كان حي السعادة بحاجب العيون في بحر الأسبوع الذي ودعناه مسرحا لعملية انتحار بشعة أقدم عليها أحد شباب المنطقة وهو في عمر الزهور ليترك وراءه لوعة بين أفراد العائلة والأقارب وخاصة أمّه. «التونسية» زارت حي السعادة بحاجب العيون المترامي الأطراف وهو عبارة عن كوكتال من النسيج الاجتماعي حيث تتفاوت به المستويات الاجتماعية للتنوع بين طبقات متوسطة وأخرى غالبيتها معدمة لا مداخيل لها حيث لاحظنا تواجد الكثير من المعوزين والمهمشين الذين يفترش بعهم الأرض ويلتحفون السماء. مصافحتنا كانت مع عائلة الأرملة زهرة الزائدي والدة الشاب المنتحر حرقا التي تحدثت إلينا بكل حرقة قائلة أنها تعمل في مجال جمع علب البلاستيك باعتباره مصدر الرزق الوحيد لعائلتها الوفيرة العدد والتي تتركب من خمسة أبناء اثنان منهم ذكور وثلاث بنات. وتقول زهرة إنّها وجدت نفسها مضطرة للنضال من أجلهم بعد أن فقدت زوجها المرحوم رابح الزائدي الذي توفي منذ قرابة السنتين بسبب مرض خبيث أقعده عن العمل مشيرة أنّها تقطن في مسكن على وجه الكراء رفقة احد ابنيها لطفي الزائدي وله من العمر 35 سنة وهو متزوج وله طفلان وهو مصاب بمرض الكلى الذي يجبره على على القيام بعمليات غسيل للدماء بصفة دورية، إلى جانب ابنها المرحوم منجي الزائدي من مواليد 18 جوان 1988 والذي افتقدته إلى الأبد في بحر الأسبوع المنقضي بسبب إقدامه على الانتحار حرقا. وحول أسباب هذه الحادثة المأساوية الأليمة التي اهتزت لها كامل الجهة ذكرت الأمّ زهرة الزائدي أن ابنها المنجي الذي لم يمر ّ على زواجه أكثر من أربعة أشهر أصبح في المدة الأخيرة يعاني الكثير من الإحباط والتهميش وعدم الثقة بالنفس بسبب حالة البطالة التي لازمته كثيرا. والتي دفعت به يوم الثلاثاء الماضي إلى سكب كمية هائلة من البنزين على نفسه وإشعال النار في جسده الذي طالته حروق بليغة استوجبت نقله على جناح السرعة في مرحلة أولى إلى المستشفى المحلي بحاجب العيون لتلقي الإسعافات الأولية اللازمة قبل تحويله إلى وحدة الجراحة بمستشفى الآغالبة بالقيروان أين وضع تحت العناية المركزة لمدة ثلاثة أيام ولكن يد المنون لم تمهله كثيرا حيث توفي مساء الخميس الماضي بعد صراع مرير مع الموت نتيجة الحروق البليغة التي طالت جسده والتي وقع تصنيفها ضمن الدرجة الثالثة . وتضيف الوالدة الملتاعة قائلة: «لقد أشعل ابني النار في جسده مثلما أشعل قلوبنا نحن جميعا أفراد عائلته حيث ضاقت بنا السبل بسبب حالة الخصاصة والحرمان التي نعيشها بحي السعادة هذا الحي الذي لا تتوفر به أية مقومات للسعادة فهو يفتقر لأبسط مرافق الحياة اليومية . ولعل ما زاد في تأزم وضعيتنا الاجتماعية الصعبة هو مطالبة صاحب المحل الذي نتسوغه بالإسراع في دفع مستحقات الكراء المحددة بمائة دينار شهريا أو إجبارنا على إخلاء المحل في أقرب فرصة». وتساءلت الأم زهرة كيف لها أن تؤمّن العيش الكريم لنفسها ولأبنائها الأربعة إلى جانب زوجة ابنها المتوفي والتي تركها أرملة لم تنعم بفرحة الحياة وهي اليوم حبلى في شهرها الثالث والحال أنّ لا دخل لها سوى ما تجنيه من عمل يومي في مجال جمع البلاستيك وهي مهنة شاقة وغير مريحة على الإطلاق . لذلك هي اليوم تطلق صيحة فزع مدوية إلى كافة الجهات الاجتماعية المسؤولة لتأخذ بيدها وتساعدها على توفير سكن اجتماعي من شانه أن يحميها هي وعائلتها من التشرد مثلما تتوجّّه بنداء إلى أصحاب القلوب الرحيمة للنظر إليها بعين الرحمة وهي التي تعيش مأساة اجتماعية صعبة تشهد عليها عديد الندوب التي طالت جسمها بعد احتراق فلذة كبدها الذي تركها وحيدة تصارع الحياة وتتقاذفها أمواج الخصاصة في حيّ يتطلب الكثير من التدخلات الاجتماعية. هذا وفي اتصال هاتفي ل«التونسية» بكل من السادة معتمد حاجب العيون ورئيس المكتب المحلي للوحدة الاجتماعية وعد كل منهما بالعمل على مساعدة هذه العائلة المنكوبة قدر المستطاع على أمل أن يصل نداؤها إلى آذان رئيس النيابة الخصوصية بحاجب العيون ليشملها بعطفه من خلال إمكانية ادراجها ضمن قائمة المرشحين للانتفاع بمقاسم اجتماعية وهو مطلب مشروع وليس بالعسير على أصحاب النوايا الطيبة وذلك تحت شعار «التونسي للتونسي رحمة» خاصة ان حالتها الاجتماعية تندرج ضمن أولويات مثل هذه المشاريع والمجسمة لروح التضامن والتكافل الاجتماعي.