كندا- مونريال- محمد ميلاد يعد الصحفي الجزائري آكلي آيت عبد الله أحد أبرز الصحافيين العرب العاملين بكندا وقد تمكن من تحقيق شهرة كبيرة في الأوساط الاعلامية و السياسية الكندية بفضل تحاليله الناقدة وتحقيقاته الخاصة، وهو من الصحافيين القلائل في العالم العربي الذي غطى مختلف النزاعات و المآسي التي عرفتها البشرية خلال العقدين الأخيرين. فمن أفغانستان إلى هايتي مرورا بدول الربيع العربي و الدول الافريقية والاسيوية تمكن آيت عبد الله من رسم صورة عما يحدث في مشارق الارض ومغاربها. ويستذكر آيت عبد الله كل زياراته و تحقيقاته في هذه الدول و ما تعرض له من مخاطر ...يستذكر دخوله للعراق أثناء حرب 2003 وعودته إليه عندما قرر الجيش الامريكي الانسحاب...يستذكر كذلك دخوله إلى معاقل «القاعدة» في أفغانستان في 2002 وفي كشمير عندما هز زلزال تلك المنطقة. الى جانب الانتفاضة الثانية في فلسطينالمحتلة وعدوان اسرائيل على لبنان ومعركتها مع حزب الله في جويلية 2006 والثورة البرتقالية بأوكرانيا وأحداث كردستان العراق وألبانيا والحرب الاهلية في الكوت ديفوار وغيرها... آيت عبد الله تحول الى تونس عقب اغتيال المعارض شكري بلعيد في فيفري الماضي ليقوم بتغطية حصرية لتداعيات هذا الاغتيال السياسي ...خلال الرحلة الطويلة التي أقلته من مونريال إلى تونس تذكر الجزائر التي غادرها قبيل دخولها متاهة الحرب الأهلية في 1992 وتذكر إغتيال زملائه في جريدة «الاحداث» الجزائرية على غرار الصحفي الكبير الطاهر جاووت ...أعرب لي عن خشيته من أن تأخذ تونس بعد اغتيال بلعيد منحى التجربة الجزائرية المريرة المروعة و الدموية. «التونسية» التقت آيت عبد الله عقب محاضرة له بجامعة مونتريال الشهيرة حول الأوضاع المأسوية للاجئين السوريين في المخيمات وكان آيت عبد الله قد أجرى سلسلة من الريبورتاجات في سوريا و تحديدا منطقة حلب وريفها واصفا تلك المنطقة بمدينة الاشباح. يؤكد آيت عبد الله في بداية حديثه أن إدارة راديوكندا عرضت عليه فكرة الذهاب الى تونس لتغطية مقتل المناضل السياسي والناشط الحقوقي شكري بلعيد فما كان منه إلا أن حزم حقائبه كالمعتاد و تحول إلى تونس عشية اليوم الثالث لاغتيال بلعيد و حضر الفرق بدار الثقافة بجبل الجلود وكذلك وقفة المجتمع المدني بالمنزه كما تحول لمقابلة سمير ديلو للحديث عن نية حمادي الجبالي انذاك تقديم استقالته وتشكيل حكومة تكنوقراط. ويوضح آيت عبد الله أن ما جعله يخشى على التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس هودخولها متاهة العنف السياسي والقتل والاغتيال متذكرا التجربة الجزائرية المريرة والتي خسر فيها رفاقه خاصة الصحفي و الشاعر الطاهر جاووت صاحب المقولة الشهيرة «ان تكلمت ستموت و ان سكت فستموت اذن تكلم و مت...» وأوضح آيت عبد الله أنه عاين حالة الانفلات الكبير الذي عرفته تونس وتبادل الاتهامات حول اغتيال بلعيد دون حجج أواثباتات ما أعتبره فوضى وقراءة متسرعة للاحداث موضحا في ذات السياق أن من حق معارضي «النهضة» اتهامها بالتقصير في توفير الامن وفي الحد من غلاء المعيشة أما اتهامها بقتل شكري بلعيد دون حجج فهذه فوضى مؤكدا أن إسلاميي تونس يختلفون بشكل كبير عن اسلاميي الجزائر وبقية بلدان العالم العربي. التطرف خط أحمر وأكد آيت عبد الله أن تغطية مقتل شكري بلعيد كانت فرصة لمعاينة ما وصلت إليه الأوضاع في تونس رائدة ما يعرف بالربيع العربي وأنه سعى أكثر إلى مقابلة عموم التونسيين و خاصة البسطاء منهم وأن ما هاله أن بعضهم أصبح يحن إلى زمن بن علي رغم سطوة النظام وقمعه. من جهة أخرى قال آيت عبد الله أن عددا مهما من الفاعلين السياسيين يجهلون طبيعة الشعب التونسي موجها حديثه إلى الراديكاليين من الاسلاميين وكذلك غلاة العلمانية الذين يضعون تونس بأفكارهم وأطروحاتهم على خطر عانت منه الكثير من الدول. وأكد آيت عبد الله أن «النهضة» لا تستطيع أن تجعل من تونس جمهورية اسلامية وأن لتونس ثقافة مميزة وانها بلد مفتوح على جميع الحضارات وان الاسلام جزء مكون من الحضارة التونسية لكنه لا يمثل معظم الحضارة التونسية. وقال آيت عبد الله أنه رغم خطورة الوضع بعد اغتيال بلعيد اتسم الفاعلون السياسيون بنوع من الحكمة « البلاد ماشعلتش...» مشيرا الى أن ما يميز تونس وجود مجتمع مدني نشيط. وفي تعليقه على حزب «النهضة» الحاكم قال آيت عبد الله أن «النهضة» حزب سياسي عادي لا يمتلك مفاتيح الجنة ولا عصا موسى وانه يجب ترك محاسبة الفريق الحاكم للمواطنين وانه في حال فشله لن يصوت له الناس مؤكدا على ضرورة ترك المواطنين يأخذون قرارهم عبر صناديق الاقتراع. وأضاف آيت عبد الله انه على الذين يتهمون «النهضة» بأنها بنت شعبيتها من خلال وعودها واقترابها من الطبقات الفقيرة المهمشة أن يمارسوا ذات الفعل ويقتربوا من عموم الشعب الكادح و تحقيق مطالبه. وقال آيت عبد الله أن التونسيين في حال خسارتهم لهذه التجربة الديمقراطية الوليدة سيدقّون آخر المسامير في نعش التحول الديمقراطي الحقيقي. وقال انه على الجميع احترام ما أفرزه الصندوق ملاحظا أن الكثيرين من مناصري «النهضة» اكدوا له أن المعارضة لم تترك للفريق الحاكم الفرصة للحكم وسعت بكل جهدها لتأجيج الرأي العام وتأليبه على الفريق الحاكم. وأكد محدثنا أن نجاح تونس سيكون مثالا للدول الأخرى وخاصة للجار الجزائري مشيرا الى انه كان هناك تخوف كبير من طرف الجزائريين عمّا سيحدث في تونس في حال فشل التجربة وأنه لدى الجزائريين اعتقاد راسخ أن تونس تمثل دوما الملجأ الحقيقي للجزائريين. وقال آيت عبد الله أن تونس لن تكون «بيشاور» ولا باريس لأن لها هويتها الخاصة موضحا في ذات السياق أنه عاين في تونس موجة من التدين الغريب لا يمت لثقافة التونسيين ولا لعاداتهم بصلة. آيت عبد الله أوضح كذلك أن التطرف نتاج الدكتاتوريات السابقة التي قهرت الناس وظلمتهم وأشعرتهم بالغبن والقهر مما ولد في دواخلهم تطرفا هو ردّ فعل على الظلم مشيرا الى انه على التونسيين أن يعلموا أن العنف خط أحمر قد يدمر هذه الديمقراطية الناشئة وان عليهم أن يعلموا أن البلاد لا تبنى في عام أوفي عامين مؤكدا ايمانه بأنه مع ذهاب الدكتاتورية بلا رجعة ومع مرور الوقت وتجذر النظام الديمقراطي لن يعود للتطرف أي مكان وسوف يرى الناس المستقبل بوجه مشرق. ودعا الصحفي الجزائري حركة «النهضة» إن كانت تريد إرساء ديمقراطية حقيقية أن تقوم بعملية غربلة وتنظيف لبيتها الداخلي من دعاة التطرف و من الذين يريدون فرض قناعاتهم على الناس. وردا على سؤال عن امكانية أن تكون الأحزاب الاسلامية الحاكمة اليوم في بعض دول الربيع العربي شبيهة بأحزاب الديمقراطيات المسيحية في أوروبا قال آيت عبد الله أن الاسلام لا يمكن أن يكون برنامجا سياسيا لبعض الاحزاب الاسلامية التي تعتمد الديماغوجية وتغالط الشعوب التي تبحث عقب الثورات عن الأمن والشغل و الصحة والحرية وهي الشعارات الأساسية لمعظم الثورات العربية. ملاحظا ان الدين على حد اعتقاده هو مسألة شخصية. وقال آيت عبد الله أن تونس لن تبنى إلا بوقفة الشعب بمختلف تياراته وإذا ما تعقدت الأمور في تونس فإن البلاد ستكون وجهة للإرهاب الدولي. سوريا وضعية كارثية الصحفي آكلي آيت عبد الله هو المبعوث الرئيسي لراديوكندا لمختلف مناطق النزاعات في العالم. قبيل قدومه لتونس عقب مقتل شكري بلعيد كان في سوريا حيث تمكن من الاطلاع على ما يحدث هناك من مواجهات بين النظام السوري والجيش الحر والجماعات الاسلامية. وأوضح آيت عبد الله أنه دخل إلى سوريا عبر الحدود التركية حيث تمكن من القيام بريبورتاجات في حلب وريفها وأوضح أن الوضعية كارثية بأتم معنى الكلمة وأن ما يحدث جريمة ضد الانسانية يرتكبها النظام السوري والمجموعات الاسلامية. وقال الصحفي الجزائري أن شعوره بالخطر هناك كان أكثر مما عاشه في لبنان في 2006 وخلال احداث الانتفاضة الثانية في 2002 وأوضح أنه لا وجود للدولة في حلب وريفها وإنما مواجهات يومية يعتمد فيها النظام الطائرات لضرب مواقع ما يسمى بالجهاديين حتى أنه ضرب مستشفى المدينة بالقنابل لمجرد وصول معلومات أن الجهاديين يتحصنون به. آيت عبد الله أكد أن سوريا أكبر مما يحاك لها وأكبر من التدمير الذي تتعرض له وأن الشعب السوري مسلم سني وشيعي ومسيحي ولا يمكن للدين أن يفرق بين أطيافه. آيت عبد الله يرى أن سوريا تتجه اليوم نحو السيناريو العراقي الذي دمر بالكامل وهو الذي كان قد زار بلاد الرافدين في عهد الرئيس الراحل صدام حسين و كذلك خلال الغزو الامريكي وكذلك بعد الانسحاب وعاين ما تعرض له الشعب العراقي والبلد من تدمير ونهب ممنهج.