التونسية (تونس) اجتماعات... مشاورات... مبادرات... اقتراحات ورفض... أخذ ورد تصريحات... وتصريحات مضادة... اتهامات واتهامات مضادة.. هكذا تعيش تونس هذه الأيام على وقع مخاض سياسي في ظل الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد. كل يوم يجتمع الفرقاء حول طاولة الحوار ويخرجون خاويي الوفاض دون حلول مقنعة تاركين حولهم وابلا من الاسئلة حول مصير البلاد... ووسط هذا الحراك و«التناحر» السياسي يغيب الحل بين المصالح والحسابات ويظل الشارع التونسي ينتظر فرجا يراه البعض قريبا في حين يعتبره البعض الآخر سرابا ضاعت خيوطه. «التونسية» اتصلت ببعض الوجوه السياسية واستقصت آراءهم حول الموضوع. قال استاذ القانون الدستوري «قيس سعيد» ان الوضع السياسي الراهن للبلاد هو نتيجة آلية وطبيعية لجملة من الاختيارات افرزتها انتخابات اكتوبر 2011 , مضيفا ان المشكل اليوم أصبح قضية تموقع بين طرفين كل منهما يرفض وجود الآخر ولا يقبل التعايش معه حتى وان كان الخطاب احيانا خلاف ذلك على حد قوله . وأشار «سعيّد» الى ان الديمقراطية لا يمكن ان تنبني على منطق الإقصاء تحت أية مرجعية كانت بل على حق الاختلاف وعلى التداول السلمي على السلطة. وأوضح استاذ القانون الدستوري ان هناك جملة من المبادرات تحمل بعض الحلول والإضافات لكنها قد تتلاشى في ظل مناورات البعض وتعنته , مشيرا في السياق ذاته الى انه لابد من ان تكون هذه المبادرات قابلة للنقاش . وأعتبر «سعيد» ان سلسلة المبادرات المتهاطلة على الحراك السياسي لا تتعلق بحلول قانونية قائلا «الحل القانوني يمكن ان يتوفر لو تم الاتفاق بين الاطراف السياسية». مضيفا أنه لا يمكن ان يجد طريقه للتطبيق إلا بعد ادخال تعديلات على التنظيم المؤقت للسلط العمومية, مؤكدا على ان الوضع قد يظل عالقا سيما ان الاطراف المتحاورة جدّ حذرة من تبني أي موقف أو حلّ ولا تقبل بالتنازل حتى ولو بالقليل عن بعض ما قدمته قائلا «يبدو من الصعب اليوم التوصل الى حل في ظل المواقف المتصلبة والمتغيرة». الحل آت لا محالة من جهته قال المحلل السياسي «صلاح الدين الجورشي» ان المخاض السياسي الذي تعيشه تونس هذه الايام سيتجه الى الحل النهائي في صورة التزام حركة «النهضة» من خلال التوقيع على اتفاق يقضي باستقالة الحكومة مقابل استئناف اشغال المجلس الوطني التأسيسي بعد وضع آليات محددة تلزمه بالانتهاء من اشغاله قبل موفى 23 اكتوبر المقبل. وأوضح «الجورشي» ان هناك تقدم بطيء في المفاوضات غير المباشرة بين الأطراف قبل انطلاق حوار فعلي يجمع كل الاحزاب, مضيفا ان كل طرف يحاول في هذا الظرف بالذات كسب اكثر عدد ممكن من النقاط لصالحه أو على الأقل ألاّ تكون خسائره كبيرة. وأكد «الجورشي» ان محاولة ازاحة حركة «النهضة» من الحكم مضيعة للوقت لأنها ورقة هامة في الحراك السياسي الحالي ,مضيفا انها لن تخسر موقعها سيما ان المعارضة اعلنت وفي مقدمتها «الباجي قائد السبسي» انه لا توجد اي نية لإقصائها . وضع حرج أما «رفيق العوني» الناطق الرسمي لجبهة الاصلاح فقد قال ان البلاد تعيش ازمة سياسية حرجة. مضيفا ان هذه الازمة تشارك فيها المعارضة والحكومة وكل المؤسسات الموجودة. زد على ذلك الضغوطات الخارجية على حد تعبيره. وأشار «العوني» الى ان جبهة الاصلاح تطالب «الترويكا» والرباعية الراعية للحوار بضرورة اطلاع الشارع التونسي على حيثيات الحوار الوطني. من جهة أخرى أوضح «العوني» ان غياب الروح الوطنية وتغليب المصالح الحزبية الضيقة كرست لاستفحال هذه الازمة, مضيفا ان مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل كانت خالية من المرونة ومنحازة في معظم النقاط التي طرحتها الى المعارضة داعيا الاطراف المتحاورة الى خوض الغمار دون شروط مسبقة. كما اقترح «العوني» تشريك بعض ما وصفهم بالكفاءات السياسية على غرار «بن صالح» و«المستيري» لحل الازمة السياسية الراهنة. لابد من الحذر من جانبه قال «علي جلولي» القيادي في «حزب العمال» انه يجب التحلّي بالدقة في رصد وضع البلاد اليوم والابتعاد عن التعميمات والتعويمات التي تساوي بين القوى السياسية في تحمل نفس المسؤولية ونفس الأدوار. مضيفا ان الحال في تونس اليوم يتميز بأزمة عامة وعميقة تعود مسؤوليتها الى الائتلاف الحاكم بقيادة حركة «النهضة»، قائلا «هذا الائتلاف هو المسؤول الاول عن تطبيق الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية». واشار «جلولي» الى ان حركة «النهضة» هي المسؤولة على اطالة فترة الانتقال والاعتناء بقضايا هامشية لا علاقة لها بتطلعات الشعب ولا بأهداف ثورته, مضيفا أنها اكدت عجزها عن تحقيق اهداف الشعب وركزت على تعميق التبعية والمديونية وواصلت نفس خيارات «بن علي» بما زاد في توسيع رقعة الفساد والرشوة والمحسوبية على حد تعبيره. وأشار جلولي الى ان المعارضة والقوى الاجتماعية والمدنية تقوم بدورها المفترض وهو التصدي لتغوّل الحكام، قائلا «ان المعارضة أثبتت قدرة جيدة على التفاهم والتقاطع والتحالف وتعبئة الشعب للدفاع عن نفسها».