بقلم: مصطفى قوبعة في الحقيقة، كنت أنتظر كغيري من التونسيين الذين استمعوا إلى كلمة سيادة رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال اعتذارا أو تصحيحا للخطأ الذي وقع فيه السيد الرئيس الذي وضع الاحتفال في اطار الاحتفال بالذكرى 59 للاستقلال حسب التقويم الخاص لرئاسة الجمهورية، وكان بالامكان تقبل أو فهم هذا الخطأ لو جاءت كلمة السيد رئيس الجمهورية مرتجلة، أمّا أنّ هذه الكلمة كانت مكتوبة ومتلاة ويفترض أنها كانت محلّ مراجعة من طرف طاقم مستشاريه فهذا يثير الكثير من علامات الاستفهام. غير أن دائرة الاعلام برئاسة الجمهورية أصدرت تكذيبا لما نقلته جريدة «التونسية» في عددها الصادر يوم الخميس 21 مارس الماضي عن رفض البرلمان العراقي العفو عن المساجين التونسيين المعتقلين في العراق. وأهمّ ما جاء في هذا التكذيب أن رئيس الحكومة العراقية السيد نوري المالكي كان قد أكد للموفد التونسي السيد عدنان منصر خلال استقباله له مؤخرا أنه سيشرع في اجراءات العفو الخاص عن المحكوم عليهم من التونسيين في قضايا الجوازات الذين صدرت ضدهم أحكاما نهائية وعددهم ثمانية، وأنه أعطى تعليماته بحضور السيد عدنان منصر في هذا الاتجاه. وقبل التعليق على هذا التكذيب حرّي بنا أن نذكّر بأهم المحطات السابقة ذات العلاقة بالموضوع. في 16 مارس 2012، وفي تصريح له الى جريدة «التونسية» قال سفير دولة العراق بتونس أن عدد المعتقلين التونسيين في العراق يتراوح بين 22 و25 شخصا، منهم من حُوكم في قضايا قتل وارهاب ومنهم من حُوكم في جنح وجنايات ومنهم من كانوا معتقلين لدى القوات الأمريكية سلمتهم قبل انسحابها من العراق الى السلطات العراقية وهم رهن التحقيق. في 29 مارس 2012، وعلى هامش انعقاد القمة العربية بالعاصمة العراقية بغداد وعد السيد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية بحلّ قضية المساجين التونسيين في اطار ما يسمح به القضاء ومباشرة بعد القمة العربية وحال اتمام ابرام الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. في 30 مارس 2012، أوردت وكالة «تونس افريقيا للأنباء» على لسان السيد عدنان منصر أن عدد المعتقلين التونسيين الذين تمّ التعرف على هويتهم لا يتجاوز 22 معتقلا من جملة العشرات من المفقودين منهم: 12 شخصا محكوما عليهم بتهم تتعلق بدخول التراب العراقي بلا تأشيرة أو بتجاوزهم فترة الاقامة القانونية. 5 آخرين سلمتهم القوات الأمريكية للسلطات العراقية ولم توجه لهم تهما بالارهاب، سيتم اطلاق سراحهم في اطار عفو خاص من الحكومة العراقية موضحا أن العفو الخاص سيمنح لهؤلاء المعتقلين (12 + 5 = 17) وستتسلمهم السلطات التونسية في ظرف أسبوع نصف. بقية المعتقلين وعددهم 3، حُوكموا في قضايا ارهاب أو وجّه لهم القضاء العراقي تهمة المساهمة في عمليات أدت الى سقوط ضحايا عراقيين سيتم تسليمهم الى الجانب التونسي وفق بروتوكول لتنفيذ اتفاقية الرياض المتعلقة بتسليم المحكومين لاتمام مدة عقوبتهم في بلدانهم الأصلية موضحا أن اعداد البروتوكول المتصل بهذه المسألة قد يستغرق شهرا أو شهرين. ويفهم هنا من كلام السيد عدنان منصر في ذلك التاريخ أن مصير 20 معتقلا من جملة 22 بات معلوما، إذ أن 17 منهم سيتمتعون بعفو خاص، و3 سيقضون بقية عقوبتهم في السجون التونسية على أن يتم استكمال جميع الاجراءات اللازمة بين بداية شهر أفريل 2012 ونهاية شهر ماي 2012، في حين لم يتطرق السيد عدنان منصر الى الحالتين المتبقيتين وأغلب الظن أنه صدر في شأنهما حكم بالاعدام. في 6 نوفمبر 2012: أثار السيد المنصف المرزوقي لدى استقباله السيد أسامة النجيفي، رئيس البرلمان العراقي وضع المعتقلين التونسيين في العراق وآليات الافراج عنهم سواء عبر آلية العفو الخاص مثلما وعدت بذلك السلطات العراقية في السابق أو استنادا الى مشروع الاتفاقية القضائية لتبادل السجناء التي اقترحتها تونس على الجانب العراقي في جويلية 2012. في 13 مارس 2013 وتزامنا مع مهمة السيد عدنان منصر الاخيرة في العراق، وفي تصريح له الى صحيفة «قراءات» (وهي الصحيفة الالكترونية الأكثر اطلاعا في العراق) حذّر النائب حاتم الزاملي عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي من خطورة تبادل السجناء مع تونس مطالبا بعدم تمرير الاتفاقية إلا عبر البرلمان متهما وكيل وزارة الداخلية العراقية عدنان الآسي بالتملق لحسابات خاصة على حدّ تعبيره واعتبر الزاملي الحديث سجناء عراقيين في تونس أمرا مضحكا بينما قال عن السجناء التونسيين في العراق أنهم متورطون في قضايا «ارهابية» وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه النائب بالبرلمان العراقي حسون الفتلاوي عضو لجنة الشؤون القانونية وبناء على ما تقدم، نستنتج ما يلي: عموما، جاء تكذيب دائرة الاعلام برئاسة الجمهورية مفتقرا للدقة الكاملة التي تستوجبها حساسية الموضوع. جاء هذا التكذيب غير منسجم مع تأكيدات السيد عدنان منصر يوم 30 مارس من السنة الماضية، حيث نزل عدد المعتقلين المتوقع تسليمهم للسلطات التونسية من 20 في 30 مارس 2012 الى 8 في 21 مارس 2013 حسب ما ورد في التكذيب. لا شيء يؤكد بعد أن الثمانية المعتقلين المشار إليهم في نص التكذيب والذين صدرت في شأنهم أحكام نهائية في قضايا الجوازات غير مورطين في قضايا أخرى. نفهم كذلك أن تعامل الجانب العراقي هو تعامل «ديبلوماسي» أكثر منه تعاملا سياسيا جديا ومسؤولا مع هذا الملف على الأقل حتى اللحظة. نستنتج أيضا أن السلطات العراقية رغم كل التطمينات والوعود السابقة لم تحسم أمرها بعد في آلية التسليم. يظهر أن الجانب التونسي وحرصا منه على استحثاث نسق غلق الملف استنبط فكرة مبادلة المعتقلين التونسيين في العراق بمعتقلين عراقيين في تونس غير معلوم عددهم وأسباب اعتقالهم. لئن لم يعرض الملف على أنظار البرلمان العراقي بصفة رسمية، فإنّ التصريحات الصادرة عن عدد من أعضائه تشير الى وجود اختلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول الملف، وفي صورة تعهد البرلمان العراقي بالمسألة فليس من الوارد أن يوافق هذا الاخير على التسليم تحت أيّة آلية كانت خاصة إذا علمنا أن هذا البرلمان تسيطر عليه الكتل الشيعية، وموقف هذه التكتل من قضايا «الارهاب» معلوم مسبقا، إذ تبدو غير مستعدة لأية تسوية طالما أنها تعتبر في نشاط المجموعات المسلحة الناشطة في العراق استهدافا للطائفة الشيعية. إن حكومة نوري المالكي تمرّ بظروف سياسية صعبة على جميع المستويات منذ أسابيع طويلة عقّدتها أكثر التفجيرات التي هزت العاصمة العراقية بغداد يوم 19 مارس الماضي، وهو اليوم الذي وصفته أوساط اعلامية عراقية بيوم الانقلاب غير المعلن على حكومة المالكي، ويصعب في ظلّ هذه الأجواء السياسية والأمنية المتأزمة في العراق توقّع مبادرة ما أحادية الجانب من السيد نور المالكي في اتجاه تسوية جزء من ملف المعتقلين التونسيين في العراق. هذا بعض من حيثيات ملف معتقلينا في العراق، هذه الدولة الشقيقة التي تربطنا بها علاقات ديبلوماسية وقنوات الاتصال معها مفتوحة على طول الخط، فكيف هو الشأن مع الشقيقة سوريا حيث العلاقات الديبلوماسية مقطوعة وحيث عدد معتقلينا وجرحانا وقتلانا هناك أضعاف عددهم في الشقيقة العراق؟ سؤال لن تجيب عنه دائرة الاعلام في رئاسة الجمهورية على الأقل في الوقت الحاضر.