بقلم . رياض جعام سوسة 86 سنة…هذا هو عمر دونيس…جارتي اليهوديّة التي اعتدت أن تستقبلني كلّ صباح بابتسامتها المشرقة حتّى تكون الصّباحات جميلة و سعيدة…دونيس تخفي تعبا كبيرا و تعدم مشاعر العناء الشّديد بأعماقها حتّى لا تتزعزع معنويّات زوجها المقعد طريح الفراش على إثر جلطة "إدمون"…دونيس ظلّت لاكثر من 5 سنوات سجينة بين جدران شقّة ضيّقة لا تغادرها إلاّ نادرا جدّا عندما تضع إدمون على كرسيّه المتحرّك و تاخده في جولة قصيرة إلى باب بحر و تشرب معه قهوة في مقهى مرّاكش المطلّ على تمثال بورقيبة…دونيس في سنّ الثّمانين تحاول ان تنتفض على أمراضها المزمنة من ضغط دم و روماتيزم و تجعل نفسها في خدمة إدمون …تنظيفه…..لباسه…أكله….أدويته…..تدليكه…….تمريضه…فسحته من حين لاخر…الأمر لم يكن هيّنا…كنت ملازما لدونيس لأنّها تحتاجني لأنزل إدمون من حين لآخر من الفراش و أضعه على كرسيّه …ثمّ اعيده من كرسيّه إلى الفراش…كانت تستنجد بي للتحدّث إلى إدمون كلّما ساءت نفسيّته لأنّه ليس من السّهل على أيّ شخص أن يتحمّل البقاء مقعدا في وضع الإستلقاء على الفراش…كنّا نحاول استدراجه في الحديث و مداعبته و محاولة الهروب به و لو قليلا من حالة التّعب النّفسي التي يغرق فيها …دونيس كانت تستعين بامي عيّادة للطّبخ و إلهام للنّظافة و حمّادي لقضاء الحاجات و الصّحبي للتّدليك و عبد اللّه للتّمريض…كانت تقتسم الجراية التي تصلها من ابنيها مع كلّ هؤلاء فتعطي بسخاء .. .و لا تتأخّر في تقديم عونها لمن يستحقّ…دونيس امراة كريمة تتعامل مع من حولها بعاطفة كبيرة …لا تتمنى إلاّ الخير لمن حولها…قلبها مفتوح…دونيس سيّدة وفيّة تجاهلت كلّ أوجاعها و متاعبها ومنحت زوجها كلّ ما بقي لها من جهد. و صحّة و وقت…و كانت تلتقيه بوجه مبتسم. و تشعره بأنّ وجوده إلى جانبها حتّى و هو مقعد فإنّ ذلك مصدر سعادتها…دونيس امرأة عظيمة لها طاقة حبّ غريبة…لا تبخل على من حولها بدعمها …دونيس تقتسم معهم جرايتها …دونيس تعلم أنّها لا حاجة لها بخدمات البعض منهم و لكنّها تحتفظ بهم لأنّها تدرك حاجتهم و حاجة عائلاتهم إلى ما تقدّمه لهم من مال…لقد كانت امراة فويّة…صافية… عشرتها صادقة…توفّي إدمون زوجها و ما كانت ترغب في مغادرة تونس و الإلتحاق بابنيها في فرنسا…تونس كانت تسكنها و تعشّش في أعماقها …و مرضت عند مغادرتها …الجسد في باريس و القلب في سوسة …دونيس امرأة عظيمة …و مدرسة للوفاء. و الطّيبة و حسن المعشر و النيّة الصّادقة و العطاء الغزير…دونيس كانت مدرسة و انموذج للمراة المثاليّة…أحببتها كثيرا هذه السيّدة و أردت ان أقول فيها كلمة تستحقّّها …دونيس أنت معدن نفيس. و كفى… كتبه رياض جعام..سوسة