الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا" في برلين    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حديث خاص ب"التونسية": مفتي الجمهورية يتحدّث عن فوضى الفتاوى.. الانتحار.. النقاب.. نكاح الجهاد.. تعدّد الزوجات وحق الإضراب:
نشر في التونسية يوم 18 - 04 - 2013

هذا رأيي في تخلي «النهضة» عن التنصيص على الشريعة في الدستور
النقاب ليس فريضة إسلامية
لا مجال للشعوذة والخصومات في المساجد
حاورتاه: جيهان لغماري وليلى بن إبراهيم
اعتبر الشيخ عثمان بطيخ مفتي الجمهورية في حوار مع «التونسية» أن فتوى نكاح الجهاد من المهازل التي تشرع للفجور والفساد والزنى وتعاطي البغاء مؤكدا أنه ليس في الإسلام نص واحد يبيح ذلك. ودافع مفتي الجمهورية عن مؤسسة الإفتاء قائلا إنها لم ولن تسكت البتة عن مواجهة فوضى الفتاوى وتداخلها واضطرابها داعيا التونسيين الى الكف عن المهاترات الفارغة والابتعاد عن دواعي الاستفزاز بمضامينه المختلفة وظواهره المعروفة.
وقال مفتي الجمهورية أن الحكومة جادة في تطبيق القانون وإعادة الهدوء الى الجوامع التي تشهد بعض الاضطرابات مؤكدا أن المساجد لم تجعل للشعوذة ولا للصخب ولا للخصومات أو الجدل الفارغ.
بقية التفاصيل في الحوار التالي...
الى حد اليوم ما زال هناك التباس حول مهمة المفتي... هل لنا من توضيح في هذا الشأن؟
خطة الإفتاء كما سبق أن بينت في مناسبات متعددة هي من أقدم الخطط الدينية في بلادنا، وقد بدأت مع دخول المسلمين الفاتحين لإفريقية، وتطورت مهمة المفتي مع مرور الزمن حتى أخذت صبغتها الرسمية منذ بداية عصر الدولة الحفصية، وتواصلت مع دخول الأتراك، وخاصة إبان الفترة الحسينية حيث صار المفتي عضوا في المحاكم الشرعية . وبعد الاستقلال وتوحيد القضاء أحدثت خطة مفتي الديار التونسية، ولما أعلنت الجمهورية صدر الأمر عدد 107/1962 بإحداث خطة مفتي الجمهورية التونسية ملحقة بكتابة الدولة للرئاسة وهو مستشار الدولة في شؤون الشريعة وأصول الدين والمراسم الإسلامية ويضطلع بكل ما يسند إليه من مهمات دينية أخرى ويعين بأمر جمهوري. وسمي الشيخ سيدي محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله في هذا المنصب مع احتفاظه بخطة عميد الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين .
وقد تطورت الخطة فأصبحت تشمل مهمات متعددة فهي زيادة على ما سبق تجيب عن أسئلة المواطنين كتابيا وحضوريا مباشرة وعن طريق وسائل الاتصال الحديثة وتسند شهادات الإسلام للراغبين في ذلك من غير المسلمين وهي الشهادة الرسمية الوحيدة المعترف بها قانونيا ومعتمدة لدى مختلف الإدارات والمصالح الرسمية . كما يسند المفتي شهادة الحلال للمنتوجات التونسية المعدة للتصدير في اتجاه مختلف الدول الإسلامية ومنها المواد الغذائية واللحوم. وقد أمضت مؤسسة الإفتاء اتفاقية شراكة مع معهد الملكية والمواصفات التونسية. وللمفتي نشاط داخلي وخارجي من خلال حضور الندوات والمؤتمرات التي تهم الشأن الديني، والمفتي عضو بمجمع الفقه الإسلامي الدولي ومقره جدة.
ونحن اليوم بصدد إحداث موقع «واب» متطور يمكن من خلاله للجميع التواصل مع المؤسسة من تونس وخارجها . وللمفتي علاقة وثيقة بوسائل الإعلام المختلفة مكتوبة ومسموعة ومرئية، الخاص منها والعام، من تونس وخارجها عربيا كان أو أجنبيا، وتبذل مؤسسة الإفتاء جهدا دؤوبا لتقديم المعلومة الصحيحة في كل ما يرد عليها من أسئلة من مختلف وسائل الإعلام وفي كل القضايا المطروحة على الساحة.
كما نشرنا عدة دراسات عبر وسائل الإعلام في المناسبات الدينية في مواضيع مطلوبة كالزكاة والصوم والحج، ونشرت عديد الفتاوى عن طريق مجلة «الهداية» الصادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى، وهذه من تقاليد الإفتاء في تونس.
ونحن نعمل باستمرار وبجدية كاملة على تطوير المؤسسة كلما سنحت الظروف، وتقدمنا الى الجهات المسؤولة بمشروع متكامل لتطوير هيكل الفتوى في بلادنا حتى يأخذ مداه المطلوب الذي نطمح إليه جميعا.
لكننا لاحظنا أن هناك صمتا ومحاولة عدم التورط في ما تشهده البلاد، إذا لماذا لا تعلنون صراحة عدم شرعية أية فتوى من خارج مؤسسة الإفتاء؟
بخلاف ما يظنه البعض، لم نسكت البتة في مواجهة فوضى الفتاوى وتداخلها واضطرابها، وكانت وسائل الإعلام تتصل بنا كلما جد جديد لأخذ رأينا ونجيب على ذلك بمقتضى صريح النص من الكتاب والسنة واعتمادا على اجتهادات علمائنا الأفذاذ أو بما تقرره القواعد العامة للشريعة وروح الإسلام ومقاصده، ولا نتوانى عن تصحيح الأخطاء في ما يظهر لنا أنه انحراف عن مطلوب الشرع الحنيف أو عدم ملاءمة بعض الفتاوى لنصوص الشريعة ولواقعنا المعيش أو ما لا يتماشى مع سماحة الإسلام وما تعودنا عليه من اعتدال ووسطية وتسامح . وعلى الجميع أن يرجع الى مختلف وسائل الإعلام خصوصا منها المكتوبة ليقف على هذه الحقيقة .
قدمتم مقترحا لتحصين المجتمع من فوضى الفتاوى، ماذا تقصدون؟
اقتراحنا بضرورة تحصين المجتمع من فوضى الفتاوى هو أمر ليس بجديد ولا بطارئ بل اقترحنا ذلك منذ مدة وتمت الموافقة عليه رسميا، ولكن وقع التذكير به مؤخرا، والمقترح في طريقه الى التجسيم قريبا بإذن الله تعالى، وحصل الاتفاق مع مؤسسة التلفزة الوطنية في إنتاج برنامج جديد للفتوى يكون أسبوعيا، ويتولى من خلاله المفتي الإجابة مباشرة على تساؤلات الناس، مما سيكون له إن شاء الله تأثير مفيد .
هل هذا إقرار أن هوية التونسي المالكية باتت مهددة؟
لا.. لم نصل بعد الى وصف الحالة بكونها تهديدا لهوية المجتمع التونسي، فهويتنا العربية الإسلامية السنية المالكية متجذرة منذ دخول الإسلام الى إفريقية، ولا يمكن للعوامل الدخيلة أن تؤثر فيها، فشجرة الإيمان في بلادنا شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
ومهما هبت عليها من رياح من أيّة جهة كانت، فإنها تمر كما مر غيرها وتبقى الشجرة ثابتة، والتاريخ شاهد على ذلك قال تعالى « وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».
أتعتقدون أن مثل هذه البرامج التلفزية قد تساهم في الحد من فوضى الفتاوى؟
هذه البرامج باستمرارها وثباتها وانفتاحها على كل القضايا التي تهم ديننا الحنيف، لن تساهم فقط في الحد من الفتاوى المتضاربة والسخيفة بل ستمنع بحول الله وتوفيقه ومع طول الوقت أشكال الفوضى وستصحح كثيرا من المفاهيم والأوضاع . ولا شك أنكم لاحظتم في المدة الأخيرة شبه توافق عام في المطالبة بتدخل مؤسسة الإفتاء لبيان الحكم الشرعي الصحيح في كل ما يقال وينشر ويذاع ويشاهد من هنا وهناك، وما اقتراحنا إلا استجابة لما يطلبه الرأي العام منا، وهو واجب ديني ووطني متعين .
هل ستجد إقبالا وصدى لدى الشباب التونسي في ظل العولمة؟
أعتقد جازما أن شبابنا في غالبيتهم متفتحون ومثقفون ولديهم من العقل الراجح والفكر النير ما يستطيعون به التمييز بين الغث والسمين، والمسألة تبقى في تقديري مسألة وقت، ولعل الأيام تصدق حسن ظني .
دعوتم في ما مضى الى عدم الصلاة على المنتحر استنكارا لما صدر عنه وزجرا لغيره، ألا يمكن أن يكون البوعزيزي استثناء ولماذا ؟
لم أدع الى عدم الصلاة على المنتحر إلا أنه لا يصلى على الكافر والمرتد. أما المسلم الذي انتحر فهو مرتكب لمعصية كبرى وذنب عظيم والله عز وجل يقول « ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» (النساء 29) ويقول «ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا» (المائدة 32)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة« (رواه البخاري ومسلم). فعلى المؤمن أن يتصبر ويستعين بالله تعالى، ويعلم أن كل شدة تصيبه في الدنيا مهما كانت شديدة فإن عذاب الآخرة أشد منها، ولا يصح عند أحد من العقلاء أن يستجير الإنسان من الرمضاء بالنار، فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة لابد لها من نهاية إلى عذاب دائم لا نهاية له . والمنتحر من المسلمين يغسل ويكفن ويصلي عليه عموم المسلمين ويدفن في مقابر المسلمين، وهو ما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء، وفي الحديث « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجلٍ قتل نفسه بمشاقص (واحدها مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو السهم العريض الحاد ) فلم يُصلِّ عليه» (أخرجه الإمام مسلم ) وهذا هو ما صرحت به سابقا على أعمدة الصحف .
وهذا حكم عام في جميع المسلمين لا يستثنى منه أحد، وذلك من عدل الله بين عباده ولو كان صحابيا بدليل ما أخرجه ابن ماجة وأحمد وأبو داود بسند صحيح عن جابر بن سمرة « أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جُرح فآذته الجراحة فدبّ أي عمد إلى مشاقص فذبح بها نفسه فلم يصلّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم».
لاحظنا في المدة الأخيرة انتشار ظاهرة التكفير، كيف تقرؤون هذه الظاهرة ؟
نشر التوعية الدينية الصحيحة في المدارس والمعاهد والكليات وفي وسائل الإعلام وإسداء التثقيف الديني الصحيح السليم في المساجد والمنتديات، من غير تشنج ولا انفعال ولا فلتات لسان، من شأنه أن يخفف على الأقل من حدة هذه الظاهرة التي تقسم التونسيين الى ملل ومذاهب وإيديولوجيات وعصبيات متعددة. وكذلك الكف عن المهاترات الفارغة والابتعاد عن دواعي الاستفزاز بمضامينه المختلفة وظواهره المعروفة، يعين على الهدوء ويفتح أبواب الحوار العاقل الذي دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى « ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين « (النحل 125).
ماذا عن تواجد بعض المذاهب الدخيلة على المجتمع التونسي كالوهابية والتشيع؟
ما أسميته «ببعض المذاهب الدخيلة» لا يهم تونس فقط بل يطال أكثر الدول الإسلامية شرقا وغربا. وهذه المذاهب أفرزتها أحداث تاريخية منذ العصر الأول عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وبعضها ظهر متأخرا . فقد عرف المجتمع الإسلامي منذ القديم وجود الفرق والمذاهب. وما دام جو الحرية الذي تنعم به بلادنا يتيح التنوع والتعدد، فلا بأس ولا ضرر ما كان الحوار فكريا والتعامل سلميا، بل إن من ثراء الحضارة وجود بيئة فكرية متنوعة وخصبة، بدليل ما ساد في عصر الازدهار الإسلامي في بغداد والقاهرة والقيروان والأندلس الى حد الترف الفكري، لكن إذا انقلب التنوع الى خصومة وتعصب وغلو وادعاء التفرد بالحقيقة على قاعدة الإقصاء، فيصبح الأمر بكليته مذموما وكارثيا لأن نتيجته في النهاية التناحر والتقاتل والفتنة الهوجاء والله ينبهنا من شر هذا المآل بقوله وهو أحكم القائلين «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» ( الانفال 46 ) وعلى كل فأنا متفائل خيرا، فالتونسي عاقل وذكي مدرك مميز بين ما هو مفيد نافع وبين ما هو شر وضرر.
اعتبرتم – في تصريح سابق – أن فرض النقاب وتعميمه غلو وتشدّد في غير محله؟
اختلف الفقهاء في كون الوجه من المرأة عورة، وذهب جمهور من الفقهاء إلى أن الوجه ليس بعورة، وإذا لم يكن عورة فإنه يجوز لها كشفه. ومن اختارت النقاب فلها ذلك لما كان الأمر يرجع في النهاية الى عامل الاقتناع والحرية الشخصية . أما فرضه بالتخويف والتهديد أو إيهام الناس بأنه فريضة إسلامية، فهذا بلا شك غلو وتنطع. والله الهادي الى سواء السبيل.
تناقلت تقارير إعلامية ومصادر من «المجاهدين» الذين عادوا الى تونس
بعد المشاركة في الحرب السورية، أن ثلاث عشرة فتاة تونسية توجهن الى أرض المعركة تطبيقا لفتوى «نكاح الجهاد»، فكيف تفسرون تنامي هذه الظاهرة وما رأيكم الشرعي فيها؟
فتوى نكاح الجهاد إن صح مصدرها هي من المهازل التي لا تصدر عن مسلم عاقل فضلا عن شيوخ العلم، وهي تشرع للفجور والفساد والزنى وتعاطي البغاء والاتجار فيه وقد سماه الإسلام نكاح البغايا، وهو لا ينتج عنه إلا فساد أخلاقي وأمراض مهلكة وضياع أبناء وبنات المسلمين في أتون الشرور.
وليس في الإسلام نص واحد يبيح ذلك ولم نسمع عن غزوات المسلمين أنه وقع منهم ذلك، وحتى نكاح المتعة فقد أجمع أهل السنة والجماعة على تحريمه . وما حدث في تقديري هي بحمد الله حالات فردية محدودة لأن الفتاة التونسية عفيفة متعلمة وعائلاتنا متأصلة وعريقة في التدين وفي العفاف والحياء.
الكل يعلم أن ضغوطات تمارس على المفتي منذ عهدي بورقيبة وبن علي وأنه غالبا ما كان أداة في يد السلطة، فهل تمارس عليكم اليوم ضغوطات؟
هذا كلام لا علم لنا به لأنه منذ توليت الإفتاء عام 2008 والى الآن أتصرف بما يمليه علي ديني وأستشعر حرية كافية لأداء مهمتي كاملة، وتعزز هذا الشعور بعد الثورة ولم يزدنا
ذلك إلا ثقة ومزيدا من المسؤولية في تحمل أعباء المهمة، وهي مسؤولية ثقيلة لم أطلبها ولم أسع إليها ولذلك ما زال الله في عوننا وتوفيقنا الى أن نغادرها إن شاء الله وتركها عزيزة منيعة .
هل يعني الإعلان عن رمضان مثلا أنه لم يعد قضية سياسية؟
لم يكن الإعلان عن رمضان في يوم ما قضية سياسية، بل تتم إجراءات الإعلان طبق النصوص الشرعية . صحيح أنه في العهد البورقيبي تم الاعتماد على الحساب في إدخال الشهور القمرية نتيجة ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر اسطمبول، وقد رفضته دول بعد أن وقعت عليه، ثم عاد الاعتماد على الرؤية الشرعية مع اعتماد الحساب الفلكي زيادة على التنسيق مع عدد من الدول الإسلامية حرصا على توحيد الشعائر والمواسم بين جميع المسلمين، وانتفت بذلك مظاهر الاختلاف بين التونسيين بين مفطر وصائم.
ما هو موقفكم مما نراه اليوم في المساجد (أسلحة، استخراج جنّ، تجنيد الشباب...)؟
ما يحدث في بعض المساجد - من غير تعميم ولا تضخيم – من تصرفات مشينة مظهر لا يليق ولا يجوز حصوله داخل المساجد التي جعلت للعبادة ولطمأنينة الأرواح والقلوب « ألا بذكر الله تطمئن القلوب». والواجب تجنيب مساجدنا كل مظاهر الفتنة كالشجار وارتفاع الأصوات في بيوت أذن الله أن ترفع لذكره فقط . والدولة جادة في تطبيق القانون وسعيها حثيث الى إعادة الهدوء للجوامع التي تشهد بعض الاضطرابات من حين الى آخر. المساجد لم تجعل للشعوذة ولا للصخب ولا للخصومات أو الجدل الفارغ قال تعالى « في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مّن فَضْلِهِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (صدق الله العظيم).
ماذا تقولون عن اغتيال شكري بلعيد إنسانيا وشرعيا؟
الاغتيال جريمة بالغة الخطر لما فيها من إزهاق نفس بشرية بغير حق قال تعالى « ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق «(الأنعام 151). والخلاف في الرأي مهما احتد لا يمكن أن يكون دافعا شرعيا الى إهدار دم بشري لأنه يتعارض مع روح الإسلام السمحة ومثله العليا، ولا نقول إلا رحم الله شهداءنا.
اعتبر الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة أن تناول «الفياغرا» حلال بشرط معاشرة الزوجة، ويصبح حراما إذا كان الغرض منه الزنى، ما رأيكم في هذه التصريحات ؟
بلا تعليق.
كعالم دين معروف ما رأيكم في من يدعي أنه سيفتح تونس إسلاميا؟
هذا الادعاء فيه جهل كبير بتونس وتاريخها العريق في الإسلام منذ ما يزيد عن 14 قرنا، بل إن لهذه الأرض فضل بعد الله في وصول الإسلام الى دول المغرب الإسلامي والى الأندلس بل الى شرق إفريقيا وغربها . ومن الفخر الجدير بتونس أن لها أقدم جامعة إسلامية هي الزيتونة التي انتشر منها العلم لأكثر من 13 قرنا، وكانت وفود العلماء وطلبة العلم يأتونها من كل مكان .
كيف تنظرون الى تخلي «النهضة» عن إدراج التنصيص على الشريعة في الدستور؟
التنصيص في الفصل الأول من الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام كاف لوحده فالإسلام هو عقيدة وشريعة وقيم ومثل وأخلاق. والنص مختصر وفق ما يجب أن تكون عليه شروط الصياغة القانونية الدستورية، لكنه جامع لكل ما تعنيه دلالة الإسلام. أما التفاصيل والتفريعات فمرجعها الى القوانين الترتيبية.
ما رأيكم في دعوة البعض الى تشريع تعدد الزوجات في تونس؟
تعدد الزوجات حكمه الإباحة لا الوجوب، ولولي الأمر تقييد المباح إذا رأى مصلحة في ذلك، مثلما نصت عليه مجلة الأحوال الشخصية.
وللمرأة موقفها تدافع عنه، بدليل أن ما اشتهر عندنا تحت مسمى «الصداق القيرواني » مرجع الأمر فيه الى المرأة فهي صاحبة القرار . والتعدد لم يكن في يوم ما ظاهرة اجتماعية كبيرة في بلادنا، وللمرأة في ديننا أن تضع شروطها في عقد زواجها.
ما رأي مفتي الجمهورية في الاعتصامات والإضرابات المتعددة؟
الإضراب حق بالقانون وفق شروط مضبوطة، ولكن في الظروف الحساسة التي تمر بها تونس حاليا يكون من الأولى والأجدى أن يسود الحوار وأن تؤخذ بعين الاعتبار إمكانيات البلاد وظروفها الاستثنائية، وفي القاعدة الأصولية الشرعية : المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة في حال التعارض .
بماذا تنصحون الشباب التونسي الذي ينتصر لدينه ولكنه غير مؤطر لمعرفة مفهوم الجهاد والغيرة على ديننا ؟
التحصن بالعلم والمعرفة يجب أن يكون هو الزاد الحقيقي لكل شاب تونسي، والاعتبار بتاريخ من سبق والاستفادة من تجارب الأجيال هو الطريق الأصح لاستيعاب مفاهيم الدين في كل القضايا الراهنة ومنها مسألة الجهاد. والأمة محتاجة الى فكر شبابها وسواعدهم الفتية في بناء حاضر زاهر ومستقبل مشرق، وهو ما يطلق عليه بالجهاد الأكبر .

وأخيرا هل لكم من نصيحة الى أصحاب المشهد السياسي سلطة ومعارضة كمساهمة منكم في تقليص الاحتقان وتلطيف الأجواء؟
نصيحتي الى كل الإخوة بلا استثناء أن يجعلوا مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية والمصلحية، وأن تمتد كل الأيادي الى بناء سلام نفسي يعيد الأمل لكل مواطن ويرفع عنا جميعا المخاوف والتوجسات . والله أسأل أن يحفظ تونس وشعبها من كل سوء، وأن يتكرم علينا بوافر النعم والخيرات ما ظهر منها وما بطن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.