حدثنا احدهم وكان أصدقهم قال تملكني منذ الصغر شيطان الطموح إلى اعتلاء الكراسي . فهجرت كتابي وكراسي ..وانغمست في حلقات أهل السياسة ..طمعا في حيازة قصب السبق إلى الرئاسة ..متصنعا اللطف والكياسة.. ومبطنا الحيلة والنجاسة. وسنحت لي الفرص في يوم من الأيام حضور مجلس ثلة من محترفي السياسة …تحلقوا حول زعيم امتلك موهبة الخطابة والإقناع …سواء بالحوار او بلي الذراع. أنصت إليه يقول : دم الشهداء ..لن يذهب هباء …نضالات الزعماء… ستبقى نبراسا يملأنا عزيمة وضياء…إني أخاطب فيكم روح الوطنية والإقدام … والتحلي بقيم العروبة والإسلام …والعزيمة الراسخة على القضاء على الأزلام . كان جبينه يتصبب عرقا …والأنف يسيل مرقا …والعينان منتفختان خمرا وأرقا …اعتلى المنصة …فتبعته منتزها الفرصة… ممسكا بمنديل امسح به العرق .. الذي كان يسيل على وجنتيه احمر قان في لون المرق …واصفق بالكفين …واضرب الأرضية بالخفين… كلما نطق الزعيم بحبه للوطن …وسعيه إلى إنقاذه من المحن …محرضا الجمهور على التصفيق.. والتصفير والنهيق. أعجب الزعيم بحركاتي أيما إعجاب ….وبشرني بإلحاقي بقائمة الأنصار والأحباب …المرشحين لاعتلاء أرائك القيادة دون أتعاب …والإعداد لمناوشة بقية الأحزاب. قال صاحبنا عدت إلى الدار.. متصنعا الحكمة والوقار.. ابشر الحرم المصون والأولاد …بانضمامي الى قائمة النخبة والأسياد … استعدادا لاعتلاء أريكة وزارية أو نيابية أو حتى بلدية… تؤهلني لبلوغ القمم …واغتيال الهمم …وشراء الذمم …وتلجيم اللسان والقلم …و نشر الصمم …واعتلاء الأكتاف …وعقد الأحلاف… وتجنيد الأجلاف. قال صاحبنا شرعت بداية من الغد …في الإعداد لاعتلاء كرسي الغد …أجوب الأحياء واقرع الأبواب …مبشرا بمشروع هو عين الصواب … لا يتوفر لدي بقية الأحزاب …ملؤه القيم والوطنية …يعتمد الحكمة والنظرة الاستشرافية … يستجيب لتطلعات الشعب إلى الازدهار… فيملا الجراب ويفتق الأزرار… فتسيل الأنهار باليورو والدولار… وتشرق الشمس ويلوح ضوء النهار… فتعتلي بلادنا النجوم والأقمار… وتتصدر نجاحاتها نشرات الإخبار. واصلت المشوار …بكل إخلاص واقتدار …فنلت استحسان الزعيم ..ووعدني بخير عميم… وجزاء وافر ومستقبل زاهر.. وكرسي باهر.. ومنصب فاخر.. فبت احلم بلون الكرسي وحجمه وارتفاعه ونوعية المدرج الذي يؤدي اليه .. وكيفية جلوسي عليه …وأتخيل الجماهير وهي تصفق وتطير… تفديني بالدم والروح.. وهي بحبي وحب من يحبني تبوح… استقل سيارة فاخرة …تمر بصعوبة في طرقات زاخرة ..أرد على هتاف الشياه …بحركة خفيفة من الحاجبين والشفاه …متصنعا الوقار ومستحلبا الإبهار….انتظر القرار كلما انجلى الليل ولاح النهار……ولكن أي قرار… لقد طال الانتظار ..ولم يأت القرار…….لقد اخبرني الزعيم ان سلطة القرار.. افتقدها لما ارتدى حلة صرصار ..مهداة من سفير بلد ينتمي إلى السبعة الكبار .