الطاهر هميلة، عميد أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، رئيس حزب «الإقلاع للمستقبل» والوجه السياسي المثير للجدل بسبب صراحته التي يذهب البعض الى وصفها بأنها مبالغ فيها التقيناه من أجل إجراء حوار معه لكنه فاجأنا بمعطيات قد تكون أهم من حوار مطول نظرا لما تحتويه من خصوصية. التقيناه وكان متبرما وقلقا ومنفعلا بعض الشيء والسبب هو اليوم الغني بالأحداث والتجاذبات الذي عاشه المجلس الوطني التأسيسي الجمعة الماضي فخيرنا أن نجري معه حديثا قصيرا في شكل تعليق على آخر المستجدات وكان الحوار التالي. سي الطاهر، التصريحات النارية التي أطلقها البارحة زميلك بالمجلس السيد صالح شعيب والمتعلقة بعملية إقصاء السواحلية أثارت الإهتمام وأكثر من تعليق، كيف تفاعلت معها؟ زميلي صالح شعيب صدق القول في كل ما ذهب إليه في تصريحاته المتعلقة بتعمد إقصاء السواحلية وهو وصف دقيق لما يحدث على وجه الخصوص في ولاية سوسة. لأن الملاحظ لما يحدث على الساحة يمكنه أن يرصد بسهولة تامة تعمد إتباع سياسة ومخططات لإقصاء الساحل من الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل الوطن وهذا ناتج عن شعور دفين يطلق العنان للتعبير عنه داخل المجلس وخارجه باعتبار ان الساحل احتكر السلطة لمدة نصف قرن وهذا أمر غريب وما كان له أن يكون وتونس تمرّ بفترة إعادة بناء ديمقراطي. ففي الوقت الذي طالبت فيه الثورة بالشغل والحرية والكرامة الوطنية لكل التونسيين من دون إقصاء أو تهميش أو اعتبارات جهوية، نجد أن «النهضة» ومن معها يصرون على تهميش الساحل والسواحلية و«شبه معاقبته». فحتى الانتدابات التي تقع داخل المؤسسات التي توجد في سوسة وفي بقية ولايات الساحل كلها من مناطق وجهات خارج هذه المنطقة وهذا يبعث مرارة في ضمائر الناس ويثير نقطة استفهام خطيرة لأن الفكر الإقصائي والحقد لا يؤسسان لحياة جديدة وهذا خطأ سياسي واستراتيجي قد تجني منه تونس مخاطر كثيرة. نبقى دائما في رحاب المجلس التأسيسي، البارحة وقع تحديد يوم 27 جوان كتاريخ لعرض قانون تحصين الثورة على الجلسة العامة من أجل مناقشته، كيف تفاعلتم معه وما هو موقفك شخصيا من هذا القانون وهذا الإجراء؟ قانون تحصين الثورة هو خطأ سياسي واستراتيجي كبير لأن الثورة تحصن نفسها ولا يحصنها الناس، فالمجتمع هو من يحصن الثورة، وهذا القانون هو عملية إقصاء لأناس يرى فيهم أصحاب السلطة حاليا منافسين أشداء وكبارا وأصبحوا يخشون أن يزلزلوا الأرض من تحت أقدامهم إن هم شاركوا في الانتخابات القادمة. وأنا كرئيس حزب وكمواطن لو وقع تمرير هذا القانون بعد الثورة مباشرة لما أمكن لنا أن ندرج هذا القانون من قبيل منطق الثورة الذي يمكن ان يبيبح العديد من الممارسات على غرار ما وقع في الثورة الفرنسية أو الثورة البولشيفية أو الثورة الصينية وغيرها من الثورات. أما ان يقع تمرير هذا القانون ونحن نعيش تحت منطق الدولة فهذا يتنافى مع كل القيم العالمية والدولية لحقوق الإنسان ويتنافى مع مفهوم الدولة التي تفترض وجود سلط وهياكل لها كل الصلاحيات القانونية لمحاسبة كل خارج ومارق عن القانون بعيدا عن كل عقلية انتقام وتشف ومنطق عقاب جماعي لا يستقيم في أي إطار قانوني. هذا القانون تسعى الأطراف الداعية والداعمة له كحزب «المؤتمر» وحزب «النهضة» إلى كسب ود شرائح معينة من المواطنين بعد أن فقدت كل مصداقية لدى ناخبيها قبل بقية الشعب وهو في كلمة مناورة سياسية باهظة الثمن على تونس وعلى صورتها وسمعتها بين الدول، هو أمر سيصيب تونس بالخزي بين الدول. خلال نفس الجلسة وقع إقرار تمرير لائحة سحب الثقة المقدمة ضد شخص الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، كيف تنظر لهذا الأمر وكيف تفاعلت معه؟ هذه اللائحة كما يعرف الجميع قديمة نوعا ما وقد قام رئيس المجلس التأسيسي بالإحتفاظ بها لاستعمالها للمناورة باسم «النهضة»، فتمرير هذه اللائحة في هذا التوقيت هو إجراء وقع إقراره للضغط ومعاقبة المرزوقي جراء موقفه من الدستور، فرفض الرئيس المؤقت لمشروع الدستور عجل بإخراج هذه اللائحة من درج رئيس المجلس من أجل إزعاج المرزوقي وتهديده والضغط عليه وإرغامه على الانصياع لإرادتهم بالموافقة على مشروع الدستور بما احتواه من تجاوزات وتحريفات وثغرات... و«النهضة» بهذا الإجراء وضعت المنصف المرزوقي بين فكي كماشة فهو إما مجبر على ان ينصاع ويفقد ثقة الشعب فيه أو يرفض المشروع ويفقد منصبه كرئيس للجمهورية خاصة أن «النهضة» وعدت نجيب الشابي بأن يأخذ مكان المنصف المرزوقي إن هو قبل الموافقة على هذا الدستور كما هو وهناك أدلة على هذا الإتفاق السري. كيف ذلك؟ سأروي لكم حادثة وقعت يوم أمس في المجلس التأسيسي تؤكد وتدعم هذا التمشي، فالبارحة (أجري الحديث يوم السبت) قامت النائبة الأولى لرئيس المجلس بعرض اتفاقية تعاون هامة ومصيرية بين تونس وتركيا على التصويت من دون ان يقع إطلاع النواب عليها حيث لما طلبنا نسخة من هذه الاتفاقية للإطلاع عليها رُفض مطلبنا وقيل لنا ان اللجان المختصة اطلعت على هذا المشروع وقد وقع تمريرها للتصويت على الرغم من رفض النواب لذلك ولم تنل ثقة المجلس. وهنا يقتضي القانون أن يقع التخلي عن هذا القانون مع إمكانية إعادة عرضه ثانية على المجلس في غضون مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر غير أن أشياء غريبة وقعت حيث وقع الاتصال في الأثناء بالسيد أحمد نجيب الشابي الذي قام بالتأثير على نواب كتلته من أجل التصويت على هذه الإتفاقية وقامت رئيسة الجلسة في تجاوز خطير للقانون بإعادة عرض المشروع على التصويت مرة ثانية في نفس الجلسة ونال ثقة النواب بعد أن وافق عليه النواب التابعون لحزب السيد أحمد نجيب الشابي. وماذا أنتم فاعلون أمام هذه الوضعية؟ أنا شخصيا وبمعية العديد من الزملاء سجلنا هذه الحادثة المؤسفة وسنقوم في وقت لاحق باللجوء إلى المحكمة الإدارية من أجل إيقاف هذه العملية التي تشكل تجاوزا صارخا في حق تونس وفي حق نواب الشعب وفي حق القانون الداخلي للمجلس. كما أن مثل هذه الاتفاقية تحتوي على مسائل خطيرة تكرس التبعية لدولة أجنبية وفيها مخاطر على سيادة تونس واستقلاليتها.