مثلما ذكرنا سابقا إبان استقالة العضو المؤسس خالد الكريشي من «حركة الشعب» ذات التوجه القومي الناصري حول الأسباب الحقيقية التي تحاشى ذكرها، فإنّ خروج الخلاف بين شقيْن إلى العلن حصل كما توقّعنا بسرعة (وربما كما توقّع الكريشي الذي نأى بنفسه عن هذه النتيجة) لأنّ مرحلة إعلان التحالفات النهائية على الأبواب ولا تحتمل تأجيل الحسم إلى الفترة المقبلة. الشقان المتصارعان هما الشق الرافض للدخول الى «الجبهة الشعبية» أو للطريقة التي حصل بها، والثاني هو شق البراهمي الذي دخل «الجبهة». وحسب مصادرنا فقد وقعت الدعوة إلى اجتماع عادي للأمانة العامة (المجلس المركزي) يوميْ 29 و30 جوان وردّ عليه الأمين العام محمد براهمي ببيان يُفْهَم منه عدم حضوره ومن معه للاجتماع مع دعوة للتوحّد وعدم الانجرار وراء ما أسماه مؤامرات لتشتيت وحدة الصف.وقال براهمي ايضا في البيان : «وعليه فإني أهيب بكل أبناء الحركة الصادقين أن يفوتوا الفرصة على الذين دأبوا على التزلف للسلطان .. أي سلطان.. إنّ في الإصرار على عقد اجتماع يومي 29 و30 جوان بهذه الطريقة والحركة تعيش أزمة حادة ناتجة عن ظروف داخلية بصمات القوى الرجعية التي حاولت تدجين الحركة وإرباكها واضحة وجلية.» ويقول أنصاربراهمي أنّ الذين اجتمعوا يوم 30 جوان هم الذين يتقرّبون من حركة «النهضة» ودليلهم في ذلك الاهتمام الكبير لجريدة «الفجر» التابعة للنهضة لما يحدث داخل «حركة الشعب» بل وتقديم الحلول والبدائل وخاصة عددها الأخير الذي تحدّث عن امكانية إقالة براهمي من المنصب الأول في الحركة، كما يتهمون من أسموهم ب«شيوخ التيار القومي» من الذين لم يدخلوا إطلاقا الحركة أو دخلوها وخرجوا بسرعة بعد انتفاء المصلحة الشخصية وانحسار الضوء عنهم بتحريك خيوط المؤامرة لتفتيت الحركة خدمة لأجندة طرف سياسي آخر ويقصدون بذلك «النهضة». وعن قرار الانضمام ل «الجبهة الشعبية»، يؤكد شق براهمي أنه كان نتاج اجتماع المكتب السياسي وانه احترم النظام الداخلي كاملا بل وكان بحضور وموافقة البعض ممن تراجع بعد ذلك لأسباب أصبحت اليوم مفهومة. في المقابل، ينفي الشق الذي اجتمع يوم 30 جوان هذه التهم جملة وتفصيلا ودليله البيان الذي أصدره بعد انعقاد مجلس الأمانة العامة. ويؤكد هذا الشقّ أنّ مجرّد حصول الاجتماع دليل كاف وشاف على توفّر النصاب القانوني لانعقاده، وان تهمة الاصطفاف وراء «النهضة» مردودة على أصحابها لوضوح البيان الصادر في ختام الأشغال والذي جاء فيه : «تتمسك الحركة بخطها العروبي الإسلامي المناهض لكل أشكال إعادة النظام القديم ومشروع الإسلام السياسي المرتهن لقوى الاستعمار كما تشيد بانتصارات الجيش العربي السوري في دحر الاستعمار الجديد وقوى الرجعية العربية» وهما موقفان يقول المنتمون لهذا الشق في تعارض واضح مع أطروحات حركة النهضة. وإذا أضفنا إلى كل ما سبق أنّ كلا الشقّين أصدرا بيانيْن يباركان فيه الحراك الشعبي المصري ضدّ «التوظيف المشبوه للإسلام السياسي من قبل المشروع العالمي للإخوان المسلمين» كما ورد في بيان المجتمعين في مجلس الأمانة العامة و«من أجل محاصرة جماعة الإخوان الحاكمة» حسب بيان الأمين العام براهمي، تبدو العقدة واضحة وهي الموقف من دخول الحركةل «الجبهة الشعبية»، فخارج هذه النقطة، لا نلاحظ اختلافا جوهريا بين الشقّيْن من كل المسائل الأخرى المطروحة. لذلك وبعد تأكيد مجلس الأمانة على عدم انضمام الحركة ل «الجبهة»، ردّ براهمي ببيان مضاد قال فيه إنّ حركة الشعب «تؤكد مجددا التزامها مع شركائها في النضال بالجبهة الشعبية هذا الخيار الوطني الإستراتيجي..»، مما يعني بوضوح أنّ بقاء الحركة برأسيْن لن يتواصل إذْ أنّ مسلسل البيانات من هذا الطرف أو ذاك، أبعد كل إمكانية للصلح داخل أطر الحركة. موازين القوى تبدو متعادلة في ظاهرها فلا مجلس الأمانة أقال براهمي من منصبه ولا هذا الأخير اتخذ قرارات مماثلة وربما يكون إعلان مكتب مدنين سحب الثقة من براهمي محاولة لاستكشاف موازين القوى وبالون اختبار،فلو تكررت تباعا مثل هذه المواقف الجهوية ربما قد يجد الشق المناهض له المخرج التنظيمي والقانوني لإقالته وإذا لم تلق ذريعة سحب الثقة رواجا لدى معظم المكاتب، قد يوعز ذلك للبراهمي الأخذ بمقود القرارات الحاسمة، وفي كل الأحوال الحسم لن يكون بعيدا لأنّ سفينة الحركة غير قادرة على العبور برأسيْن، وخلاصة هذا الصراع هو أنّ حركة الشعب انقسمت إلى شعبيْن! .