عبيد البريكي عضو المركزية النقابية السابق والذي ترأس المؤتمر التوحيدي الذي انبثق عنه حزب الوطنيين الموحد وشكري بلعيد أمينا عامّا له، قد يكون قرّر البقاء خارج التنظيم الحزبي والاكتفاء بمعاضدته بما يُشبه الانسحاب النهائي. ويبدو أنّ تفاصيل الاجتماع الأخير للمجلس المركزي لسدّ شغور المنصب الأول بعد اغتيال بلعيد كانت محدّدة لموقفه. وهذا جزء صغير من رسالته التي وجهها إلى أعضاء المجلس قبل صدور البلاغ النهائي الذي كلّف زياد الأخضر بسدّ الشغور: «الرفيقات والرفاق، بالنظر الى عدم حصول الاجماع الكلي على اعتباري مؤهَّلا للمساهمة معكم في الحفاظ على ما راكمه رفيقنا الشهيد طيلة مسيرته النضالية، فإني و للأسف، أعبّر لكم عن عدم استعدادي لخوض مغامرة عسيرة، لأنّ الرفيق لا يعوََّض فضلا على نشأة اختلافات بينكم حول الأمانة العامة، ولكني أعدكم شرفا أني سأظل جنديا منضبطا لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد و سأعمل على دعمه بما يتوفر لدي في كافة المواقع، ملتزما بمواقفه و قراراته داعيا إياكم من موقع الغيرة على هذا الحزب و وفاءًً لمؤسسه الشهيد أن تعملوا بما أوتيتم من قوة على: 1 - وحدتكم و وحدتكم ثم وحدتكم ولا تجعلوا من مسؤولية الأمانة العامة عامل تأثير على علاقاتكم الرفاقية. 2 - السير قدمًا مع رفاقكم في الجبهة الشعبية من أجل استكمال مسار الثورة و تحقيق اهدافها. 3 - العمل على تحقيق حلم طالما راود الشهيد بل إنه انطلق في العمل من اجله وهو حزب اليسار الكبير.اجعلوا كل قطرة من دم الرفيق نورًا يضيء سبيلكم في النضال ونارًا على أعداء الشعب و الثورة. رفيقكم الوفي دائما لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ولزعيمنا الشهيد شكري بلعيد. عبيد البريكي». قراءة سريعة للرسالة تشير إلى حجم الغموض الذي يلفّ معانيها، فهي وإن أثبتت عدم حصول إجماع على شخصه فإنّها لا تبوح بأسرارها: عدم إجماع على تولّيه الأمانة العامة أم على منصب قيادي رئيسي آخر؟، وعدم استعداد البريكي لخوض مغامرة على حدّ قوله هل معناه رفضه للمنصب مسبقا أم رغبته فيه دون أي منصب آخر؟ وهل يعني أيضا كل ما سبق، رفض الأغلبية إعطاء أي منصب رئيسي وفاعل له داخل المكتب السياسي والمجلس المركزي حتى وإن كان المنصب أقل من الأمانة العامة؟ كذلك التعهد بالبقاء «جنديا منضبطا» للحزب هل هو اكتفاء بدور القواعد أم هو انسحاب نهائي غير معلَن؟. النقطة الوحيدة التي كانت واضحة هي حصول اختلافات داخلية حول منصب الأمانة العامة، وقد أكّد لنا مصدرنا الذي تابع أشغال المجلس المركزي حصول هذه الاختلافات ولكنه قلّل من أهميتها واعتبرها عادية جدا في حزب له مناضلون يناقشون ويجادلون لا مجرّد قطيع تابع وصامت وهو تقريبا نفس ما صرّح به زياد الأخضر الأمين العام الجديد لوسائل الإعلام الإذاعية والتلفزية. كما ذكر مصدرنا أنّ الخلاف لم يكن بين المرشّحين للمنصب فلا أحد منهم قدّم ترشحه وليس من حق أحد ذلك أصلا لأنّ الأمر يتعلّق بتكليف واقتراحات صادرة عن المجلس المركزي «يخضع» على إثرها أحد الأعضاء لقرار التكليف إن قبل به طبعا. ومن بين الأسماء التي وقع اقتراح تكليفها، هناك من عبّر عن عدم رغبته أو استعداده لتحمل أعباء المنصب الأول، رافضا الإجابة عمّا إذا كان عبيد البريكي من هذه الأسماء المقترَحة داخل المجلس أم لا، خاتما بالقول أنّ هذا الانضباط المعروف لدى مناضلي الحزب بعد استيفاء كل مراحل النقاش الضرورية صلب الهياكل هو الذي جعله يحافظ على صلابته وتلاحمه رغم هول وقع صدمة اغتيال مؤسسه شكري بلعيد. ويبقى السؤال مطروحا، هل انتهى المشوار السياسي لعبيد البريكي قبل أن يبدأ فعليا؟