تلاحقه العديد من الأحكام بالإدانة .. 16 سنة سجنا لبلحسن الطرابلسي    نواب يتفاعلون مع ذكرى الجلاء الزراعي.. السيادة تبدأ من الأرض    دراسة مشروع الطريق السيارة تونس -الكاف    مشروع قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أمام أنظار لجنة الصحّة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان يوم الأربعاء المقبل    أوّل تجربة تونسية للاستمطار    عاجل/ حجر البرد يلحق أضرارا متفاوتة بالزراعات الكبرى والزياتين والأشجار المثمرة..    اجتماعات مكثفة في تونس واتصالات في واشنطن...هل تطبق تونس المعاملة بالمثل على الرسوم الأمريكية ؟    الرئيس السوري أحمد الشرع لن يشارك في القمة العربية ببغداد    كاس السوبر الافريقي لكرة اليد: الاهلي المصري يفوز على مواطنه الزمالك 31-27 ويتاهل الى النهائي    براكة الساحل .. وفاة فتاة تحت عجلات قطار    في حفل بالمسرح البلدي بسوسة..الجمهور انتشى ب«حليميات»    وزير التربية: الاستعدادات للامتحانات الوطنية تسير بشكل جيد وبنسق متسارع    الإعلان رسميا عن تنظيم أيام السياحة والصناعات التقليدية بقفصة: التفاصيل    عاجل/ الهند تعلن إيقاف عملياتها العسكرية ضد باكستان    أريانة: المدرسة الإبتدائية حي النصر تتحصل على جائزة أفضل خمسة أفلام على المستوى الوطني من إنتاج المدارس    مصر.. تحرك واسع للسلطات يمنع كارثة طبية    وزارة الثقافة تنعى الكاتب ميزوني البناني    مُدبلجة ''ماوكلي'' و ''الكابتن ماجد'' فاطمة سعد في ذمة الله    صوفية صادق تعود بقوة إلى قرطاج    كيف يساهم مظهرك في بناء أول انطباع مهني؟ تجنب هذه الأخطاء البسيطة التي تكلفك فرصك    بطولة الرابطة 2 : نادي حمام الانف يفوز على امل حمام سوسة 3-1    دواء جديد يُعيد النظر لفاقديه..    طرق الوقاية من الأمراض المزمنة ليست صعبة    نحو تحديد سعر الكلغ الحي من أضاحي العيد    الجولة الأخيرة من الرابطة المحترفة الأولى...المواجهات والمواعيد    تحت شعار "نحو فلاحة ذكية من اجل سيادة غذائية" تونس تحتفل اليوم بالعيد الوطني للفلاحة .    كاس العرب للمنتخبات لكرة اليد: المنتخب القطري يتوج باللقب.    موعد مباريات نهائي بطولة كرة السلة بين الاتحاد المنستيري والنادي الإفريقي    عاجل/ بشرى سارة: انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية والقطاع العام..    حسين الجسمي يرزق بمولود جديد    منذ بداية السنة: حجز أكثر من 86 ألف حبّة مخدّرة و13 كلغ من الكوكايين.    معهد الرصد الجوي: شهر أفريل 2025 كان شهرا ممطرا جدا في عدّة مناطق تونسيّة    الجزائر تطرد شخصين اتهمتهما ب"الانتماء للاستخبارات الفرنسية"    الإليزيه يعلق على مقطع فيديو "منديل ماكرون" في كييف الذي أثار جدلا واسعا    37.7 مليار صادرات القوارص حتى ماي 2025    مرصد الطاقة والمناجم: ارتفاع رخص الاستكشاف والبحث عن المحروقات في تونس    بعد كورونا...ارتفاع إصابات التعب المزمن    تغيير بسيط في طعامك يطيل العمر ويحميك من الأمراض..وهذه التفاصيل..    عاجل/ هلاك فتاة تحت عجلات القطار..    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف صهيوني على غزة..#خبر_عاجل    الهند تعيد فتح 32 مطارا أغلقتها خلال التصعيد مع باكستان    عاصفة متوسّطية تضرب تونس؟ عامر بحبة يكشف الحقيقة ويُطمئن المواطنين    "علوش" العيد ب800 دينار..!    رئيس الجمهورية يُعفي والي بن عروس ويعيّن عبد الحميد بوقديدة خلفًا له    عثمان ديمبلي يُتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي    بطولة ألمانيا: آينتراخت فرانكفورت يسقط في فخ التعادل امام ضيفه سانت باولي 22    عاجل/ هيئة ادارية غدا لجامعة التعليم الثانوي وكل التحركات والاحتمالات واردة..    يهم الأولياء: بداية من منتصف نهار اليوم: إعادة فتح باب التسجيل عن بعد لتلاميذ السنة أولى أساسي..    محرز الغنوشي: اليوم..أجواء ربيعية شمالاً وصيفية جنوباً    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أميركا والصين تتوصلان لاتفاق لوقف حرب الرسوم الجمركية    الرابطة الأولى.. نتائج الدفعة الثانية من مواجهات الجولة 29 والترتيب    مدينة العلوم بتونس تنظّم يوم الاثنين 26 ماي سهرة فلكية بعنوان السماء الرقمية : علوم البيانات والذكاء الاصطناعي""    القيروان: الدورة الثانية لمسابقة المطالعة بالوسط الريفي    وفاة "كروان الإذاعة" عادل يوسف    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترجي التونسي
نشر في باب نات يوم 31 - 07 - 2002

يعشق لسعد الموسيقى ومحلته باب سويقة وناديها العريق الترجي التونسي. والده سي النوري خياط الحي الذي تقصده سيدات المجتمع الراقي لحِرَفِيته العالية وأخلاقه الرفيعة, يشعر بقلق حقيقي على مستقبل ابنه البكر والذكر الوحيد بين ثلاث فتيات. بالأمس احتفلت العائلة الموسعة بنجاح ابن عمه (المفدي) في امتحان البكالوريا, في حين لم يغادر لسعد, رفيق دربه وعمره, سنته الخامسة ثانوي... ووسط الحيرة وشيء من الغيرة بدأت تلوح في افق المستقبل بوادر مشجعة إذ سيكون صيف تونس 2002 الساخن سنته الأولى موسيقى.
عائلة الهدار عائلة موسيقية تسري فيها الروح المرحة وشذى الألحان سريان الدم في العروق, لا أحد سأل عن اصولها العرقية ولا ممتلكاتها في الحياة الدنيا, عاشت دائماً مستورة وعايشت كل افراح العائلة الكبيرة. كلهم بلا استثناء عاشوا بالموسيقى وللموسيقي, فمنهم استاذ الموسيقى في الثانوية والباحث الأكاديمي, العازف في الفرق المحترفة وبائع الآلات الموسيقية الوحيد في المدينة... وعلى رغم تألقهم في دراساتهم الجامعية فإنهم في المحصلة يعودون الى اللحن الخالد. لسعد يدرس في الثانوي صباحاً, ومساء يقتطع ساعات في الأسبوع لينجز دبلوم الموسيقى العربية. شعر بالإهانة لفشله في الامتحان الأخير على غير عادة اعمامه, ولكنه لن يستسلم... ومع نهاية العام الدراسي اقترح عليه مدير فرقة موسيقية تعمل في الأفراح والأعراس العمل معه صيفاً بمكافأة مالية ترتفع الى 30 ديناراً عن كل ليلة, وإذا علمنا بأن صيف تونس العائلي يشهد الآلاف من الأعراس لاستنتجنا ان أمام لسعد فرص عمل حقيقية... وفي الحقيقة فإن قطاع الموسيقى يوفر فرص عمل متعددة لشباب تونس صيفاً. لا تهم كثيراً معرفتك بالأصول والموشحات والسلم الموسيقي... يكفي بعض المعرفة وكثير من الشياكة وشبكة جيدة من العلاقات مع الوسط لتوفر اموالاً كثيرة تقيك السؤال في فصلك الدراسي المقبل. يبدأ موسم الموسيقى في نهاية شهر حزيران (يونيو) مع الأفراح بنجاح الأبناء في امتحان التعليم الأساسي وشهادة البكالوريا, يجتمع شابان من اجل العمل ك(ديسكير) Disquer فيوفران مكبرات الصوت والأشرطة و(سي دي), ويعممان الخبر بين الأهل والخلان وخصوصاً الفتيات, ليصبحا اشهر من نار على علم. ولا يتوقف رنين هاتفهما الخلوي من اجل حجز موعد معهما لإحياء مناسبة أو فرح عائلي. وهكذا يضمنان كل ليلة عشاء فاخراً وسهرة رائعة وأكثر من 150 ديناراً مع مواعيد محتملة مع بعض الفتيات اللواتي يهوين الرقص والكلمات... وتضمن العائلات المحتفلة سهرة مفعمة بشذى الألحان المحلية والغربية والعربية بسعر لا يقارن مع اسعار الفرق المحترفة الأخرى. وإضافة الى (الديسكير) يوفر قطاع الموسيقى فرصاً اخرى للشبيبة, من مكبرات الصوت, الى العمل في الفرق الموسيقية التقليدية مثل الحضرة والسلامية والعيساوية وكذلك كمنشدين ومرددين في كبرى الفرق المحترفة وبأسعار محترمة في الإجمال. وفي رحلتي الشتاء والصيف التونسيتين فإن شهري تموز (يوليو) وآب (اغسطس) عنوانهما الرئيس الشواطئ صباحاً والأعراس والمهرجانات ليلاً. اما العمل فهو الخبز اليومي للفقراء والمهمشين...
يشعر كريم بنقمة لا توصف من جنون العالم منذ احداث 11 ايلول (سبتمبر) الماضية, فابن مدينة الحمامات زهرة المدائن السياحية في تونس, يعتقد بأن الحظ غادر نهائياً منذ ضرب ناطحات السحاب في نيويورك وعزوف الملايين من السياح عن زيارة تونس كعادتهم كل عام... شقيقه سليم تمكن من العبور نحو الضفة الأخرى بعد ان سحر بعينيه السوداوين شقراء ألمانية...إنها فئة (البزناسة) اهم نشاط شبابي في المدن السياحية التونسية.
يستعد الشاب (البزناس) لموسم الصيف وإلى موجات الحرارة في شهر نيسان (ابريل). يسبح, يتعرض لأشعة الشمس لاكتساب بشرة مثيرة ويجدد معارفه اللغوية وخصوصاً في اللغتين الألمانية والإنكليزية, فالفرنسية هي لغة البلد الثانية ولا شيء يرجى من الفرنسيات... يسعى لاقتناء ملابس متناسقة مع عدة الشغل... ويعاود تمارينه على ركوب الحصان والألواح الشراعية... صباحه يبدأ مع الساعة الحادية عشرة على شاطئ البحر لتبدأ رحلة (التبزنس) او معاكسة السائحات الجميلات الباحثات عن سحر الشرق وأساطير رجاله... الأماكن المحببة لديه فضاءات الفنادق الكبرى وكافلات السياح ومراكز التسوق. والبحر يجمع الجميع ليختم ليله في الأندية والعلب الليلية...
اهداف (البزنسة) متعددة من الربح المالي كوسيط بين الباعة والسياح الى اقتطاع تذكرة العبور بعد زواج محتمل مع احدى السائحات الى بلد الفل والياسمين. وقامت وزارة السياحة التونسية بجهود كبيرة من اجل الحد من هذه الظاهرة إلا ان انتشار مرض السيدا في العالم جعلها تنخفض الى المستويات الدنيا ثم اضيفت احداث ايلول فرحلت بالسياح و(البزناسة).
شهد العمل الصيفي لشباب تونس تطورات كبرى بعد اربعة عقود من الاستقلال. البداية كانت في الزراعة مع موسم جني الغلال, أو في ايطاليا وإسبانيا لجني العنب ايام زمان حيث الحدود مشرعة على حرية التنقل. بعضهم كان يدفع بأبنائه للعمل (صانعاً) لدى حلاق او تاجر الجملة في الحير وبائع اللوازم الدراسية, والفتيات يبعثن الى المعامل المجاورة المتخصصة في النسيج وحياكة الملابس. علية القوم لا يجدون مشقة في تحصيل فرص عمل موسمية لأبنائهم في المصارف وكبريات الفنادق والمؤسسات الحكومية في غياب الموظفين في اجازتهم ولمراجعة تراكم العمل بنظام الحصة الواحدة الصيفية من السابعة والنصف صباحاً الى الواحدة بعد الظهر.
ولكن تراجع الأداء الاقتصادي بعد طفرة التسعينات يضاف إليه الموسم الرابع على التوالي من الجفاف وتداعيات الأحداث العالمية وحادث جربة الإرهابي أثرت بصفة موجعة على حضور السياح الى تونس ودفعت بفرص العمل الصيفي للشبيبة الى مستوياتها الدنيا. ومع ذلك فإن تجربة محلية في قطاع حماية البيئة تستدعي الانتباه ووجدت فيها الشبيبة فرص عمل حقيقية. لغة الأرقام تقول إن التونسي الذي كان يستهلك 9 كلغ فقط من البلاستيك (اللدائن) اصبح في نهاية القرن الماضي يستهلك معدل 89 كلغ سنوياً.
وقدرت النفايات البلاستيكية بنحو 260 الف طن سنوياً منها 130 ألف من النفايات المنزلية... وللسيطرة على ظاهرة التلوث الناجم عن الفضلات البلاستيكية تم ارساء نظام عمومي لاستعادة المعلبات المستعملة (ايكولف) وتعمل الدولة والبلديات والجمعيات الأهلية على جمع المخلفات البلاستيكية وإعادة تصنيعها ما مكّن من إحداث اكثر من 650 مؤسسة صغيرة في ميدان جمع البلاستيك وتوفير موارد رزق لما يزيد على 1900 شاب وشابة... يكفي ان يتصل الشاب بالمؤسسة ليحصل على حاويات بلاستيكية ويجمع ما امكن له من القوارير والمواد البلاستيكية في الأزقة والشواطئ والتجمعات السكنية, ولا يقل ثمن القارورة المجمعة عن 50 مليماً. ولكن الملاليم الصغيرة توفر غداً (ثروة كبيرة)...
وتذكر هذه التجربة الطريفة شيوخ تونس عندما كانت المستشفيات في بداية الاستقلال تمنح 50 مليماً للشبيبة التي تصطاد العقارب ليلاً بعد ان كانت هذه الزواحف الخطيرة تتعايش مع التونسي في الجنوب في نهاية الستينات. إذ عصفت ازمة السياحة بفئة (البزناسة), وتباطؤ النمو الاقتصادي بفرص عمل للشبيبة صيفاً, فإن التونسي لا يمكنه الاستغناء قط عن الأفراح والموسيقى في موسم الأعراس والمهرجانات وعن شم الفل والياسمين يرشقه في اعلى أذنه اليمنى أو يجمل به رقبة زوجته ورفيقة عمره. والياسمين هي النبتة الفارسية وهي العنوان الرئيس لتونس الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.