تابعنا وتابع العالم اجمع اندلاع الثورة الشبابية المصرية التي انطلقت يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 وتطورها، وصولا إلى نصرها التاريخي التي حققته بعد ثمانية عشر يوما من الصمود والإرادة، مبشرة بانبلاج فجر جديد نحو الكرامة والحرية والتقدم ليس في مصر فحسب، بل في جميع أنحاء عالمنا العربي فمصر كانت دائما قلب الأمة وبنهوض القلب ينهض الجسد ، نعم لقد عاشت امتنا العربية عهدا طويلا من الانكفاء والتراجع والخضوع لاملاءات الدول التي لم تتخل يوما عن استعماريتها وأطماعها ،فنهبت الثروات، وانتشرت ظاهرتي الفقر والبطالة، وتراجع التعليم والتنمية ، لدرجة أصبحت فيه الكثير من مناطقنا العربية مناطق طرد لمواطنيها الذين اخذوا يبحثون عن ملاذ آمن تتوفر فيه لقمة عيش كريم ، في الوقت الذي تختزن فيه بلادهم من الثروات ما يفوق كثيرا ثروات الدول التي يأملون في الذهاب إليها ، ولكن سوء التوزيع وانعدام الحريات والبطش والقمع واستغلال النفوذ المفرط من بني الوطن الواحد، تجعل الحياة الكريمة لا أقول مستحيلة بل شديدة الصعوبة . فلسطينيا ربما نكون أكثر المناطق العربية اهتماما بما يجري في مصر لا لأنها دولة عربية وشقيقة كبرى ، ولا لأنها دولة مجاورة بل لان هناك علاقة خاصة تربط مصر بفلسطين خصوصا في قطاع غزة حيث العلاقة الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية الراسخة لا يهزها زمان ولا سلطان، فمصر كفلسطين تسكن في كل بيت من بيوتنا لذلك ليس من المستغرب أن يستجيب الشعب الفلسطيني عامة وقطاع غزة خاصة لما يحدث في مصر فرحا أو حزنا . في انتظار ما ستسفر عن الأيام القادمة من تنظيم للبيت المصري في عصره الجديد وانعكاساته على قضايانا الفلسطينية بدءا من صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي إلى أوضاعنا الداخلية، نرى من الضروري التوقف قليلا لاستخلاص بعض الدروس من تلك الأيام الثمانية عشر التي وقفها الشعب المصري بكل كبرياء وشموخ بعد أن ظن الكثيرون في هذا العالم انه شعب قد ذهب في سبات عميق، وإذا به ينهض كالمارد الجبار ليقول لا للظلم والاستعباد، دروس علنا نضعها أمام أعيننا ونحن نعيش ظروفا قد تكون أصعب وأسوأ من الظروف الذي دفعت الشعب المصري إلى إشعال الثورة التي ستكون درسا لكل الشعوب، وسيسجلها التاريخ بأحرف من نور . بالنظر إلى واقعنا الذي نعيشه نجد الآتي : * · احتلال إسرائيلي جاثم على صدورنا منذ عشرات السنين متخذا أشكالا وأصنافا متعددة ، من الاحتلال العسكري واعتداءاته بل وحروبه المتكررة مستهدفا البشر والشجر والحجر ملحقا الخسائر البشرية والمادية الفادحة بشعبنا ، إلى نهب الأراضي وإقامة المستعمرات لإسكان أناس غرباء لا تربطهم بهذه البلاد أية رابطة تاريخية أو دينية أو اجتماعية . * · حصار إسرائيلي ظالم رغم انف كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية ، حصار اقتصادي عن طريق إغلاق المعابر والمنافذ البرية والبحرية والجوية، وحصار بيئي عندما تبني جدران الفصل العنصري الإسمنتية الطويلة لسد الأفاق أمام شعبنا . * · انقسام فلسطيني يهدد النسيج الاجتماعي والمشروع الوطني الفلسطيني * · آلاف الأسرى الذين ما زالوا يقبعون في سجون ومعتقلات الاحتلال ينتظرون بزوغ فجر الحرية * · عصرا من الفصائلية والحزبية والفئوية الضيقة نشهده مصحوبا بتعدد الرايات والأعلام على حساب العلم الفلسطيني التي أصبح تائها بين تلك الرايات . * · حياة اقتصادية تعيسة بعد أن بلغت نسبة البطالة حدا يجعل شعبنا يقف على حافة الانهيار ، وفقر مدقع جعلنا ننتظر ما تجود به الدول من بقايا طعامهم . قي اعتقادنا إن أول الدروس المستفادة هو درس الإرادة ، لقد أكدت الثورة الشعبية المصرية إن إرادة الشعوب لا تعلوها إرادة إلا إرادة الله سبحانه وتعالى ، وان القوة والجبروت مهما عظمت ستتحطم أمام إرادة الشعوب، التي ذاقت الويل من إهدار الكرامة وانعدام الحريات والفقر . الدرس الثاني هو أن أجهزة الأمن وقوى الجيش في أي بلد إنما توضع لخدمة المواطنين في الحفاظ على أمنهم وامانهم وحماية مكتسباتهم ومقدراتهم وكرامتهم ، لا للقمع والتسلط والبطش بيني جلدتهم . الدرس الثالث هو أن القوى الاستعمارية القديمة والحديثة لم تتخل عن أطماعها في منطقتنا متخذه من الصراع الحضاري أساسا وانطلاقا لتحقيق هذه الأطماع لذلك نجدها ترتعد وتنتفض من كل حدث في منطقتنا وتسارع إلى التدخل تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان . لقد اثبت شعبنا عبر صراعه الطويل مع الاحتلال بأنه لا تنقصه الإرادة ، ولا ينقصه الصمود ، ولكننا في حاجة إلى إرادة القيادات ، إرادة تلبي احتياجاتنا في النهوض ، ولتكن الثورة الشعبية في مصر علامة فارقة في تاريخنا للاستفادة منها قبل فوات الأوان لان الشعوب صبرت كثيرا وبدأت تستعد لإنهاء صبرها بعد أن انقشعت حواجز الخوف،فعلى قياداتنا حسم خياراتها التي تتعلق بمصيرنا ، فقد اتضح لنا كل شيء وقد استنفذت كل الأساليب والسياسات الممكنة . فإلى متى سنظل اسري سياسات اعترفنا بعقمها وفشلها ، والى متى سنظل متمترسين في خنادق الحزبية والفصائلية ، والى متى سيظل الوطن منقسما إلى أوطان ، إلى متى سنظل أسرى الردح الإعلامي وافتعال المواقف والأزمات . أكرم أبو عمرو غزة – فلسطين هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته. 12/2/2011