ماذا في المكالمة الهاتفية بين وزير الخارجية ونظيره النيجيري؟    رئيس اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة وهكذا ستكون أسعارها..    كاس امم افريقيا لاقل من 20 سنة: المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المغربي    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية مع تساقط كثيف للبرد بهذه المناطق    عاجل/ كشف هويّة الجثّة التي لفظها شاطئ بوجعفر    كرة اليد: نضال العمري يعزز صفوف الترجي في بطولة إفريقيا    وزير السياحة يتباحث مع نظيره الكونغولي سبل تطوير التعاون ودعم الربط الجوي    تحويل جزئي للمرور على مستوى مدخل المروج وفوشانة بداية من مساء الأربعاء    بطولة الرابطة الثانية: موعد المباريات    عاجل/ خرّيجو الجامعات ممّن طالت بطالتهم يحتجّون في ساحة القصبة    المحامي غازي المرابط: "مراد الزغيدي مسجون بسبب تحليلاته النقدية.. والقضية المثارة ضده لا تحمل أدلة مادية"    بشبهة مسك وحيازة مخدرات: الإبقاء على لاعب دولي في كرة اليد بحالة سراح    أنس جابر تعود لملاعب روما في هذا الموعد    عاجل/ نسبة إمتلاء السدود الى حدود اليوم الأربعاء    مؤشرات إيجابية للنشاط التجاري للخطوط التونسية للفترة المتراوحة من أكتوبر 2024 إلى مارس 2025    ليبيا ترفض ترحيل مهاجرين من أمريكا إلى أراضيها    مطار قرطاج: ضبط كمية من الذهب وايقاف مسافرتين    سيدي بوزيد: انطلاق أولى رحلات حجيج الجهة نحو البقاع المقدّسة في هذا الموعد    الدوري الأوروبي: أتليتيك بيلباو يعلن غياب الشقيقان وليامز عن مواجهة مانشستر يونايتد    أمينة الصرارفي تبحث واقع مراكز الفنون الدرامية وتدعو لترشيد النفقات    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    نفوق 7 أبقار بالمهدية.. الاتحاد الجهوي للفلاحة يوضح    سيدي بوزيد: اللجنة المحلية لمجابهة الكوارث بسيدي بوزيد الغربية تنظر في الاستعدادات لموسم الحصاد وفي سبل التصدي للحشرة القرمزية    حي التضامن: القبض على 03 من مروّجي المخدرات وحجز كميات من الكوكايين والإكستازي    مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة ينظم تظاهرة فكرية ثقافية حول 'المرأة والتراث بالكاف    الديوانة التونسية تحبط عمليات تهريب قياسية: محجوزات بالمليارات    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    كيف تتصرف إذا ''لسعتك عقرب والا عضّتك أفعى''    كل ما تريد معرفته عن الازدواج الضريبي للتونسيين بالخارج    تونس: الحماية المدنية تدعو إلى الالتزام بإجراءات السلامة خلال رحلات التّنزه    الزمالك يعلن إقالة مدربه بيسيرو    طريقة فحص بطارية السيارة في المنزل: خطوات بسيطة لتجنب المفاجآت    مصر وقطر في بيان مشترك: جهودنا في وساطة غزة مستمرة ومنسقة    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    هذه أسعار أضاحي العيد بهذه الولاية..    منظمة إرشاد المستهلك تعبّر عن انشغالها بشأن عدم تطبيق بعض البنوك للفصل 412 جديد من المجلّة التجاريّة    حماس تدعو إلى ملاحقة قادة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية كمجربي حرب..#خبر_عاجل    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    أطعمة تساهم في خفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح    وليد بن صالح رئيسا للجامعة الافريقية للخبراء المحاسبين    هام/ موعد اختتام السنة الدراسية..وتفاصيل روزنامة الامتحانات..    وزير التشغيل والتكوين المهني يدعو الى ترويج تجربة تونس في مجال التكوين المستمر دوليا    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    عاجل : وزارة التجهيز تعلن عن موعد انتهاء أشغال تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة    تفعيل خدمات النفاذ المجاني للأنترنات بمطارات صفاقس وتوزر وقفصة وطبرقة وقابس    بطولة الكويت - طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند و باكستان    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيّدي الوزير.. كان أحرى بك أن تصمت
نشر في باب نات يوم 10 - 03 - 2016


بقلم حامد الماطري
لم أعلّق على حكاية صورة "السلفي" التي التقطها بضع من جنودنا مع جثث الارهابيين، إذ اعتبرته عملاً عفوياً و إن كان غير محمود، قام به مجموعة من الشباب الصغار في السّنّ، قليلي التأطير، و لا شكّ في كونهم لم يتمرّسوا بعد على قواعد السّلوك العسكري. زيادة على ذلك، و من باب تنسيب الامور، نتفهّم جميعاً ان هذه الصورة أخذت في زخم الفخر بما أسهم به هؤلاء الجنود من إنتصار وطني، و لم يقرأوا أبعاده أو يفكروا كثيراً في جواز الفعل من عدمه.
لكن أن يطلّ علينا وزير التربية -نعم، "التربية"- ليبارك اللّقطة و يدعمها، و ليعطيها بعداً قانونياً عبر استذكار اتفاقية جنيف و اعتبار الارهابيين غير منضوين تحتها، و ان الجيش التونسي ليس ملزماً باحترام القواعد الاخلاقية في حربه ضدهم، على اعتبار كونهم مرتزقة و قتلة و ليسوا جيشاً نظامياً، فهذا أمر جلل و لا يمكن المرور دون الوقوف عنده.
سيدي الوزير، على اعتبار أنهم مجرمون و مغتصبون و غير نظاميين، و كان لهم السبق في التنكيل بجثث جنودنا في هنشير التلّة، فأنا انتظر منكم إذاً ان تقترحوا ان يقع صلب جثث الارهابيين على ابواب المدن، و ان تقدّم اشلاؤهم طعاماً للكلاب في مهرجانات شعبية، و ان يقع سبي نسائهم و تقديم الارهابيّات اللواتي وقع اعتقالهن كسبايا يتداول عليهن جميع افراد الجيش التونسي حتى يتسلّوا بهنّ...
لا يا سيدي الوزير.. ليست هذه اخلاق التونسيين و لا قيمهم.. مهما تعرض له التونسيون من عنف و ارهاب، فلا يمكن لهم ان ينحدروا الى مستوى اعدائهم من المجرمين.
لا يا سيدي الوزير، لسنا مجتمعاً متخلّفاً حتى نستحلّ جماعيّاً التّعذيب، كما اقترحت في اطلالتك السابقة، أو التّنكيل بالجثث، كما باركت اليوم.
كلا يا سيدي الوزير.. مع احترامي لمنصبكم، ما قلتموه لا يعطي انطباعاً طيباً عن مدى مبدئيّتكم، أو عن رجاحة رؤياكم في "التربية".. و كما يقال بالفرنسية، سيدي الوزير: "كان أحرى بك ان تصمت"!
في الواقع، لم أصدم في الوزير بقدر ما صدمت في المؤرّخ و في المثقف...
لمن لا يعلم، ناجي جلول هو من ألمع مؤرخينا، و هو من المفروض أنّه أكثر العالمين بما يحويه التّاريخ من دروسٍ عديدة عن كيفيّة جنوح الشعوب نحو العنف و تطورّ بذور الهمجية و ثقافة الدماء في الخيال الشعبي المشترك (العراق مثالاً، انطلاقاً من ثورة 1958، وصولاً الى اليوم). و اذا كان الشعب التونسي مسالماً، ميالاً الى الاعتدال و الحوار، فهذا مدعاة للفخر بالنّسبة لنا، و لا نريد ان تغير هذا فينا حربنا ضد الارهاب.
بعيداً عن المزايدات، ما حدث منذ يومين في بن قردان يأتي ليضيف صفحة جديدة من صفحات الفداء و الشّجاعة التي يقدمها التونسيون منذ سنوات.. صورة المواطنين ملتحمين مع الجيش في مصادماته مع الإرهابيين تنضاف إلى مشهد المصطافين على شاطئ القنطاوي عندما جعلوا من أنفسهم دروعاً بشرية يحمون بها ضيوف تونس، و إلى شموخ زوجة الراعي الذي أعدمه الإرهابيين، و جلال ذكرى الأمنيين و الضباط و الجنود الذين سقطوا واقفين و هم يدافعون عن هذا الوطن وعن عزته.
لا شك في أن المحن التي تعيشها بلادنا منذ سنوات كانت ثقيلة علينا، ومثخنة بالدماء و بجروح مؤلمة.. ولا شك في أن بلادنا ضحت -ولا زالت- بالكثير من زينة شبابها، ومن سمعتها، في مسعاها لتحقيق الحرية والكرامة لابنائها (شخصياً أرى تواصلاً عضوياً بين الثورة على الإستبداد و الحرب على الإرهاب)... لا شك في أنّسعادتنا بانتصار شعبنا في بن قردان تختلط بشعور من الغضب على هذا العدوان و الحزن على من سقط من شهداء.
بالرغم من قسوة المرحلة، فهي يفترض أن تساعدنا على استعادة لحمتنا و ثوابتنا، وقيمنا الوطنية المتأصلة..
و الأكيد أنّه من رحم هذه المحن، تخرج أعظم الملاحم.
بعد سنوات قليلة، وبعد أن نجتاز كل هذه الأزمات، سنكون قد اصبحنا أقوى و أصلب، و سنحتفظ في مخيّلتنا الجماعية بذكرى عزيزة، لشهداء بذلوا حياتهم في سبيل الوطن من دون تردد، و ستكون لنا قصص وملاحم نرويها لأبنائنا لنزرع فيهم معنى الوطنيّة، و قيم البذل و التضحية.
الشعب التونسي يكتب تاريخه اليوم بيده، بشجاعة و تصميم و وحدة.أمّا عن إصرار البعض إستغلال كل حدث تعرفه البلاد لتسجيل النقاط، للركوب على الأحداث، أو لتصفية حسابات ضيقة و قديمة -متجددة- (مع النهضة، مع الحقوقيين، الترويكا، الثورة، أو مع أيّ كان)، لا يسعني إلى أن أءسف لما يحدثه هؤلاء من تشويش على هيبة اللّحظة.
هنالك من يختار إن يبقى صغيراً حتى في أعظم المواقف..
عزاؤنا في الأصل، و هم يبقون الفرع ويبقى الشجعان "المجهولون" في شوارع بن قردان أو في شواطئ سوسة أو جبال القصرين هم الأصل..
اتساءل صدقاً، هل سيَفي الوزير حقّاً بوعده و سيقتني القميص الذي طبعت عليه صورة السلفي هذه، و هل انه سيرتديه في البيت، على مائدة العشاء مع الاسرة، أو في عمله في الوزارة، او في واحدة من زياراته "الفجئية" للمدارس التونسية.
التّسابق نحو الشعبوية، و هذه المزايدة الجماعية في الانحدار الاخلاقي تحت عناوين مغلوطة كالحماسة الوطنيّة او الاندفاع في محاربة الارهاب، ستقتل رمزيّة نضال الشّعب التّونسيّ في سبيل حرّيّته و كرامته، و ستخسف بالعبر و المكاسب المعنويّة التي نتطلّع اليها من وراء نصرنا و تخطّينا لهذه المحن المؤلمة.
أتمنى ان يعود بي الزمان الى سنوات قليلة مضت حتى ارى ما كان عليه موقف ناجي جلول من معتقل جوانتانامو، او سجن ابو غريب، على اعتبار ان ذات القراءات التي يقدمها هو اليوم، كانت هي ذاتها التي برر بها رامسفيلد وقتها ما كان يقترفه البنتاغون من فظائع.. لا داعي أن أخمّن كثيراً، فعبّاد الشّمس يتبع الأضواء أيّاً كان مأتاها.
لا ادافع عن الارهابيين.. هم قطعاً لا يستحقون الحياة، بل اعتبرهم مجموعة من المسوخ، ماتت من قبل أن تضرب بالرصاص.. هم أموات منذ أن ماتت فيهم الإنسانية واضحوا وحوشاً و شياطين يعيثون في الأرض فساداً. لا أدافع عنهم و هم لا يستحقون اي تكريم (في الحياة او بعد الممات).. انا في الاصل ادافع عن تونس، عن اخلاق المجتمع التونسي و قيمه. ادافع عن المستقبل الذي نورثه لابنائنا، و الذي لا بد أن نكون احرص عليه من حاضرنا.
في النهاية، أتمنى على السيد الوزير -من باب حرصنا على صورته و على الأمل الذي يضعه شقّ واسع من الناس في شخصه- أن يراجع بعضاً من مواقفه و من خطابه، قبل ان يتعودّ على الشعبوية الرخيصة، فتصبح عنواناً ملتصقاً به.
قد تكون حاملاً لطموحات سياسية أرفع، و قد تبحث عن تسجيل مزيد من النقاط عبر اعتماد خطاب شعبويّ رنّان، و اعتماد ثلّة من اهل الفن و الثقافة و الاعلام، يتطوّعون للترويج لانجازاتك، و للدفاع عن انزلاقاتك، و لكننا ندعوك أولاً "لتجويد هذه الشّلّة"، و ثانياً لاحترام هيبة الدولة في مكانة الوزير و رقيّ خطابه، ثمّ و خصوصاً لاحترام دورك كإنسان مثقف و-مسؤوليتك في الارتقاء بالفكر العام و الناي بنفسك عن السقوط المبالغ فيه في مستنقع الشعبويات.
و قد ينبري صديقك -او هكذا يدّعي- "نور شيبة"، ليتساءل من أي مدرسة تحصلتّ على شهادتي، و ساكون جد سعيد باجابته، شرط ان يخبرنا هو عن مصدر شهاداته هو -اياً كان مجال الاختصاص فيها.
Publié le: 2016-03-10 12:23:04


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.