عاشت مدينة النفيضة وضعا استثنائيا كامل يوم الثلاثاء 30 أفريل الجاري وذلك على خلفية فرض مجموعة من الأهالي لما سمي ب"الإضراب العام" داخل المدينة والذي تمت الدعوة له منذ أيام على خلفية توتر العلاقة بين الشركة التركية المشغلة لمطار النفيضة الحمامات الدولي وعدد من عمالها في قسم الخدمات الأرضية والتي انطلقت منذ مطلع الشهر بقرار الإدارة وضع حد لخدمات أحد الموظفين بها وعدم تجديد عقد عمله على إثر خلاف شب في وقت سابق بين الموظف التونسي ورئيسه في العمل التركي الجنسية. ودون العودة لحيثيات هذا الملف الذي استعرضنا تطوراته ومراحله في اعداد سابقة سنركز خلال تقريرنا هذا على الأحداث الميدانية التي بدأت في البروز منذ مساء الإثنين 29 افريل حيث بادرت مجموعة من الأهالي بالدعوة إلى الالتزام بالامتناع عن العمل وغلق المحلات العامة والخاصة بالمدينة والأرياف التابعة لها كامل يوم الاربعاء 30 أفريل والتي ادت كما أشرنا في عدد الأمس إلى حالة من الاحتقان وغلق للطريق العام على مستوى شارع الجمهورية المتاخم لبلدية المكان بواسطة اشعال العجلات المطاطية وكذلك استعمال مكبرات صوت لدعوة الأهالي والتجار الى الالتزام بالامتناع عن العمل أو الإضراب العام كما أريد له أن يسمى من طرف الداعين له مما استوجب تدخل قوات الأمن ورفع حالة الاحتقان وفتح الطريق وهو ما تم دون اشكاليات تذكر بالنسبة ليوم الاثنين. إضراب عام بقرار شعبي عادة عندما نستعمل مصطلح "اضراب عام" فإن جملة من الشروط لابد من توفرها حتى يصح هذا المصطلح على اعتبار أن مثل هذه التحركات الاحتجاجية عادة ما تتبناها هياكل نقابية أو مهنية، لكن في صورة الحال فان لا تبنى هذا الإضراب بل دعت له أطراف شعبية مجهولة الهوية على الأقل لحد الآن بما ان لا احد اعلن مسؤوليته أو أصدر بيانا في هذا المنحى كما ان الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل وفي اتصال ل"التونسية معه نفى ان يكون قد دعا لهذا الإضراب أو تبناه أو أطره بل سمع كسائر المواطنين باعتزام أهالي النفيضة بالقيام بهذا التحرك من خلال وسائل الإعلام لاغير. استعدادات منذ الساعات الأولى وغلق مداخل المدينة ومخارجها إضافة الى ما تحدثنا عنه انفا من تحرك مساء الإثنين استفاق الداعون لهذا الإضراب مبكرا واستباقا لتوجه المواطنين والعمال والموظفين إلى اعمالهم قام أنفار بإشعال عجلات مطاطية في المداخل الشمالية والغربية والجنوبية لمدينة النفيضة وهو ما سبب إغلاق طريق تونس على مستوى شارع الجمهورية وطريق زغوان على مستوى شارع البيئة وطرق سوسة على مستوى شارع الحبيب بورقيبة في مستوى الجسر المتاخم لمحطة النقل العمومي للمسافرين، السنة اللهب والحجارة والعصي والهراوات لم تكن لتمنع البعض من التوجه لأماكن عملهم والتلاميذ إلى اماكن دراستهم لكن بتفطن الداعين للإضراب لهم قاموا بالتوجه لهم والتنبيه عليهم بمغادرة مقرات عملهم وسط أصداء جاءت عبر روايات متضاربة لعدد من الأهالي عن محاولات ترهيب من كان يرغب بالعمل بواسطة الترويج لأعمال شغب هنا وهناك.رواج هذه المعلومات هنا وهناك جعل الجميع يهم بمغادرة مقر عمله ماعدا عدد محدود ومحدود جدا من المحلات العامة والخاصة وتعطلت حركة المرور بالكامل دخولا وخروجا إلى المدينة ماعدا من غامر باستعمال وسيلة نقله الخاصة لقضاء شأن ما كما هرول الأولياء بإخراج ابنائهم من مقرات دراستهم خوفا عليهم من الاستهداف.حالة الخوف تضاعفت لما حلت تعزيزات امنية وحاولت فتح الطرقات المغلقة فجابهما المحتجون بالحجارة مما دفعها لاستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق الجموع التي كانت تواجهها في حالة كر وفر لكن محدودية العدد بالنسبة لقوات الامن وتعدد بؤر التوتر والمناطق المغلقة جعل المشهد العام يطغى عليه "الهجوم والهجوم المعاكس" وتجمعت العائلات في الشوارع والأزقة غير بعيد عن محلات سكناهم يرقبون ما يقع تحت أعينهم من احداث عنف أحيانا وحالات هرج ومرج احيانا اخرى. وقد كانت تتخلل عملية الهرج هذه فترات هدوء نسبي سرعان ما تنقلب إلى كر وفر بين الأمن ومجموعات من الشباب الغاضبين والذين فشلت مساعي لبعض العقلاء للتهدئة من روعهم والسيطرة عليهم مما جعل العديد ممن حاولوا التدخل ينسحبون يأسا في التوصل إلى انجاز شيء. حالة من الإحساس بالغبن والاحتقان لدى شباب النفيضة من خلال مواكبتنا الميدانية والحديث مع عدد من من الشباب المحتج لم يخف شباب النفيضة إحساسه بما أسموه احتقار وتهميش الشركة المشغلة للمطار حيث قال أحد محدثينا "...المطار أنجز على أراضينا وبني بسواعد أبناءنا وبعرقهم وتعبهم لكن الشركة تنكرت لنا ولم تشغلنا ولم تشغل أبنائنا وتستغلنا بعقودها المهينة التي توفرها لمن تريد بشروط أقل ما يقال عنها انها لا تشرف هذا إن توفرت..." كما أضاف محدثنا "ان الشركة تواجهنا بإعطاء الأولوية للمترسمين من العاملين منذ مدة بمطار المنستير بينما تغلق الأبواب امام أهالي النفيضة وتتجاهلهم تماما...". هذا وقد استمرت حالة الاحتقان والكر والفر بين المحتجين ورجال المن طوال اليوم ولم تهدا سوى في فترات متقطعة وإلى غاية كتابة هذه الأسطر وقد تتجدد الأحداث والاحتجاجات في قادم الأيام خاصة في ضوء فشل مساعي تطويق الأزمة حيث أفادت اطراف على عين المكان ان يوم الاثنين شهد جلسة عمل بمقر ولاية سوسة بين أطراف النزاع القائم في المطار دون التوصل لحل توافقي ملموس. فأي علاقة مستقبلية بين هذه المنشأة ذات الدور الحيوي وأهالي النفيضة الغاضبين من كيفية تعامل الشركة المشغلة والمطالبين بنصيبهم في التنمية من خلال توفير حد ادنى من مواطن الشغل الكريم؟