من المنتظر ان يكون اجتماع مجلس الشورى لحزب «النهضة» المنعقد حاسما في كل أغلب المسائل السياسية العالقة منذ أكثر من ثلاث أسابيع حيث أدرج المجلس ضمن جدول أعماله النظر فى الوضع العام بالبلاد وخارطة المبادرات السياسية المطروحة وكيفية محاربة ما اسماه بمحاولة «الانقلاب» في المشهد السياسي من قبل الاطراف المعارضة. وقد أكد رئيس مجلس الشورى لحزب النهضة «فتحي العيادي» أمس أن المجلس سيناقش أفضل الخيارات لإنجاح تحقيق أهداف المرحلة الانتقالية عبر اكمال أعمال المجلس التأسيسي واجراء الانتخابات كما سيتولى النظر في مبادرة الحركة التي أعلن عنها رئيسها «راشد الغنوشي». وفي سياق المشاورات السياسية وجلسات الحوار المتكررة بين الفرقاء السياسيين، اختارت حركة النهضة أن تبقي الباب مواربا والمشهد مفتوحا على عدة خيارات ولم تحدد موقفا نهائيا إزاء مطلب إسقاط الحكومة الذي تطالب به المعارضة كما لم تعلن الحركة عن أي موقف رسمي مما يجري على الساحة السياسية، مبررة موقفها بضرورة عرض الأمر على مجلس الشورى. ويرى العديد من المراقبين للشأن العام أن رفض «النهضة» لمطلب حل الحكومة كما سبق أن اكده الشيخ راشد الغنوشي في الندوة الصحفية التي عقدها الخميس الماضي ليس إلا مناورة سياسية حتى يحد ّمن سقف تطلعات المعارضة ويضمن للحركة حيزا من الحرية يأخذ على ضوئها مجلس الشورى قراراته. من ناحية ثانية لم تستبعد مصادر سياسية مقربة من الحركة أن تعلن بداية الأسبوع الجديد عن قبولها باستقالة الحكومة لكن بشروط سيحددها مجلس الشورى, اضافة الى كونها ستسوق هذا التنازل وتقدمه في ثوب تضحيات جسيمة لفائدة البلاد قبل التفكير في مصالحها الخاصة حيث سيكون هذا الموقف بمثابة الورقة الرابحة التي ستوظفها «النهضة» لفائدتها خلال الاستحقاقات القادمة بعد أن أفقدها الحكم جزءا مهما من شعبيتها. وقد سبق لرئيس حركة «النهضة» أن طلب من جميع الأطراف التخفيف من حدّة التوتر الحاصل والإعلان عن هدنة اجتماعية والعمل على إيجاد أرضية عمل لإنجاح ما تبقى من المسار الانتقالي والوصول إلى الانتخابات واعتبرت أحزاب المعارضة هذه الدعوة بمثابة ربح للوقت على حساب مطالب المعارضة. كما أكدت مصادر مقربة من حركة «النهضة» أن قيادة الحزب على خلاف ما تبديه من رفض مطلق لحل الحكومة ستدرس جيدا هذا المطلب وأن إخراجه يجب أن يكون في صيغة تبعد عنها شبهة الإقرار بالفشل في إدارة البلاد قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. قرار مجلس الشورى المرتقب حسب القيادات السياسية سيكون مزيجا بين ضغط قواعد وقيادات «النهضة» التي ترفض مطلب استقالة الحكومة والمتخوفة من محاولات أحزاب في المعارضة إقصاءها من الحكم بعد حوالي سنة ونصف السنة من قيادة البلاد من ناحية وبين مطالب المعارضة التي يدعمها شق هام من التونسيين. كما سيأخذ الموقف المرتقب بعين الاعتبار كل الاحتياطات لدرء السقوط في نفس السيناريو المصري الذي أطاح بالتيارات الإسلامية وإن كان ذلك بطريقة مختلفة... استباق «ارحل» بترحيل الولاة من بوادر حلحلة الأزمة وربما قبول حركة «النهضة» تقديم المزيد من التنازلات أن هذه الأخيرة أعلنت على لسان رضا السعيدي الوزير المكلف بالملف الاقتصادي أن الحكومة ستجري خلال الأيام القادمة تغييرا في سلك الولاة قد يشمل الولايات التي تشهد توترا وحراكا شعبيا كبيرا وهو قرار استباقي لما قد تأتيه حملة «ارحل» التي تبنتها جبهة الانقاذ الوطني لعزل المسؤولين المحليين والولاة ورؤساء المنشآت العمومية والإدارة المركزية الذين جرى تنصيبهم على أساس الولاءات الحزبية وهو إجراء قد يمكن من امتصاص الغضب الشعبي ويقدم بدائل تقبل بها المعارضة .... وفي انتظار الحسم النهائي تبقى التطورات مفتوحة على كل الخيارات خلال الأيام القادمة ويبقى «الحل والربط» في يد مجلس الشورى المدعو إلى ترجيح صوت العقل وإعلاء المصلحة والمصالحة الوطنية فوق كل المصالح الحزبية. فهل يفعلها مجلس الشورى ويسقط حسابات المعارضة في الماء أم تتواصل الأزمة إلى ما لا نهاية ....؟