فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    عاجل: الجزائر: هزة أرضية بقوة 3.9 درجات بولاية المدية    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    قيرواني .. نعم    تورّط شبكات دولية للإتجار بالبشر .. القبض على منظمي عمليات «الحرقة»    مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    "طوفان الأقصى" يفجر أزمة جديدة في إسرائيل    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    مرصد حقوق الطفل: 90 بالمائة من الأطفال في تونس يستعملون الأنترنات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل السياسي عن الدعوي.. على وقع حضرة رجال تونس
نشر في باب نات يوم 18 - 05 - 2016


بقلم: شكري بن عيسى (*)
من الصعب الحقيقة فهم اقدام النهضة على "قرار" (في انتظار التصديق في المؤتمر) على درجة من الخطورة بل الاخطر في تاريخها والاخطر في انعكاساته، بفصل السياسي عن الدعوي، والانتقال الى "حزب مدني ديمقراطي وطني بمرجعية اسلامية"، دون انجاز دراسة تفصيلية دقيقة حول انعكاساته السياسية والاستراتيجية على حجم الحركة في المشهد الوطني ورصيدها "الشعبي" وحول استمراريتها وتطورها (قوة او ضعفا) ، لتقدير الاثار التي يمكن ان يحدثها وقد تضع مستقبلها في الميزان، ودون التأكد التام من ضمان ظهور "ميزة تفاضلية" جديدة حاسمة ودائمة تضمن "جاذبية" مؤكدة اذا ما تم تبني الشكل والاختصاص الجديدين.
لعلنا نكاد نجزم ان اهم قضية سيحسمها المؤتمر العاشر للحركة بعد قرابة 40 سنة من نشأتها هو فصل السياسي عن الدعوي (او فصل الدعوي عن السياسي) الذي تضمنته "لائحة سبل ادارة المشروع" فضلا عن كونها اثارت الاهتمام الاكبر للراي العام داخليا وخارجيا، وتبقى المضامين الاخرى التي تحويها بقية اللوائح الاربع في كتاب "مشاريع لوائح المؤتمر العام العاشر - فيفري 2016": "اللائحة التقييمية" و"لائحة الرؤية الفكرية - المرجعية النظرية" و"اللائحة السياسية" و"اللائحة الهيكلية والتنظيمية" واللائحتين المضافتين في اخر وقت "اللائحة الاقتصادية الاجتماعية" و"لائحة التحدي الامني ومقاومة الارهاب" ، ذات اهمية عالية ولكنها تبقى في رتبة اقل، في كل الحالات.
ولئن ترجع قضية العلاقة بين السياسي والدعوي (او الثقافي الاجتماعي بشكل عام) الى بداية الظهور السياسي مطلع الثمانينات، وظلت تطرح في المحطات الكبرى والازمات خاصة وحُبِّر فيها الكثير من الادبيات من داخل الحركة وخارجها، فان المؤتمر التاسع في سنة 2012 كان المجال الاول لطرحها بصفة جدية-رسمية ولكنه رحّلها لصعوبة ودقّة تناولها وانعكاساتها الى مؤتمر استثنائي يقام بعد سنتين (اي في 2014) لم يتسن انجازه بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية وكان انتظار سنتين اخريين ليكون الحسم في مؤتمر هذا الاسبوع ان لم تحصل "مفاجأة كبرى"، ولكن ما ميّز الطرح هذه المرة هو حصول "توجّه" خلال الاعمال التحضيرية نحو "اقرار" الفصل الذي تضمنته "لائحة سبل ادارة المشروع".
سياق "الفصل" الملتبس/font size=6
الثابت ان نقاشات متنوعة ومتعددة دارت داخل اطر الحركة من مجلس شورى الى لجنة الاعداد المضموني الى ندوات موازية الى رجوع الى نصوص وادبيات الحركة وكل ما كتب حولها في الخصوص الى المؤتمرات المحلية والجهوية واللقاءات الاقليمية، لبيان مسوغات التوجه التي تلخصت في تخصص "وظيفي" ينشد الجدوى والمردودية عموما، ولكن ما يثير الغرابة هو بقاء "الطرف/ الاطراف" التي دفعت الى الاخر لهذا "الخيار" في "الظل" وابرازه في الاعلام منذ مدة طويلة قبل المؤتمر (سيد نفسه وقراراته) على لسان قيادات اولى منها الغنوشي ورفيق عبد السلام وفتحي العيادي انه الاختيار "المتخذ" حتى قبل المؤتمر، هذا فضلا عن تسويقه بانه محل "اجماع" واسع برغم وقوفنا على عديد المُؤتمرِين الذين اتصلنا بهم في مختلف المواقع لازالوا في حالة تردد وحتى عدم المام بمجموعة جوانب وانعكاسات الموضوع، دون ذكر المعارضين للفصل الذين خُنقت اصواتهم، وخرجت بالمناسبة الجوقة التأييدية من المتزلفين ممن يدعون صفة "النخبة" لتزويق "التوجه" والرد بالمناولة على كل "مناوىء" وان لزم الامر تحقير طرحه.
والحقيقة ان "القصف المركز" والذي بقي الى حد اللحظة غير معلوم "المحرك الرئيسي" في ابراز
"ميزات" بل "ضرورة" وحتى "حتمية" مسار "الفصل" اغرق الاغلبية في توجّه على حساب الاخر، وجعل "القرار" معيبا بعيوب الرضى ب"قبول" او "تبني" تحت ضغط "الموجة" ونوع من "الانصياع" خلال المؤتمرات المحلية والجهوية التي كان فيها اغلب المؤتمرين غير ملمين باهمية وابعاد الرهان المطروح، وهذا يجعلنا نستحضر نظرية "effet Bandwagon " لتفسير ظاهرة "استثارة الراي" opinion provoqué بالنسبة للمترددين الذين يتبعون في النهاية "الاغلبية المفترضة" وذلك عبر "الاصطفاف في شق الفوز" وبالتسليم في النهاية لسلوك "مطابق" في الوضعيات الغامضة والمعقدة وخاصة عند تصاعد ضغوط قوية قد تجعل من يعارضها في وضعية 'المقصى".
الثابت ان "لائحة سبل ادارة المشروع" والمعنونة تحت عنوان ثان (المذكرة الاستراتيجية) قدمت جملة من المسوغات المعقولة للوهلة الاولى واستعراض تجارب مقارنة في الاردن والمغرب وتركيا لتقديم "السبيل" او "السبل" التي تم "اختيارها" لما سمي "ادارة المشروع الاصلاحي للحركة في ظل المستجدات الواقعية والمقتضيات السياسية والقانونية والاستراتيجية لمرحلة ما بعد الثورة"، المتمثل في "تفرغ الحزب للعمل السياسي وايكال بقية الابعاد والوظائف الى هيئات المجتمع عن طريق مؤسسات متخصصة"، وزادت عدة قيادات النهضة في عرضها في الاعلام لعل اهمها:
- الفصل استدعته معطيات قانونية وواقعية ابرزها اعتبار حسم الدستور لمسألة "الهوية" في فصله الاول ورفض كل اشكال الاستهانة بالمقدسات الدينية والحضارية والاعتداء عليها، وكفل احترام الحقوق والحريات والكرامة لجميع المواطنين، وانتهاء المواجهة الشاملة مع الدولة ومعاداتها للاسلام، المكاسب المحققة بموجب الثورة،
- تجنب "التداخل" و"الخلط" بين المجالين السياسي والمجتمعي، والقطع مع "الازدواجية" و"الالتباس" و"الازدحام" الذي خلقه التوجه "الشمولي" الذي فرضته حقبة "المواجهة" زمن "السرية" الذي ولى،
- التطابق مع القوانين والاستجابة للشروط في الصدد فيما يتعلق بوجود الاحزاب والجمعيات،
- اعتماد الاختصاص بالنسبة للموارد والكفاءات من اجل حسن التوظيف البشري والتخصص في السياسي للتفرغ للمهام الجديدة التي طرحتها الثورة وعلو راسها التنمية والتشغيل والامن لتقديم وصياغة البرامج في الصدد.
مفارقات "الفصل" المتعددة.. المجازفة غير المحسوبة /font size=6
ويتضح في خصوص هذه النقطة جملة من المفارقات العميقة لعل ابرزها واكثرها سطوعا ما ارتبط بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي ابرزت الخلل العميق في المقاربة المضطربة، اذ بعد ادراج فقرة تكاد لا تذكر وبعض الاشارات المتفرقة في اللوائح حول الرؤيا الاقتصادية والاجتماعية تم التفطن الى ضرورة صياغة لائحة كاملة للغرض، ولم يتمكن مكتب الدراسات والتخطيط المعني ب"التدارك" الا في وقت متأخر بناء على ورقة قدمها مكتب النقابة المركزي، وبرغم وجود المشروع في نواته الاولى فلم يتمكن مكتب الدراسات من صياغة لائحة تعكس وجود رؤيا وخطوط عريضة لبرنامج رائد للنهضة، وغاب عنصر الخلق والابتكار وبرز ضعف فادح في الصدد واجترار لنفس الطروحات الفاشلة المرتبطة بالصناديق الدولية، وتناقضات تكاد تنسف كل مضامين اللوائح، اذ اثبتت هذه اللائحة اختلال كل التمشي بالعجز في اول اختبار بني عليه مسار الفصل: "التفرغ لتقديم البرامج والحلول".
وفضلا عن ذلك فالاتجاه للتغيير (او الاصلاح) عبر الحكم يفترض تواجدا مستمرا في الحكم وبحجم وازن وفعالية مؤكدة، وهو امر يكاد يكون مستحيلا اذ اضافة الى صعوبة التغيير الجذري عبر ادوات الحكم في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والامني في الظروف القائمة، فان "الوزن الفاعل" غير ممكن بالمرة اذ الامر يفترض تحالفات وطيدة وتطابق في البرامج يسبقه نتائج مريحة وهو امر غير متوقع في احسن الفرضيات تفاؤلا اعتبارا للنظام الانتخابي والنظام السياسي وواقع حركة النهضة، والاقرب هو تواصل التنافر عموما في الائتلاف مع الحركة في ظل الخارطة السياسية القائمة هذا فضلا عن عدم جدوى وفعالية الحكومات وفي ظل برامج رائدة تفتقدها جل الاحزاب ولم نتحدث عن التناقضات المرجعية (في المنظومات الاقتصادية) والتدخل الدولي عبر الصناديق والبنوك الدولية وعبر الدول الذي يجعل التاثير في الادنى.
وفي ظل النظام القانوني الحالي وحالة فقدان الثقة في الاحزاب والعزوف الحاد للمواطنين عن الاهتمام بالشأن العام حركة النهضة في "لائحتها السياسية" لا ترى نفسها في الحكم الا في "شراكة وازنة فاعلة وقاصدة فلا تُهمّش"، وهو امر لا دليل على ضمانه خاصة في ظل "النموذج" الحالي الهش وامكانية ترهل مركزها في قادم الانتخابات بالنظر الى النتائج الهزيلة حاليا للحكومة التي ستتحمل جزءا كبيرا من مسؤوليتاته ولطغيان التوجيه الانتخابي وهيمنة المال السياسي، وفضلا عن ذلك وفي ظل هذا الواقع المعقد متعدد المتغيرات وشديد التقلب وفي بيئة مناوئة الى حد مرتفع في المربع السياسي والنقابي والاكاديمي والاعلامي والحقوقي والثقافي-الفني والاداري والمالي-الاقتصادي والدولي تجازف الحركة -ان تمت المصادقة- باحداث تغيير استراتيجي في مجال نشاطها وفي تمظهرها (تشكلها) العام.
والمجازفة فعلا غير محسوبة النتائج، اذ الثابت ان الحركة لم تقم بدراسة سوسيولوجية سياسية (يستوجب ان تكون عميقة في مكاتب دراسات مختلفة وباليات متنوعة) عبر تحقيقات واستبيانات ميدانية لتحديد اثار هذا التحول الاستراتيجي على حجمها وعلى حصتها في انتخابات محتملة، ولدراسة مدى تقبل صورتها وشكلها وحجم النفور الذي يمكن ان يحصل في الصدد وقياس الحاصل ان كان سلبي او ايجابي، والثابت انه ايضا لا توجد "خطة ب" لتلافي وتعديل الاوضاع في صورة عدم نجاح المسار المنتهج او للرجوع للوضعية الاولى في صورة الفشل او الانهيار.
افتقاد التحليل الاستراتيجي/font size=6
وهو ما يعزز احتمال فرضية ان لا يكون الامر اختيارا بالنسة لمسوقي مسار الفصل وان يكون مفروضا تحت اكراهات بصفة مباشرة او غير مباشرة خارجية وداخلية، والاقرب انها ضغوطات غير مباشرة، اضافة لتقدير خاطىء للتجربة المصرية التي لا يمكن مقارنة واقع النهضة بها لاختلاف الاطار وهيكلة كلا التنظيمين ولاختلاف طبيعة النظامين وخاصة مدى تحكم الجيش في مكونات الدولة، وما يدل على ذلك هو اندفاع النهضة نحو مسار الفصل بما له من رهانات عالية بناء على مجرد تحليلات نظرية عامة وفضفاضة ودون تحليل استراتيجي مستوجب عبر التقنيات المعلومة من تحليل "المنافسة" ونقاط "القوة" و"الضعف" و"الفرص" و"التهديدات" وضبط "الميزة التفاضلية" الحالية، واي اثر على ديمومة الكيان الجديد الذي سيفقد الكثير من خصائصه وميزاته وهو ما سيمنح الفرصة للاحزاب التي على يمينه (حزب التحرير والتنظيمات الجهادية) بالاستئثار بجزء كبير من قواعده وانصاره.
والثابت ان النهضة لم تقم ب"التشريح الاستراتيجي" الضروري لتحليل "الطلب السياسي" وهل ان "المنتوج" الجديد يستجيب بما يكفي للتطلعات والانتظارات المسجلة، والتخصص specialisation وتحديد الشكل reconfiguration بما يعنية من اعاة تمكرز استراتيجي repositionnement stratégique لم ينبن على ميزة تفاضلية avantage comparatif مستقبلية (وجب ان تكون حاسمة ودائمة اي غير قابلة للتقليد) فيها من الجاذبية والاغراء لضمان عم انحلال الحزب في المستقبل خاصة مع فقدانه المنتظر جزء من قاعدته على يمينه واقترابه اكثر للوسط الذي لن يجد فيه سهولة الحركة وهامش المناورة بعد فقدانه الموقع الذي يجد فيه القبول الاوسع، والتخلي عن الهوية الحالية والصورة الحالة سيصعب استرجاعها لو لم يؤد التمشي الحالي لنتائج ايجابية.
ومع ذلك فما لم يقع الحساب له بما يلزم هو كيفية تقبل الخصوم والمنافسين السياسيين وحتى شركاء الحكم وخاصة الراي العام للتمشي الجديد والثابت ان "الماكينة" ستشتغل بقوة للتشكيك في مبدئيته وفي تطبيقه واثارة مسألة الازدواجية في التعامل من جديد، والتسويق اللازم لمثل هكذا اتجاه لا تمتلكه النهضة لا من حيث التخطيط والتصور ولا من حيث الادوات الاعلامية المناوئة لها في اغلبها وهو ما سيحكم على المسار بالتعثر ان لم يكن الاخفاق بما يمثله من خسائر مباشرة واخرى جانبية والاصوات التي اعتبرت الفصل مجرد "مناولة" للديني بدات تنتشر، وحتى لو تم القبول فستثار مسألة طلب الاعتذار عن "الحالة" السابقة التي رددت فيها النهضة بانها حزب "مدني" وستتهم بالكذب كما انطلقت بعض الاقلام في ترويجه، و"لو خرجت من جلدك ما عرفتك"، وفي كل الحالات فان التقبل لن يكون على الارجح ايجابيا، والضغوطات ستتزايد والتمثل perception من الراي سيكون سلبيا خاصة وان التشويش سيكون عاليا، وبذلك لن تربح النهضة من "نسختها" الجديدة بعدما خسرت فقدان صورتها القديمة.
أخلقة السياسة، ال realpolitik وايديولوجيا "الاستهلاك"/font size=6
وحصرالاختصاص في السياسي وضبط شكل مغاير وابدال "الرؤية الفكرية" سينتج عنه تراجع عن الهوية الاولى في صفائها ونقائها الاصلي وسيقود الى عملية سلخ وتشويه ان لم يكن مسخ للكيان الاصيل وستكون الانزالاقات عديدة بكلفة عالية، اولها ما سيعنيه التخصص السياسي من انحلال وذوبان في المنظومة السياسية بسلبياتها الفاقعة وخاصة ترسخ محاكاة واستنساخ النموذج والعقيلية التجمعي المبنية على الزابونية الاجتماعية والسياسية والانتهازية والعروشية القادرة على الاستقطاب في ظل سوسيولوجيا المجتمع التونسي الحالية المتميزة بنقص فادح في الوعي السياسي بعد عشرات السنين من التسطيح الفكري والتجويف السياسي، والانصهار في المنظومة الدولية التي تسعى لارساء نموذج "الاسلام اللايت" واغراقه في البراجماتية المفرطة بكل محاذيرها الاستراتيجية.
والليبرالية الدولية الحقيقة تسعى بكل قواها لاجتثاث الجذور الايديولوجية لكل الحركات النسقية والاحزاب النضالية وتجريدها من خصوصياتها وطمس الهويات العميقة لجعل الايديولوجيا الوحيدة المنتشرة في عصر العولمة والكارتيلات العملاقة هي "الاستهلاك" وتبعاتها المديونية والخضوع للتوجيهات والاملاءات الاقتصادية للقوى والبنوك الدولية المهيمنة، بما تعنيه من تحديد في السيادة الوطنية وحتى التنصل والتخلي عن الثوابت والمبادىء مع تبني مقاربات "الريالبوليتيك" réalpolitik التي تسعى قوى الحكم الدولية لتجذيرها، مثلما فعلت مع حركة "فتح" التي قادتها للدخول في لعبة العقلانية السياسية والمصالح وانهكتها باتفاقيات "اسلو" وجعلتها تتخلى عن "المقاومة" وانتهت بها الى التشرذم والعبثية حتى.
ولا غرابة ان نرى طغيانا جارفا لخيارات ومنطق "التكيف" و"التأقلم" و"الاندماج" و"الاصطفاف" في نطاق "التسويات" و"الصفقات" واتجاها نحو التفريط في الثوابت والمبادىء، قد تصل يوما الى القبول بتركيز قواعد عسكرية اجنبية على ارض الوطن ضمن منطق "المصلحة" و"موازين القوى"، واستعدادا لقبول بالتسويات السياسية مع الكيان الصهيوني في خصوص القضية الفلسطسنية قد تصل للتطبيع معه في مستويات معينة، وقد تجسد الامر في اللوائح التي لا تحوي مطلب "تحرير كل الاراضي المحتلة" وتم الاكتفاء ب"نصرة القضية الفلسطينية" الذي يفترض تبني خيارات التسوية، وهو امر منتظر جدا اذا ما سجلنا التلدد في تبني قانون تجريم التطبيع وتصاعد عديد القيادات "المنمذجة" على اعتبارات الواقعية والفعالية والمصلحية القحة وحسابات الربح والخسارة الدقيقة في مقابل اهمال المبادىء الاتيقية والاخلاقية والتي قد تفضي الى القبول بالتطبيع والمشاركة مع نظام دكتاتوري امتثالا لمنطق ميزان القوى والمصلحة بالرغم من تصاعد اصوات "أخلقة السياسة" في عديد مناطق العالم.
استراتيجيا الشمولية.. التفريط في الجواد الناجح/font size=6
في المقاربات الاستراتيجية الكيانات الجديدة التي تقتحم مجال نشاط معين (في حالتنا الشأن العام) هي التي عادة ما تتجه نحو التخصص حتى صلب المجال السياسي ("احزاب بيئية" واحزاب "اقليات" واحزاب "نسوية"..) لخلق "ميزة تنافسية" تمكنها من احداث "اختراق"، اما الكيانات المتموقعة والتي لها شمولية فتستفيد من خبرتها ورصيدها وعراقتها وصورتها وحجمها وسمعتها واجهزتها لتثبيت وتطوير نتائجها واستثمار اقصى ما يمكن "حرفتها" le metier وشبكة علاقاتها لمزيد كسب حصص جديدة في المشهد واستقطاب انصار جدد، خاصة وانها عمليا تقريبا تمثل "العرض المرجعي" بالمفهوم الاستراتيجي offre de reference، وهو الامر الذي لم يأخذ في الاعتبار في "التوجه" الجديد، بل ان تنافرا وربما تصادما سيحدث بين المكونين المنفصلين، ويبقى اشكال التمويل بعد فصل المكونين محل تجاذب كبير وحتى ارث الحركة ونضاليتها ومنجزاتها من سيتملكه وسيكون هو ايضا محل تنازع.
ولا يمكن الحقيقة استساغة التفريط في ميزات تنافسية عالية القيمة والتخلي عن ابعاد ذات اعتبار والتحول من حركة متعددة المركبات الى حزب مناسبات سياسية وماكنة انتخابية تصبح تنافس بعقلية حزب "الوطني الحر" وتخسر جزءا هاما من زخمها خاصة وان القانون لا يمنع نشوء احزاب استنادا الى خلفية اسلامية من جهة ومن اخرى الاحزاب الايديولوجية وخاصة اليسارية والقومية لا تفصل الا ميكانيكيا تداخلها في المجال المدني في النشاطات النقابية والحقوقية والاكاديمية والطلابية والاعلامية وحتى الثقافية الفنية بل ان هذه المجالات هي اذرعتها الفعالة في تحقيق اهدافها السياسية في الدعاية والتعبئة والظهور والانتشار، ولم تقدر ان المساواة في التنافس تفرض تطبيق نفس الوضعية على الجميع، وفي انتظار الانتقال الى مرحلة نظامية او تحوير القانون من السذاجة السياسية التموقع الارادي في وضع اختلال تنافس، والتحوّل يتم اليوم في النهضة على مرمى حجر من موعد انتخابي مصيري المتعلق بالمحليات.
ليست لدينا فكرة شامة عن الاعداد المادي للمؤتمر الذي سيتواصل على امتداد الجمعة والسبت والاحد بجدول اعمال اساسي اولي يتضمن مناقشة والمصادقة على اللوائح وانتخاب مجلس الشورى ورئاسة الحركة، ولكن الثابت ان الاعداد المضموني لم يكن موفقا، فاللائحة الامنية ومقاومة الارهاب التي الحقت في اللحظات الاخيرة طغى عليها الانشائيات ولم تتخط كثيرا مستوى التشخيص، واللائحة الاقتصادية والاجتماعية صبغها الارتجال ومثلت حلقة الضعف، اما "لائحة سبل تصريف المشروع" فقد طغى عليها التسرع وغاب عنها العمق الاستراتيجي، وزيادة فحساسيتها غطت على بقية اللوائح التي لا تنقصها اهمية وخاصة تقييم التجربة التي ستمر في الثنايا ولن تستخلص عبر مناقشتها الدروس بما يكفي وتحاسب السياسات والمقاربات المختلة حتى لا تظهر من جديد في اشكال اخرى وتساءل القيادات التي لم تقدر المخاطر بما يستوجب.
وتبقى استفهامات عميقة تلاحق هذا التوجه "المقامر" نحو الفصل، خاصة وان الحركة في اسوأ حالاتها وبخطاب غير محترف بالقدر المطلوب وبقيادات تنقصها الكفاءة السياسية وببرامج متواضعة وبعد فترة الترويكا بين 2012 و2013 بكل زلازلها حصدت قرابة 30% من نواب البرلمان، ولا ندري لماذا يتم ابدال جواد رابح لا ينقصه الا فارس ماهر يحسن القيادة والرعاية ويؤمّن له ظروف النجاح، ولا ندري الحقيقة هل ان يومان ستكون كافية لحسم سبع لوائح بقضايا شديدة الحساسية والتعقيد في مؤتمر ستفرض فيه اجندا الكبار الذين سيحتد تنافسهم على النفوذ في اعلى هيكل من خلال "اللائحة الهيكلية"، وستطغى فيه الرهانات الانتخابية والصفقات (التي قد تقود الى نشوز وتشنجات حادة عنيفة) على حساب المضموني الذي يفوق حجمه مائة صفحة، في المؤتمر الذي سيكون الجانب الاحتفالي المشهدي ضاربا مع تدشينه ب"حضرة رجال تونس" احد ابرز انتاجات الماكينة الثقافية لنظام المخلوع لتزييف الوعي والتصحير القيمي والسياسي!!
(*) باحث قانوني واقتصادي
Publié le: 2016-05-18 18:57:34


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.