السيرة الذاتية لعديد الشعراء تقرّ بأن العظماء منهم ولدوا في ظل الثورات والانتكاسات والهزات والزلازل السياسية... ومن رحم الظلم والمعاناة والصبر والمكابدة والحرمان حتى أن الشاعر صوت الشعب لا يمكن له إلا أن يكون مرآة صادقة تعكس بصورة من الصور المشهد السياسي لواقعه باعتباره القاطرة التي تجرّ خلفها كل المجالات... وعكس هذا فالشاعر يعتبر سلبيا وقد يخرج من المشهد الأدبي ويحكم عليه التاريخ بالإقصاء. شاعرنا الخالد «أبو القاسم الشابي» هو حتما من دعا شعبه الى الثورة... والطبيعة الى العاصفة حتى أنه خضب رومانسيته بثورة الضعفاء والمساكين في وجه الطغاة والمستبدين... وفي نفس التوجه الثوري كان هناك شعراء كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ الشعوب وكتبت أبيات قصائدهم على الجدران والمعلقات والأعلام تتغنى بها الشعوب الثائرة وهي تعلن الثورة على الحاكم الجائر الظالم حتى أن قصائدهم كانت بمعيار القنابل المدوية... الشاعر الشيلي «بابلو نيرودا»... شاعرا فلسطين الثورة والانتفاضة «محمود درويش» و«سميح القاسم».. شعراء «بلاد ما بين الرافدين» العراق العظيم... «بدر شاكر السياب» و«مظفر نواب» و«عبد الوهابي البيّان»... «أمل دنقل» الشاعر المصري برائعته «لا تصالح»... واليوم ينبلج من ثورة مصر التاريخ والمجد الشاعر الصعيدي «هشام الجخ»... بينما فاجأ الشاعر الكويتي «خالد المريخي» الجميع وتفاعل مع ثورات الربيع العربي أكثر من شعراء البلدان الثائرة نفسها كما في تونس حيث انتظرنا من شعرائنا ردة فعل من الحجم الثقيل تفاعلا مع ثورة الحرية والكرامة ولكن الصدى كان خافتا وما يعلم ما في الصدور إلا الله جل جلاله حتى نفهم انكماش شعرائنا من كانوا قادرين على دخول المشهد الإعلامي من بابه الكبير... المنصف الوهايبي قدم لنا كتابه الجديد «عاشقة آدم» ثم ظل يؤثث الأمسيات الشعرية من باب «الأجر الواحد»... «خزاف الصوافي» الشاعر الروائي «حافظ محفوظ» أهدى قرّاءه «على أرض ممكنة» ثم صعد الربوة هاله ارتباك الشارع لعله يحلم برواية على قدر أحلامه يفدي بها ثورة الكرامة.. الشاعر «الصغير أولاد أحمد» بتوهج أفكاره السياسية خرج الى جمهور القنوات التلفزية والفضاءات المغلقة يشدو بالقليل من شعره لعله يعبر عن التحامه بشعب ثائر أبيّ... انتظرنا بقية الأسماء ولكنها ضاعت في الرخام... «المنصف المزغني» تغنى بالنثر في معان عبر بها على طريقته عن المجلس التأسيسي ولكن الجمهور لم يتقبلها لأن الوقت لم يعد يسمح بالهزل... ودون هذا فقد هالنا غياب «محمد الغزي» ومجنون القوافي «محمد الهادي الجزيري» والشاعر الهادئ «شمس الدين العوني» و«آمال موسى» و«فتحية الهاشمي» والشاذلي القرواشي» و«محمد الخالدي» و«الطيب شلبي» و«سندس بكار» و«سلوى الرابحي» والقائمة تطول على أمل أن ينبلج الربيع فصل الخصب والجمال... فلعل القرائح تثمر شعرا يتعطر بشذى ثورة 14 جانفي... فلننتظر.