكانيات، بل إن هذه القضية تتطلب أيضا تعبئة كبرى للرأي العام، وجهدا تحسيسيا استثنائيا، حتى يقف الجميع على الخطورة التي أصبحت تكتسيها ظاهرة تواجد السلاح في تونس. لأننا لا نريد لتونس أن تكون لا وجهة نهائية للسلاح ولا حتى مجرد محطة «ترانزيت».