نُكتب بماء وتُكتب أمهاتنا بصبر المحبة نغرف من بركان عطفها القليل ويبقى الكثير لتوزعه علينا بخجل...بمحبة... بابتسامة كأنها الطفلة وكأننا الأجداد نُكتب بروحها وترسمنا داخل جسدها دون أن نشعر وتبحث عنا...تغمرنا...تسقينا تناجينا طيلة حياتها كأنها هي الكون ونحن من يلهو على أعتابها بلعبتنا الصغيرة *** تنكمش الأرض خجلا حينما تدمع عيني أمي تغرق البحور...يفيض النهر...تسبح الأرض تهرول النجوم...تصبح الدنيا غير الدنيا وتبدأ الأشجار بالصلاة *** نبع من الطهر...تلك هي أمي صورة الجنة...ربيع الخريف برضاها أخبرني خالقي زهرة من الخيال عبقها العطف الفواح ولو لم يكن شذاها غامراً للكون لما قيل ان للورود عطراً *** طفل في السرير أنا يا أمي يغفو في عينيك تحتضنه هاتان الفراشتان قلب صغير أنا يا أمي يسرق الوجود من جبال حنينك من كومات خيراتك من جهاد خوفك من صورك التي لا تغفو *** أنت منارة الدروب أنت الأنا والأنا قلبك أنت الحكاية والحكاية أنت أنت عمري الذي ترعرع بين أحضانك أنت... لو قدمت لك ضلعاً ذهباً...عالماً...لا يكفي فضلك عليّ يا أمي *** أمي...لا أدري كلما نظرت إلى حضورك نظراتك...رنين قلبك أشعر بالخجل بأنني الطفل العائد إلى الحقيقة فأنت يا أمي الرغيف يوم تعرفت عليه وملح الحياة لتذليل الصعاب ويوم شعرت بأن الماء يروي ويوم فقد النور بهجة البصر ويوم غابت الأنوار فكان نورك نور قلبك المنار نور ابتساماتك ووجعك سيد الأنوار أمي... قلبي لا يعرف الضوء لا يعرف الاطمئنان إلا إذا لامس عطفك وشاهد بريق عينيك وشفافية عالمك *** أمي... لم أستطع طبع صورتك على الورق فطيفك يرفض الدخول إلى الظلمة إلى غرفة سوداء إلى العدسة..... --------------------------------------- إهداء إلى الأم المثالية لعام 1986 السيدة وجيهة حوماني... قيل لنا أن الينابيع تشبه في تدفقها عواطف الأم، وحينما كبرنا شعرنا بأن الينابيع لا تستطيع أن تجاري في تدفقها عطاءات الأم، ولا تقدر على اندفاع العاطفة لتروي الأرض كما الأم. الأم تلك التي تغسل الينابيع من صدق محبتها، وتدفع بالأرض كي تلملم كلامها وظنونها، وبحثها عن الاخضرار الطالع من الغالية، من قلبها الكبير، والصارخ إلى صدى الصوت ليصل إلى اليباس باخضرار لا يعرفه إلاَ القريب من الله. الأم هي الروح الهائمة في مدار الكون، والخارقة في حبها وصمتها، والمعطاء في وجودها، وحتى في رحيلها عن الأرض، لكنها باقية كقيمة، ونجمة البوح بأسرار الخالق، بأسرار الكون، بأسرار الإنسانية.... -اللوحة: السيدة وجيهة بريشة ابنها جهاد أيوب-