شكّل إعلان مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، أول أمس، عن نهاية كتابة الدستور، الذي وصفه بأنه توافقي ومن أفضل الدساتير في العالم، أزمة بين الفرقاء السياسيين الذين انتفضوا معتبرين أن النهضة والتكتل يحاولان التغول على مشروع الدستور وجر البلاد الى الفتنة متهمين بن جعفر بخيانة الامانة وابداء الولاء للحزب الحاكم. فماهي مؤاخذات المعارضة حول مشروع الدستور الجديد وماهو سبب انتفاضتهم ؟ «التونسية» حاولت رصد آراء بعض الفرقاء السياسيين في الروبرتاج التالي: قال القيادي في الجبهة الشعبية «أحمد الصديق» انه لا يستطيع الحكم على نص الدستور حتى يطلع عليه عديد المرات بوصفه رجل قانون مؤكدا على ان التعليقات والمواقف التي وردت على لسان من هم من المفترض ان يكونوا واضعيه على حد تعبيره تدل على عدم وجود توافق داخل المجلس التأسيسي وتحديدا داخل لجان الصياغة ،موضحا انه لم يقع استكمال النقاش خاصة في ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة . وتساءل الصديق عن طبيعة المواضيع التي سيتناقش فيها المشاركون في ما يسمى بالحوار الوطني والحال ان مسودة الدستور جاهزة مثلما صرح مصطفى بن جعفر قائلا: «هذا التصريح يجعلني اخذ على محمل الجد ما قيل عن جاهزية مسودة الدستور وهو استباق وقطع طريق على نتائج الحوار حول بعض المسائل الهامة في الدستور». واعتبر الصديق ان التسرع والارتجال في غلق باب الحوار والنقاش حول المسائل المحورية في الدستور يؤكد عدم الرغبة في التوافق معتبرا ذلك بمثابة فرض أمر واقع تسطر فيه احكام الدستور بمنطق الاغلبية داخل المجلس الوطني التأسيسي وتهيئة الأجواء للاستفتاء بما يعمق انقسام التونسيين وهو منهج لا مسؤول يتحمل تبعاته من ينتهجه. عديد النقائص من جهته، أكد «محسن مرزوق» عضو حركة «نداء تونس» ان تصريحات رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر مجانبة للواقع السياسي التونسي قائلا «ان اغلب الخبراء صرحوا بان مسودة الدستور تتطلب مراجعة وتدقيقا بسبب بعض الصياغات التي تحتمل تأويلات متعددة مشيرا الى ان المنسق العام لكتابة الدستور لا تتوفر فيه مقومات التنسيق والصياغة». وبينّ «مرزوق» أن ليس هناك توافق نهائي حول طبيعة النظام السياسي من جهة وحول الصياغات الخاصة بعلاقة الدين بالسياسة من جهة اخرى مشيرا الى ان التوافق مازال بعيدا عن الواقع السياسي في تونس. واعتبر «مرزوق» انه من السابق لأوانه ان نمتدح مسودة الدستور والحال انها تشكو عديد النقائص مضيفا لابد ان يقع بعث لجنة مشتركة بين ممثلي كتل وخبراء تتجند لمدة 4 أو 5 ايام لإنهاء الموضوع. رأسا السلطة التنفيذية في المقابل، أكد «الهادي بلعباس» الناطق الرسمي لحزب «المؤتمر» انه لا يوجد توافق حول ما ورد في المسودة المبدئية للدستور لكن يبقى الأمل قائما في تدارك نقاط الاختلاف في ظل وجود حوار وطني بإيعاز من رئاسة الجمهورية لتذليل الصعوبات في بعض النقاط التي لا تزال عالقة او محل نقاش في الدستور. وبينّ «بلعباس» ان نقاط الاختلاف تتمحور بالأساس حول توزيع الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية وبمعنى أوضح بين قرطاج والقصبة قائلا «نحن نتابع المسالة عن كثب وندعو الجميع الى التمسك بالنظام المزدوج مع التوازن في الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية». صيغة توافقة أما «فريدة العبيدي» رئيسة لجنة الحقوق والحريات التأسيسية وعضو الهيئة المشتركة لصياغة وتنسيق الدستور أكدت انها تشاطر مصطفى بن جعفر في تصريحاته حول وجود توافق بين الكتل في مسالة صياغة الدستور وأضافت «العبيدي» ان المعارضة والممثلة في شخص «اياد الدهماني» و«عمر الشتوي» شاركت في اعمال اللجنة الى حد إكمال الباب المتعلق برئاسة الجمهورية وانهما علقا مشاركتهما فقط في القسم المتعلق بالحكومة وبالتالي فان الصياغة كانت توافقية مائة بالمائة. وأشارت «العبيدي» الى انه لم يقع اللجوء الى التصويت في أية مرحلة من المراحل مضيفة انه تم الاعتماد على نفس المنهج في مختلف أعمال اللجنة التأسيسية. واستغربت العبيدي انسحاب كل من الدهماني والشتوي بالرغم من توفر مناخ فيه قدر كبير من احترام الرأي والرأي الاخر. مسرحية هزلية من جهته، اعتبر القيادي في الحزب الجمهوري «عصام الشابي» ان اعلان مصطفي بن جعفر عن الانتهاء من كتابة النسخة الاولية للدستور بمثابة عينة من الديماغوجية ومحاولة إيهام الرأي العام بالتوافق المزعوم قصد تسجيل نقاط سياسية على حساب مهمة تاريخية منوطة بعهدة المجلس الوطني التأسيسي وهو محاولة ايضا لإجهاض الحوار الوطني لحسم المسالة الخلافية . وأشار الشابي الى ان بن جعفر خالف النظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي وخاصة الفصل 60 و64 و65 و103 و104 وأعطى صلاحيات للجنة الصياغة لا تمتلكها أصلا باعتبار انه منحها إمكانية الحسم في الخلافات وهي التي لا يحق لها التصويت بتركيبة لا تعكس التمثيلية داخل التأسيسي. وأكد الشابي ان بن جعفر استقوى بممثلي الحزب الحاكم ونواب حركة وفاء بعد انسحاب «اياد الدهماني» و«عمرالشتوي» للخروج بمسرحية هزلية وهي توليه تقديم مشروع الدستور للخبراء بالرغم من ان اغلبهم رفض تسلمها . وأضاف «الشابي» ان بن جعفر ابدى الولاء والطاعة لمن نصبوه رئيسا للمجلس وان نواياه تصب في خانة خدمة مصلحته الانتخابية لا اكثر.