أبو مازن بركاتك يا أرض الخضراء، صنعنا أكبر مقفول لنطبخ أعظم وجبة كسكسي. أنجاز عظيم يفرح له جماعة غينيس ليدونوه في دفاترهم ولا يفرح الجائع الفقير في تلال و هضاب الخضراء بلقمة تسد رمقه و توقف عراك الأمعاء في جوفه. أصبحت تونس تصنّع المقفول والصاروخ و الهيلي و ربما ستسعفنا الأيام القادمة بمزيد من الصناعات والفضل يعود للاعلام الذي يحرص على تقديم الحدث بسرعة ليجد خبرا ما يلوكه لأيام فلا لجنة خبراء تتثبت مما يبث و مما يقال حول الأمر المعروض و لا استشارة قانونية لما يذاع فالغاية كل الغاية مجرد الايثار والفوز بأكثر متفرج. حين يطرح اعلامنا مثل هذه "الابداعات" يميّع الحدث فيروّج اللغط و يستهزأ بالمصنوع والصانع. هل تونس الثورة تحتاج لمثل هذا التشهير و لمثل هذه الترهات حتى تنهض بصناعاتها؟ هل ستبني تونس صناعة ضخمة بمثل هذه الخزعبلات الاعلامية التي تضيّع الوقت والجهد و تبعث على التهكم و الاستبلاه؟ لا ضير أن يتقن أبناء تونس صناعتهم فيبتكرون و يبحثون عن الارقام القياسية و المنتجات الجالبة للسياح فتتناولها الجهة و الدولة بالعناية والاهتمام فلا افراط في تفكير ولا انتساب الى التكفير ولكن الدول النامية التي ارتقت الى صف الدول المصنعة قد سلكت منذ السبعينات والثمانيات طريقا آخر مغايرا لما نقوم به الآن. كادت تنقضي خمس سنوات منذ أن أحرق البوعزيزي رحمه الله وغفر اليه نفسه حرقة على بضاعة ملقاة على الرصيف ونحن لا نزلنا نتلمس طريق التقدم الصناعي و الاقتصادي ولكن هيهات. تأتي الحكومة وراء الحكومة فتطرح البرامج تلو البرامج بعضها "استشرافي" و بعضها الآخر قد يمكننا من "موقع متميز" بين الدول المتقدمة ولكن مجرد هراء لا يتضمن كلاما بل عواء. لم تولي كل هذه البرامج أي مستقبل للتعليم الجامعي عامة و لمدارس المهندسين خاصة و لا للبحث العلمي أي طريق واضح المعالم أو هدف تسير نحوه الدولة لتنهض بالبلاد و تدخل عالم التصنيع. أبناؤنا يبدعون في الخارج كلما اشتغلوا في مكاتب الدراسات أو مخابر البحث فهم ينجزون أعمالا قيمة تساير التقدم العلمي و التكنولوجي. أبناؤنا يعرضون امكانياتهم المعرفية نحو وطنهم ولكن الدولة لا تكترث بل تستبدلهم بكفاءات "الكوراث" المغموسين في اللوبيات العالمية الصهيونية والماسونية. أبناؤنا بالداخل يتقدمون بعديد الأطروحات و البراءات ولكن لا يشاركهم أحد الفرحة بهذا الاختراع أو ذاك، ولا يبحث عنهم الممول المستثمر ليصيّر حلمهم واقعا. أما اعلامنا فيكاد يشير اليهم بصفة برقية في نشرة أخباره حتى يوصف بالنزيه ولكنه يخصص ساعات ومنابر وحلقات للفهلوة الصناعية وللمقفول العظيم. أرهق التونسيون العالم بتصرفاتهم، يثورون على وجوه الفساد لينتخبونهم بعد فترة من جديد. و يكتبون دستورا حداثيا ولكنهم يحرصون على تطبيق القوانين المخالفة لروح هذا الدستور. و يستدعون صانع الصاروخ والأحزمة الناسفة كما قال بعد أن ألقوا به في السجن لأيام. أما الاعلام فهو باحث عن الاثارة، مجرد الاثارة لا غير فآخر مراده أن يفلح الصانعون أو يقدم لنا سياح كثر من أجل المقفول. Publié le: 2015-12-15 22:55:58