المرأة العاملة في المجال الفلاحي ظاهرة منتشرة في ولاية نابل. و يرى العديد أن المرأة الريفية تدفع إلى العمل في القطاع الفلاحي لضرورة فرضتها صعوبة الحياة وقسوة العيش زد على ذلك أن هذا القطاع هو الوجهة الوحيدة للكثيرات. العمل الفلاحي شاقّ ويتطلّب تفرّغا كاملا وجهدا جهيدا تفتقد اليه المرأة صاحبة المسؤوليات المتعدّدة في المنزل، ولهذا فاجتماع كل هذه المسؤوليات الصعبة على عاتقها يرهق كاهلها ويعرّضها لشتّى الأمراض المزمنة ويؤزم نفسيتها ويؤثر في معنوياتها.
معاناة يومية
وقد التقينا العديد من النسوة العاملات والمعذبات فكان لقاؤنا الأوّل مع السّيدة زينة وهي أمّ لطفلين تجاوزت الخمسين ومع ذلك لم تنقطع عن العمل بالفلاحة نظرا لحاجتها الماسّة للمال.
وتقول هذه الأمّ إنّها منذ نعومة أظافرها وهي تعمل بالمجال الفلاحي بمعدّل عشر ساعات يوميّا، وهي تقوم بكلّ الاعمال الفلاحية مثلها مثل الرجل تماما أو أكثر منه أحيانا فهي تزرع وتسقي وتجني الزيتون ومحاصيل البرتقال والغلال وتقوم بنقلها رغم ثقلها من داخل الحقل الى خارجه، ومن ثمّة وضعها في الشاحنات لتسويقها. وتواصل هذه السيدة قولها إنّها تقضي كامل اليوم على هذه الوتيرة ثم تعود الى منزلها حيث تبدأ الاعمال المنزلية من كنس وطبخ وغسيل واهتمام بالأبناء.
وتضيف قولها أنّها لا تنتهي من هذه الأعمال الا في وقت متأخر من الليل فتأوي عندئذ الى فراشها منهكة منهارة القوى لتبدأ من الغد يوما جديدا لا يختلف عن سابقه. هذا النسق الحياتيّ المضني وهذا النمط من العيش كما تقول هذه السيدة خلّف لها العديد من الأمراض المزمنة مثل السكّري وضغط الدم والكحليّ بالعينين كما اكتشفت مؤخرا أنّها مصابة بمرض القلب. ومع ذلك فهي مواظبة على عملها في الفلاحة لقلّة ذات اليد ولتوفير حاجيات ابنيها وتمكينهما من حياة كريمة .
نفس هذا النمط من العيش تحياه العديد من النساء العاملات في الحقول اذ تقول السيدة سعيدة أنّها أم لثمانية أبناء وزوجها عامل يوميّ وعمله هذا لا يفي أبدا بحاجة الاسرة مماّ أثر سلبا على حياة أبنائها الدراسية، اذ انقطع أغلبهم عن دراستهم واضطرّها هي للخروج والعمل رغم اصابتها بمرضي السكري وضغط الدم. وقد تدخلت هنا العديد من النسوة الحاضرات لتؤكّد أنّ هذه المرأة كثيرا ما تصاب بالإغماء وهي في العمل من شدّة التعب والارهاق وخطورة مرضها. ولكنها تعاود العمل بعد يوم أو يومين من الراحة .
وهذا طبعا الى جانب شؤون المنزل وما يتطلبه من مجهود خاص ورعاية الاطفال وما يلزمهم من عناية فائقة مؤكّدة انه لو كان لزوجها عمل قار أو جراية عمرية لما غامرت هي بحياتها من أجل لقمة العيش.
أحلام محطّمة
أما معاناة السيدة حميدة الدوزي فهي الامرّ، كيف لا وهي التي قضّت أجمل سنوات عمرها في الاعمال الفلاحية صحبة زوجها وكان حلمها الوحيد بناء منزل جميل وتمكين أبنائها الاربعة من حياة كريمة غير التي كابدتها هي لكن لم تشفع لها طول سنين التعب والمرض من اتمام بناء منزلها ولا استطاع أبناؤها مواصلة تعليمهم فقد تعرّض زوجها وابنها في السنة المنقضية الى حادث مرور فتوفي زوجها واصيب ابنها برضوض خطيرة على مستوى راسه وجسده مماّ اضطرّه الى الانقطاع عن الدراسة بسبب الفقر.
وتقول هذه السيدة أنها مضطرّة لمواصلة العمل في المجال الفلاحي لكي تعيل أبناءها الاربعة رغم اصابتها بأمراض مزمنة. وقد أسرّت الينا هذه السيدة انها مصابة بمرض خطير منذ سنوات ونظرا لكونها تعمل دون عقد عمل، فهي تخاف ان يقع طردها من العمل ان تغيبت وهي العائل الوحيد للعائلة اضافة الى كثرة مصاريف التنقل والعلاج، ولهذا فوضت أمرها لله، وهي اليوم تعاني الامرّين جرّاء ذلك. كيف لا وهي الارملة التي لم يخلف لها زوجها غير حياة الفقر والوحدة والمرض ومنزل لم يكتمل بعد وأربعة أبناء لا تفارقهم صورة أبيهم وجراية شهرية لا تتجاوز 18 دينارا.
كثيرة هي هذه الحالات لكن المعاناة واحدة والظروف المعيشية الصعبة هي التي زجّت بهؤلاء النسوة في هذا القطاع الذي لا يزال يعاني من التهميش والنسيان فمعظمهن يعملن دون عقد عمل يحفظ مصالحهن، ودون تأمين صحي يراعي حالاتهن الصحية حتى أن أغلب النسوة كن يخفين حقيقة أوضاعهنّ الصحية حتى لا يقع الاستغناء عنهنّ في العمل.
لذا فان أوضاع النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي تتطلب تدخلا عاجلا وارادة سياسية متكاملة تعمل على تسليط الضوء على هذه الحالات واعطائها قدرا من الاهتمام