المجلس المحلي بجندوبة الشمالية يطالب بالتصدي للمخربين    الجزائر: أوامر بالوقف الفوري لحملات قتل الحيوانات السائبة    عاجل: جامعة السباحة ترد على أحمد الجوادي    المنتخب التونسي يتحول الاثنين الى مدينة ليل الفرنسية لملاقاة البرازيل وديا    إمضاء اتفاقية ترتيبات موسم الحج خلال زيارة عمل لوزير الشؤون الدينية للمملكة العربية السعودية    بعد صلاة الاستسقاء... المطر تغمر المدينة المنورة والحرم المكي    بريطانيا تنوي إجراء أكبر تغيير لسياستها المتعلقة باللاجئين في العصر الحديث    الهوارية: الإعلان عن إيجاد حل للانبعاثات الصّادرة عن إحدى الوحدات الصناعية بصاحب الجبل    عاجل: غلق 11 محل ومطعم يهدّد صحة المستهلك في العاصمة    بشرى سارة: جودة زيت الزيتون هذا الموسم أحسن من الموسم الفارط!    في الثلاجة ولا خارجها؟ تعرف قداش تنجم تخزّن ''البيض المسلوق''    معضلة الملح في الخبز...بين وعي المواطن التونسي في الحفاظ على صحته ونقص التشريعات لمراقبة جودته    سيارة تصدم حشداً من الجمهور خلال سباق في أستراليا    عاجل: تونس ستطلق تجربة السوار الإلكتروني...وزيرة العدل تفسّر    لجنتا المالية والميزانية تستمعان إلى مقترحات مهنيين وهياكل وطنية حول مشروع قانون المالية لسنة 2026    عاجل: العقوبات البديلة لا تشمل هذه الجرائم... توضيحات من وزيرة العدل    الصدمات الجوية جاية: تغيّرات كبيرة على الأبواب    عراقجي: حق إيران في تخصيب اليورانيوم "غير قابل للتفاوض"    ضحايا في هجوم "غامض" على مقهى بريف حمص    "جبان وحقير مثير للشفقة".. المغنية الأمريكية بيلي إيليش تشن هجوما شرسا على أول "تريليونير" في العالم    الأحد: الحرارة تصل الى 30 درجة    وزيرة العدل: أكثر من 63 ألف منتفع بقانون الصلح في قضايا الشيك دون رصيد... وتراجع عدد المساجين إلى 222 فقط    وزيرة العدل توضّح موقف الوزارة من المحاكمة عن بعد والعقوبات البديلة    نجاح أول عملية دقيقة لاستئصال ورم كبير في المستشفى الجهوي بالمتلوي    بطولة النخبة لكرة اليد: نتائج مباريات الجولة الرابعة عشرة    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    ميزانية وزارة السياحة 2026...كيف سيتمّ توزيعها؟    تحسّن ملحوظ في جودة زيت الزيتون مقارنة بالموسم الفارط    الرابطة المحترفة الثانية (الجولة التاسعة): نتائج الدفعة الاولى والترتيب..    تدشين مركز تثمين التراث بشنني    في مهرجان الأردن المسرحي: مسرحية «عطيل وبعد» تحصد 3 جوائز    مع الشروق : خيارات الشراكات الاستراتيجية    بن عروس .. .مظاهر مزرية بمحيط معهد ابن منظور    كاس افريقيا للامم للرقبي السباعي للسيدات بكينيا: المنتخب التونسي يلاقي اوغندا في ربع النهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة على مستوى البورصات العربية    الفن والأدب واللغة والسلطة موضوع ندوة فكرية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة    هواتف ومواد تجميل وقطع غيار السيارات: هذا ما تحجزه الديوانة في تونس    مختصون في الصحة: المضادات الحيوية جائحة صامتة    المعهد الوطني للرصد الجوي: أكتوبر 2025 أكثر حرارة من المعدل العادي    بشرى لأهالي العاصمة: إعادة إستغلال هذه الحافلة بداية من الاثنين..#خبر_عاجل    احباط تهريب كمية من الكبد الحيواني المجمّد..خبر_عاجل    معهد الإحصاء: النشاط الإقتصادي يسجّل نموّا بنسبة 2،4 بالمائة    مباراة ودية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة الإتحاد العسكري الليبي    عاجل/ وزير التجارة يكشف عن آخر الاستعدادات لشهر رمضان    بسبب التأشيرة: هؤلاء اللاعبين يتخلّفون عن مباراة تونس والبرازيل في فرنسا..#خبر_عاجل    تحكيم تونسي في قلب نهائي المونديال: شوفوا الاسماء الحاضرة    طقس السبت : هكّا بش تكون الاجواء    عاجل : لأول مرة ...منظمة الصحة العالمية تكشف عن أخطر الأمراض المعدية    هذا ما تقرّر ضد 4 فتيات اعتدين بالعنف على تلميذة في سيدي حسين..#خبر_عاجل    ترامب يعلن أنه سيناقش "اتفاقيات أبراهام" مع بن سلمان بالبيت الأبيض    هيئة الانتخابات تنظم تظاهرات بالمدارس والمعاهد في الجهات لتحسيس الناشئة بأهمية المشاركة في الانتخابات    السويد: قتلى ومصابون في حادث اصطدام حافلة في ستوكهولم    توافق إفريقي بين تونس والجزائر والسنغال والكونغو حول دعم الإنتاج المشترك وحماية السيادة الثقافية    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب، تصنعه أيادينا
نشر في باب نات يوم 14 - 12 - 2015


عبد الجليل الجوادي
ما زال البعض يعتقد أن الحل الأمني هو الحل الأنجع في مواجهة الإرهاب. هذا الداء العضال الذي بدأ ينخر أوصال الوطن الآمن و يتسلل إليه من كل المنافذ حتى صار الحديث عنه لا يخلوا منه منبر حواري و لا يغيب عن جميع وسائل الإعلام المرئية و المكتوبة على حد السواء. هذا الحل في الحقيقة، تتبناه الجهات الرسمية في بلادنا و على رأسها الحكومة التي ترجمت عن هذا الموقف من خلال الزيادة الهامة المخصصة لوزارة الداخلية التي وصلت إلى نسبة 10 بالمائة من ميزانية الدولة، و أيضا الإنتدابات الهامة في سلكي الأمن و الجيش الوطنيين التي تعد بالآلاف، استعدادا لمواجهة هذا الغول الجاثم على صدورنا و الذي وجد في ضعف الدولة نفقا للتغول أكثر فأكثر.
و أنا إذ أنوه بهذا الإجراء الشجاع و أثمنه من حيث أهمية الجاهزية لأفراد الأمن الوطني عدة و عتادا، و قدرتهم الفنية و التقنية على مهاجمة الإرهابيين في مكامنهم و الخروج من وضعية الدفاع إلى الهجوم و ما يتطلبه ذلك من أجهزة متطورة و تدريب ميداني، فلا يفوتني أن أنبه إلى خطورة الإنزلاق -تحت شعار محاربة الإرهاب- نحو المنظومة السابقة بتكريس دولة البوليس على حساب جميع المكاسب التي جلبتها لنا الثورة، و الرجوع من جديد لمعادلة الأمن في مقابل الحرية. هذا الخوف تبرره في واقع الأمر، تلك الحملة التي خاضها بعض الإعلاميين في بلادنا، عبر سبر أراء مشبوه يصوغ لقبول التنازل عن جزء من الحريات مقابل توفير الأمن و القضاء على آفة الإرهاب. حملة خاضها الإعلام الفرنسي من قبل، فوجدت صداها لدى شريحة واسعة من إعلاميينا تربت على موائد الذل و لم تعتد بعد على العيش بكرامة كاملة و حقوق كاملة، في معادلة جديدة تجمع بين الأمن و الحرية في نفس الوقت. فلا تناقض بين الأمرين و لا تضاد إلا في العقول المريضة.
و من جهة أخرى، يجب التذكير لضعاف الذاكرة في هذا الوطن، أن الأمنيين كانوا ذات يوم أداة قمع بيد الطاغية سلطها على كل من عارضه فعاثت فسادا في الأنفس و الأعراض، و ما كانوا أمناء على الوطن و المواطنين. و قبل الزيادة في عدد الأمنيين و تجييشهم و تمكينهم من السلاح، وجب التفكير في تربيتهم على عقيدة الأمن الجمهوري، و تدريبهم على حسن استعمال ذلك السلاح في حماية المواطنين و خدمتهم دون تمييز لا قمعهم و تدجينهم و تركيعهم ضمن مربع الخوف.
و أنا أعتقد في الحقيقة، أن الحل الأمني على أهميته هو حل ترقيعي أو بعبارة أوضح، هو معالجة فوقية لا ترتقي إلى مستوى الإستئصال الجذري لهذا الداء. و إذا اعترفنا أمام أنفسنا بمدى خطورة هذه الآفة، فيجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنعترف بما هو أكبر من ذلك. يجب أن نقر على أنفسنا بأننا نحن من نصنع الإرهاب إبتداءا، و نحن من نخلق الأرضية الملائمة لنموه و ترعره فينا.
القمع و التهميش و التمييز السلبي و تجفيف منابع التدين الوسطي، هي الأسباب الحقيقية التي دفعت شبابنا للإنزلاق نحو التطرف الديني و اعتناق المذاهب التكفيرية و ممارسة العنف و التفجير.
أسأل نفسي أحيانا و أنا أشاهد شاشاتنا كل يوم، تطالعنا بصور عن أهالينا في ربوع الوطن المنسي، قد احترقت جلودهم من وهج الشمس و رسمت ظروف الدهر القاسية نقوشا غائرة ترسم الشقاء على محياهم. فلا تكاد تميز أعمارهم. كأنهم من زمان غير زماننا، و كأن عقارب الساعة عندهم تسير بضعف سرعتها عندنا، فتلوح الوجوه قاتمة لا أثر فيها للنعيم سوى بؤس يسربلها. أسأل نفسي. أهؤلاء مواطنون مثلنا أم مجرد أرقام في دفاتر الوطن؟؟؟
حين تكون المواطنة رقما في دفاتر السجل المدني أو بطاقة هوية تثبت الإنتماء إلى وطن يتجاهلنا. و حين تكون المواطنة مشروعا سياسيا لأصحاب الكراسي يتاجرون بها في ندواتهم و يتبجحون بها في خطبهم و يسوقونها وعودا بالتنمية تستجلب أصوات الناخبين. و حين تستحيل المواطنة مادة للتجارة السياسية، تسقط المواطنة و ينتحر على أعتاب الفقر المزمن كل شعور بالإنتماء.
أكان من الحتمي على هؤلاء- أشباه المواطنين- مع ما قدموا و يقدمون من تضحيات من أعمارهم و أبدانهم و مشاعرهم في ظل تجاهل الحكومات المتتالية لهم، أكان عليهم أن يقدموا مزيدا من الدماء و القرابين كي تلتفت إليهم كاميرات الأخبار و تعقد على نخبهم موائد النقاش العقيم؟؟؟؟
و ماذا تنفع دموع السياسيين و خطبهم الجوفاء في إصلاح ما أفسدته أيديهم طيلة عقود من الزمن ،كانوا يخوضون فيها معارك ضارية مع خصومهم و يستعملون في معاركهم كل الأساليب القذرة من أجل دحر من يعارضهم و إخلاء الطريق لمطامعهم و أهوائهم؟ و أين كانت عدسات الأنباء من هؤلاء، حين كانت تصدح في ربوعنا أهازيج الفرحة بالأمن و الأمان و حين كانت تصور لنا تونس على أنها جنة على وجه الأرض بفضل رئيسها الهمام حامي حمى الدين و الوطن؟؟؟
ألسنا نحن من نصنع الإرهاب؟
لقد قالها ابن عم الشهيد مبروك السلطاني في صدق نادر و رؤية واضحة حين تحدث عن شباب منطقتهم و ما يعانون من فقر و بطالة و خصاصة. تحدث عن واقع المعاناة اليومية و عن هشاشة البنية التحتية و غياب التنمية و تجاهل المسؤولين لمطالبهم. و تحدث أيضا عن أن هؤلاء الشباب قد يقعون بين الفينة و الفينة ضحايا تحت إغراء الإرهاب، و يبيعون هذا الوطن الذي باعهم و يشترون أنفسهم بالمال حين رخص ثمنهم و ازدراهم حكامهم.
أذكر هنا قصة عنترة ابن شداد الذي اشتهر بفروسيته و شجاعته و شعره الذي زاحم به فطاحلة الشعراء في عصره. غير أنه كان عبدا أسود، لم تشفع له جميع خصاله عند قبيلته فكان يعامل معاملة العبيد. و في إحدى الغزوات غنمت قبيلته مغنما كبيرا و كان عنترة قد أبلى في تلك الغزوة بلاءا حسنا. و لكن حين توزيع الغنائم، لم يعطوه نصيبا مثل بقية الفرسان لأنه عبد. فغضب عنترة من ذلك و وقع في نفسه من سوء معاملة القوم له. و ما هي إلا ساعة من زمن كرت فيها القبيلة المنهزمة على قبيلة عنترة، فطلب منه سيد القبيلة أن يكر عليهم -أي يهجم عليهم-. فقال عنترة كلمته الشهيرة، إن العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب و الصر. يعني بذلك أعمال الخدمة. فقال له ، كر عليهم يا عنترة و انت حر. و حينها انتفض عنترة و اعتلى صهوة جواده و أعمل سيفه في رقاب العدو بمعنويات من شعر بانتمائه لقبيلته و بأنه حر فيها سيد في قراره.
إن معالجة الإرهاب تبدأ من هنا. تحقيق الحرية و الكرامة للمواطنين و تمكين مختلف الجهات في فرصتها في التنمية و العناية بالشباب.
هذا الشباب المهمش و المفقر دينيا و المصحر أخلاقيا هو ورقة رابحة بيد الإرهاب. و بدلا من الزيادة في ميبزانية الأجهزة الأمنية، وجب التفكير جديا في تدعيم المؤسسات التعليمية و تمكينها من فضاءات للترفيه و التثقيف و تمكين التلاميذ في المناطق الداخلية من نفس الفرص في التعلم و تمكينهم من و سائل النقل بدلا من هذا الضنك اليومي بالتنقل عديد الكيلومترات مشيا على القدمين.... أيضا و بالتوازي مع ذلك، تخصيص ميزانية هامة لدور الشباب و المنظمات الشبابية و تدعيمها ماديا للإحاطة بأكبر عدد من الشباب. و كذلك العناية بنشر التعليم الديني الوسطي من خلال إعادة الإعتبار إلى مؤسسة جامع الزيتونة العريق و تخصيص منابر إعلامية للعلماء و المشائخ من أصحاب الفكر الوسطي.
أخيرا و ليس آخرا، يجب التأسيس لإعلام هادف. إعلام يدفع إلى التنمية و يشجع على الفعل الإيجابي بدلا من منابر الحوار العقيم التي تؤسس إلى ثقافة التلاعن و التراشق بالتهم و السب العلني. يجب تخصيص منابر للحوار الهادئ المفتوح أمام الجميع دون تمييز بين الجهات. و أن تكون صفحاتنا الأخبارية و شاشاتنا المرئية، مرآة تعكس الواقع دون فضائح و تشهير حتى لا يصبح الشاذ مألوفا و تنخرم القيم و الأخلاق في المجتمع.
Publié le: 2015-12-14 11:46:52


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.