لم يكن خافيا على أحد أن الحسم في الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد سيكون بين حسين العباسي وراشد الغنوشي باعتبار أن اتحاد الشغل قدم منذ اندلاع الأزمة في البلاد إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي مقاربة للخروج من الأزمة عبر مبادرة تبنتها الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد دعت إلى حل الحكومة وتحديد مهام المجلس الوطني التأسيسي ومراجعة التعيينات وتوفير الأمن والكشف عن قتلة شكري بلعيد ومحمد البراهمي . ويمكن القول أن الأنفاس انحبست طوال هذا اللقاء الذي كان « الدربي» المنتظر والذي تواصل أربع ساعات ونصف من تبادل للآراء والحديث عن مبادرة الاتحاد والوضع الحالي في البلاد. وكان الجميع يتمنى النجاح لهذا اللقاء للخروج من الأزمة ويمكن القول إن تواصل التفاوض طيلة أربع ساعات يمثل مؤشرا إيجابيا عن وجود رغبة للتجاوب وحل الأشكاليات. وقد قدمت المعارضة « كارت بلانش» لقيادة الاتحاد للتفاوض مع «الترويكا» وخاصة مع حزب حركة «النهضة» وهو ما تم حيث كانت لحسين العباسي عديد الاتصالات مع «الترويكا» خاصة مع مصطفى بن جعفر وراشد الغنوشي حيث استطاع العباسي إقناع محاوريه أن الاتحاد ليس وسيطا بين الأطراف السياسية بل هو صاحب مبادرة وهو الطرف الرئيسي المنشغل بما تشهده تونس من إشكاليات. وبين العباسي في لقائه بالغنوشي خطورة الوضع الذي تعيشه البلاد بتفشي الإرهاب وغياب الاستقرار مما تسبب في غلق عديد المؤسسات الاقتصادية واستفحال الأزمة الاجتماعية لعدد كبير من العمال. وعلمت «التونسية» أن حسين العباسي أوضح للغنوشي الذي كان يرافقه عبد اللطيف المكي، الذي يعتبر أحد صقور «النهضة» وأكثر الشخصيات تأثيرا في مجلس الشورى باعتباره قد حاز في مؤتمر «النهضة» على أكثر الأصوات وهي رسالة واضحة من «النهضة» على أن مجلس الشورى هو الذي يحسم المواقف داخل حركة «النهضة»، أوضح العباسي أن الوضع الخطير الذي تمر به البلاد يحتاج من الطرفين إلى تنازلات وأن أغلب الأطياف السياسية ومكونات المجتمع المدني تُجمع على حل الحكومة والبحث في ما بعد عن حلول عبر حوار وطني حول تشكيل حكومة كفاءات مؤكدا أن الوضع لم يعد يحتمل تواصل الأزمة دون حلول حتى وإن كانت مؤلمة للطرفين . وبين العباسي للغنوشي أن اتحاد الشغل ليس منحازا لأي طرف كان وأنّه حرص على أن يتحرك ضمن مكونات المجتمع المدني والأحزاب ضمن حياد تام وأنّ انحيازه الوحيد هو لمطالب الثورة التي هي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وطلب العباسي من الغنوشي أن تقدم حركة «النهضة» موقفها من مبادرة الاتحاد وهو مطلب سيعرض حسب مصادر داخل حركة «النهضة» على اجتماع مجلس الشورى وكذلك على مجلس «الترويكا» لتحديد الموقف النهائي ل«النهضة». لكن وحسب عديد المصادر فإن المفاوضات التي جرت أول أمس لم تتقدم كثيرا حيث مازالت «النهضة» رافضة لحل الحكومة مقترحة حكومة توافق وطني تضم جميع الأطراف السياسية. ولئن رحبت «النهضة» بمبادرة الاتحاد وحيت دور القيادة النقابية في الحرص على التخفيف من التوتر السياسي الحاصل فقد علمنا أنّها طلبت من اتحاد الشغل المساهمة في تهدئة الأجواء والإعلان عن هدنة اجتماعية والعمل على إيجاد أرضية عمل لإنجاح ما تبقى من المسار الانتقالي والوصول إلى الانتخابات . وبينت مصادرنا أن الغنوشي عبر عن وجود تخوفات داخل «النهضة» من محاولات البعض في المعارضة إقصاء «النهضة» من الحكم رغم أنها حققت أكبر النتائج في الانتخابات الماضية وطلب الغنوشي من الجميع التخفيف من حدة التوتر الحاصل الآن . اللقاء الذي جمع أكبر حزب في تونس بأكبر منظمة شهد تقدما طفيفا لكن اتفاق الطرفين على مواصلة المفاوضات يعتبر حسب بعض المتابعين مؤشرا إيجابيا على وجود رغبة من الطرفين من أجل التوصل إلى حلول حقيقية واللقاء القادم سيكون حاسما قبل انعقاد الهيئة الإدارية للاتحاد وسط الأسبوع القادم . فهل توافق «النهضة» على المطلب الرئيسي للاتحاد ولكافة المنظمات والأحزاب وهو استقالة الحكومة وهو مطلب ترفضه قواعد وقيادات «النهضة» باعتباره يمثل اعترافا بالفشل في إدارة البلاد قبل أشهر قليلة من الانتخابات ؟!!! المؤشرات التي بحوزتنا تشير إلى أن «النهضة» ستعلن قريبا عن قبولها باستقالة الحكومة لكن بشروط ستحددها في الإبان كما أن هذا التنازل الذي ستقدمه «النهضة» سيتم تسويقه على أنها قدمت تضحيات لفائدة البلاد قبل التفكير في مصالحها الخاصة وقد يحسب لفائدتها في المرحلة القادمة. كل السيناريوهات مازالت مطروحة لكن المطلوب هو مراعاة مصلحة البلاد قبل كل شيء.