"هذيان رجل مات قليلا" بقلم منيرة درعاوي أظِلالا ما أرى؟ قائظة لحظة البوح،والأماني تولجني في كوّة الكلام فتسدّ الأمكنة ما شاءت من فضاءاتي.الطّريق ضبابيّة جاحدة،تدقّ في خطوتي نِعالا وتهتف"ياأنت..يا أنا،تلك لهفتك شاخصة الى وجهة شاحبة.تلك أقاليم أحرفك الذّابلة تهذي بين اختفاء وافتضاح".على أرصفة الجرح الخالد،يزُفُّ نُثار الوقت جنازات أطياف مبهمة،عرائس لقبور حيرى عارية ككلّ قبور المتعبين من الشّواهد.تثمل بالآه الحكايا فترهقني، وأتلاشى منتشيا بدبيب البوح في مواسم هطل الرّوح وفيضها.في خاصرتي المسكونة انتظارا،ترقد الأحلام،تهدهد جنائن ذاب الأكسجين في رئاتها فولدت غصونا ذابلة. أظلالا ما أرى؟قوافل غريبة،تحدوها التّمتمات،تجوب البراح وتمضي، دون التفات ولا اشارة وداع للوحيد.دون أن توقد شمعة في حلكتي،لأحتفل بعد مائة عام بالضّياء.خطوة اثر خطوة،قد يأتي الحزن هكذا في ثلث العمر الأخير.مضطربا كهمهمات طائر،مديدا كالمدى،موحشا كدار في زقاق قديم،هجرها ساكنوها الى حيث لا وطن ولا انتماء.حين تجفّ ترائب الصّبا،ترِقّ المآقي،تشفّ الذّكرى وتحشر في القلب ألف رعشة.قد كانت هناك أيّام يا الزّمن الخائن وكانت زقزقات وكان الأحبّة. خلف وجهي ملامح لا أعرفها،وخلف الوجه،رجل لا أعرفه.تتدلّى من فمه لغة جرحى،تنثال من بين ضفائرها،ملحمة-صرخة.تروح..تجيء..تعلن..تكتم أخبارا ما عادت أسرارا مذ ركبت أشرعة الرّيح.أتراني العالق خلف وجهي يا تلك المرآة؟ أتراني المسجون،خلف ضفاف أخرى؟انّي أتهجّد ضجرا.أعدّ أوزار القلب وأحصي عثرات الخطوات. أظلالا ما أرى؟وحيدا كنت أستطلع عتبات الأمس،أركض وسط حقول الملح وألتقط أحيانا حلازين ألاعبها،وأحيانا كواكب تتهاوى ،تقذفها قدمي العارية لابن الجيران ونلعب.لكنّا حين كبرنا ركلتنا أقدام الغربة .وحيدا أجوب خزائن أسراري أفتّش أدراج القلب،أرتق ثقبا في ذاكرتي ،أرأب صدعا في جدران العمر.وحيدا أمشي في العتمات تذهلني نسمات الزّعتر تسكب روحي فوق مسارب أنسانيها زمن الأسفلت.قد كانت معطاء تلك التّربة وكانت حبلى سماوات الأحلام .لكنّ غيما عقيما سرق الشّمس من مخدع الصّباح ولم يمطر وكان الزّمن قد خان..أغلقت القضيّة الآن وجاء آخرون بتهم أخرى ،وما ترك العمر شاهدا ولا دليلا غير وجه لي لا أعرفه ومرآة تعرف كيف تجعل شيبي أشدّ بياضا وكيف تقوّس باتقان ظهري وكيف تحني منّي كتفي والهامة وكيف تغتال البسمة في شفتي والآه.. ماعادت هناك قضيّة،فكلّ اللّواتي أحببت أخذتهنّ دروب الدّنيا ومضيْن.أتراهنّ يذكرن؟هل يذكرن وجها خلفه رجل ينسحب الآن برفق من جسد محكوم بالقلق المؤبّد؟هل يمكن ان يدركن انّ سيول الأحلام مازالت تنهال من كبدي وتجرفني ،ما برحت تستوقد من تيهي قبسا لتنير مواقيت الحزن؟أشياء في قلبي لا تتوقّف.أترى مازال هناك متّسع لنهارات أخرى تتفتّح ما بين السّاعد والسّاعد وتصير حلما أو أغنية أو موّالا بدويّا أطلقه شيخ يوما،وهو يشقّ ساقية في حقل أو يقطف حبّات الزّيتون او يشاكس أحلى صبايا البلدة جاءت تغتسل عند النّبع؟قد يأتي الحزن هكذا،بين لحظة ولحظة في ثلث العمر الأخير، قد متّ قليلا يا من أحببت لكنّي مازلت رجلا يهذي مفتوح العينين.تسرح في خاطره أشياؤك شاردة، فيطاردها،ولا يمسك الاّ برماد الأطياف اذ تدنو..تنأى..تبتعد..تقترب،ثمّ تحترق….