إلغاء إضراب أعوان شركة فسفاط قفصة المقرر يومي 08 و09 جويلية الجاري    ديوان الحبوب: الكمّيات المجمّعة من الحبوب تصل إلى حوالي 9,292 ملايين قنطار حتى 4 جويلية 2025    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 19 سنة: على أي قناة وفي أي وقت يمكنك مشاهدة مباراة تونس وبلجيكا ؟    الملعب التونسي يُحصّن أحد ركائزه    طقس اليوم الأحد    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    الصدمة الحرارية: خطر صامت يهدّد المصطافين... وتحذيرات متجددة مع اشتداد موجات الحرّ    كأس الجزائر - اتحاد الجزائر يحرز الكأس على حساب شباب بلوزداد 2-0    اليوم..انطلاق قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو بمشاركة بوتين    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    ارتفاع عدد قتلى فيضانات تكساس.. والبحث عن المفقودين مستمر    اليوم الأحد: الدخول مجاني إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب للغولف    فيما الوحيشي يقود الفريق: اشتعلت بين البنزرتي وهيئة المنستيري    مُربّ في البال: الأستاذ عادل الجملي .. قاموس الإدارة وأسد الإمتحانات الوطنيّة    مهرجان ساقية الدائر في دورته الثامنة: محرزية الطويل ومرتضى أبرز الحاضرين    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    مسؤول إيراني: غروسي خان الأمانة ولن نسمح بأن تطأ قدماه إيران أبدا    بعد سنوات من الغياب.. أول ظهور لعادل إمام    إيلون ماسك يعلن تأسيس "حزب أميركا"    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    عاجل/ أول رد من حماس على مقترح وقف اطلاق النار في غزة..    إدارة الغابات.. إطلاق سراح طيور الساف التي تم القبض عليها لممارسة هواية البيزرة    القضاء يبرّئ وزير الاقتصاد الأسبق من تهم فساد مالي    في تونس: أسعار الزيوت تنخفض والخضر تلتهب!    خدمة مستمرّة للجالية: الخارجية تفتح أبواب مكتب المصادقة طيلة الصيف    الشركة الجهوية للنقل بنابل.. برمجة عدة سفرات على مستوى الخطوط نحو الشواطئ    هذه قوّة الزلزال الذي قد يُهدد تونس بتسونامي... والمعهد يراقب منذ 2016    غياب رونالدو عن جنازة جوتا يثير حيرة الجماهير    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    زغوان: تقدّم موسم حصاد الحبوب بأكثر من 90 بالمائة    عاجل/ بعد اعفاء رئيس مجلس إدارة "التونيسار": توجيه تنبيه صارم لهؤلاء..    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    تطور مداخيل الشغل المتراكمة ب8.3% خلال السداسي الأول من 2025    كسرى: استرجاع أرض غابيّة تمسح 7 هكتارات بموجب أمر قضائي وبالقوة العامة    تشيلسي يتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية بعد فوز مثير على بالميراس 2-1    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يسلّط غرامات مالية على أندية كبرى بسبب خرق قواعد الاستدامة    نهاية مسيرة خالد بن يحيى مع مولودية العاصمة: الأسباب والتفاصيل    الزهروني: تفكيك عصابة تخصصت في خلع ونهب مؤسسات تربوية    الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية والبصرية بالمركبات الثقافية ودور الثقافة بمدينة مكثر يومي 11 و12 جويلية الجاري    شنوة الجديد في مهرجان قرطاج 2025؟    سيدي بوزيد: وفاة طفلة في حادث دهس من قبل والدها عن طريق الخطأ    وزير الفلاحة يؤكد حسن الاستعداد لموسم زيت الزيتون القادم وخاصة على مستوى طاقة الخزن    النوم قدّام ال ''Climatiseur''بعد الدوش: هل يتسبب في الوفاة اكتشف الحقيقة    شنوة يصير كان تاكل الكركم 14 يوم؟    ما هي الكمية المناسبة من الشوكولاتة لطفلك يوميًا؟    البرلمان: أعضاء لجنة الدفاع والأمن يؤكدون ضرورة إعادة النظر في مجلة الجماعات المحلية..    مدير مهرجان بنزرت: تمّت برمجة ''بلطي'' فقط للارتقاء بالذوق العام    الفوترة الإلكترونية إلزامية ابتداءً من جويلية: الإدارة العامة للأداءات تحذّر المتخلفين    الشراردة: وفاة طفلة ال8 سنوات اثر سقطوها من شاحنة خفيفة    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    جريمة مروعة: العثور على جثة فتاة مفصولة الرأس وملقاة في الشارع..!!    عاجل/ سيعلنه ترامب: التفاصيل الكاملة لاتفاق غزة الجديد..    التمديد في أجل التمتع بالمنحة الاستثنائية للتسليم السريع لكميات الشعير المقبولة    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل السياسي عن الدعوي.. على وقع حضرة رجال تونس
نشر في باب نات يوم 18 - 05 - 2016


بقلم: شكري بن عيسى (*)
من الصعب الحقيقة فهم اقدام النهضة على "قرار" (في انتظار التصديق في المؤتمر) على درجة من الخطورة بل الاخطر في تاريخها والاخطر في انعكاساته، بفصل السياسي عن الدعوي، والانتقال الى "حزب مدني ديمقراطي وطني بمرجعية اسلامية"، دون انجاز دراسة تفصيلية دقيقة حول انعكاساته السياسية والاستراتيجية على حجم الحركة في المشهد الوطني ورصيدها "الشعبي" وحول استمراريتها وتطورها (قوة او ضعفا) ، لتقدير الاثار التي يمكن ان يحدثها وقد تضع مستقبلها في الميزان، ودون التأكد التام من ضمان ظهور "ميزة تفاضلية" جديدة حاسمة ودائمة تضمن "جاذبية" مؤكدة اذا ما تم تبني الشكل والاختصاص الجديدين.
لعلنا نكاد نجزم ان اهم قضية سيحسمها المؤتمر العاشر للحركة بعد قرابة 40 سنة من نشأتها هو فصل السياسي عن الدعوي (او فصل الدعوي عن السياسي) الذي تضمنته "لائحة سبل ادارة المشروع" فضلا عن كونها اثارت الاهتمام الاكبر للراي العام داخليا وخارجيا، وتبقى المضامين الاخرى التي تحويها بقية اللوائح الاربع في كتاب "مشاريع لوائح المؤتمر العام العاشر - فيفري 2016": "اللائحة التقييمية" و"لائحة الرؤية الفكرية - المرجعية النظرية" و"اللائحة السياسية" و"اللائحة الهيكلية والتنظيمية" واللائحتين المضافتين في اخر وقت "اللائحة الاقتصادية الاجتماعية" و"لائحة التحدي الامني ومقاومة الارهاب" ، ذات اهمية عالية ولكنها تبقى في رتبة اقل، في كل الحالات.
ولئن ترجع قضية العلاقة بين السياسي والدعوي (او الثقافي الاجتماعي بشكل عام) الى بداية الظهور السياسي مطلع الثمانينات، وظلت تطرح في المحطات الكبرى والازمات خاصة وحُبِّر فيها الكثير من الادبيات من داخل الحركة وخارجها، فان المؤتمر التاسع في سنة 2012 كان المجال الاول لطرحها بصفة جدية-رسمية ولكنه رحّلها لصعوبة ودقّة تناولها وانعكاساتها الى مؤتمر استثنائي يقام بعد سنتين (اي في 2014) لم يتسن انجازه بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية وكان انتظار سنتين اخريين ليكون الحسم في مؤتمر هذا الاسبوع ان لم تحصل "مفاجأة كبرى"، ولكن ما ميّز الطرح هذه المرة هو حصول "توجّه" خلال الاعمال التحضيرية نحو "اقرار" الفصل الذي تضمنته "لائحة سبل ادارة المشروع".
سياق "الفصل" الملتبس/font size=6
الثابت ان نقاشات متنوعة ومتعددة دارت داخل اطر الحركة من مجلس شورى الى لجنة الاعداد المضموني الى ندوات موازية الى رجوع الى نصوص وادبيات الحركة وكل ما كتب حولها في الخصوص الى المؤتمرات المحلية والجهوية واللقاءات الاقليمية، لبيان مسوغات التوجه التي تلخصت في تخصص "وظيفي" ينشد الجدوى والمردودية عموما، ولكن ما يثير الغرابة هو بقاء "الطرف/ الاطراف" التي دفعت الى الاخر لهذا "الخيار" في "الظل" وابرازه في الاعلام منذ مدة طويلة قبل المؤتمر (سيد نفسه وقراراته) على لسان قيادات اولى منها الغنوشي ورفيق عبد السلام وفتحي العيادي انه الاختيار "المتخذ" حتى قبل المؤتمر، هذا فضلا عن تسويقه بانه محل "اجماع" واسع برغم وقوفنا على عديد المُؤتمرِين الذين اتصلنا بهم في مختلف المواقع لازالوا في حالة تردد وحتى عدم المام بمجموعة جوانب وانعكاسات الموضوع، دون ذكر المعارضين للفصل الذين خُنقت اصواتهم، وخرجت بالمناسبة الجوقة التأييدية من المتزلفين ممن يدعون صفة "النخبة" لتزويق "التوجه" والرد بالمناولة على كل "مناوىء" وان لزم الامر تحقير طرحه.
والحقيقة ان "القصف المركز" والذي بقي الى حد اللحظة غير معلوم "المحرك الرئيسي" في ابراز
"ميزات" بل "ضرورة" وحتى "حتمية" مسار "الفصل" اغرق الاغلبية في توجّه على حساب الاخر، وجعل "القرار" معيبا بعيوب الرضى ب"قبول" او "تبني" تحت ضغط "الموجة" ونوع من "الانصياع" خلال المؤتمرات المحلية والجهوية التي كان فيها اغلب المؤتمرين غير ملمين باهمية وابعاد الرهان المطروح، وهذا يجعلنا نستحضر نظرية "effet Bandwagon " لتفسير ظاهرة "استثارة الراي" opinion provoqué بالنسبة للمترددين الذين يتبعون في النهاية "الاغلبية المفترضة" وذلك عبر "الاصطفاف في شق الفوز" وبالتسليم في النهاية لسلوك "مطابق" في الوضعيات الغامضة والمعقدة وخاصة عند تصاعد ضغوط قوية قد تجعل من يعارضها في وضعية 'المقصى".
الثابت ان "لائحة سبل ادارة المشروع" والمعنونة تحت عنوان ثان (المذكرة الاستراتيجية) قدمت جملة من المسوغات المعقولة للوهلة الاولى واستعراض تجارب مقارنة في الاردن والمغرب وتركيا لتقديم "السبيل" او "السبل" التي تم "اختيارها" لما سمي "ادارة المشروع الاصلاحي للحركة في ظل المستجدات الواقعية والمقتضيات السياسية والقانونية والاستراتيجية لمرحلة ما بعد الثورة"، المتمثل في "تفرغ الحزب للعمل السياسي وايكال بقية الابعاد والوظائف الى هيئات المجتمع عن طريق مؤسسات متخصصة"، وزادت عدة قيادات النهضة في عرضها في الاعلام لعل اهمها:
- الفصل استدعته معطيات قانونية وواقعية ابرزها اعتبار حسم الدستور لمسألة "الهوية" في فصله الاول ورفض كل اشكال الاستهانة بالمقدسات الدينية والحضارية والاعتداء عليها، وكفل احترام الحقوق والحريات والكرامة لجميع المواطنين، وانتهاء المواجهة الشاملة مع الدولة ومعاداتها للاسلام، المكاسب المحققة بموجب الثورة،
- تجنب "التداخل" و"الخلط" بين المجالين السياسي والمجتمعي، والقطع مع "الازدواجية" و"الالتباس" و"الازدحام" الذي خلقه التوجه "الشمولي" الذي فرضته حقبة "المواجهة" زمن "السرية" الذي ولى،
- التطابق مع القوانين والاستجابة للشروط في الصدد فيما يتعلق بوجود الاحزاب والجمعيات،
- اعتماد الاختصاص بالنسبة للموارد والكفاءات من اجل حسن التوظيف البشري والتخصص في السياسي للتفرغ للمهام الجديدة التي طرحتها الثورة وعلو راسها التنمية والتشغيل والامن لتقديم وصياغة البرامج في الصدد.
مفارقات "الفصل" المتعددة.. المجازفة غير المحسوبة /font size=6
ويتضح في خصوص هذه النقطة جملة من المفارقات العميقة لعل ابرزها واكثرها سطوعا ما ارتبط بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي ابرزت الخلل العميق في المقاربة المضطربة، اذ بعد ادراج فقرة تكاد لا تذكر وبعض الاشارات المتفرقة في اللوائح حول الرؤيا الاقتصادية والاجتماعية تم التفطن الى ضرورة صياغة لائحة كاملة للغرض، ولم يتمكن مكتب الدراسات والتخطيط المعني ب"التدارك" الا في وقت متأخر بناء على ورقة قدمها مكتب النقابة المركزي، وبرغم وجود المشروع في نواته الاولى فلم يتمكن مكتب الدراسات من صياغة لائحة تعكس وجود رؤيا وخطوط عريضة لبرنامج رائد للنهضة، وغاب عنصر الخلق والابتكار وبرز ضعف فادح في الصدد واجترار لنفس الطروحات الفاشلة المرتبطة بالصناديق الدولية، وتناقضات تكاد تنسف كل مضامين اللوائح، اذ اثبتت هذه اللائحة اختلال كل التمشي بالعجز في اول اختبار بني عليه مسار الفصل: "التفرغ لتقديم البرامج والحلول".
وفضلا عن ذلك فالاتجاه للتغيير (او الاصلاح) عبر الحكم يفترض تواجدا مستمرا في الحكم وبحجم وازن وفعالية مؤكدة، وهو امر يكاد يكون مستحيلا اذ اضافة الى صعوبة التغيير الجذري عبر ادوات الحكم في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والامني في الظروف القائمة، فان "الوزن الفاعل" غير ممكن بالمرة اذ الامر يفترض تحالفات وطيدة وتطابق في البرامج يسبقه نتائج مريحة وهو امر غير متوقع في احسن الفرضيات تفاؤلا اعتبارا للنظام الانتخابي والنظام السياسي وواقع حركة النهضة، والاقرب هو تواصل التنافر عموما في الائتلاف مع الحركة في ظل الخارطة السياسية القائمة هذا فضلا عن عدم جدوى وفعالية الحكومات وفي ظل برامج رائدة تفتقدها جل الاحزاب ولم نتحدث عن التناقضات المرجعية (في المنظومات الاقتصادية) والتدخل الدولي عبر الصناديق والبنوك الدولية وعبر الدول الذي يجعل التاثير في الادنى.
وفي ظل النظام القانوني الحالي وحالة فقدان الثقة في الاحزاب والعزوف الحاد للمواطنين عن الاهتمام بالشأن العام حركة النهضة في "لائحتها السياسية" لا ترى نفسها في الحكم الا في "شراكة وازنة فاعلة وقاصدة فلا تُهمّش"، وهو امر لا دليل على ضمانه خاصة في ظل "النموذج" الحالي الهش وامكانية ترهل مركزها في قادم الانتخابات بالنظر الى النتائج الهزيلة حاليا للحكومة التي ستتحمل جزءا كبيرا من مسؤوليتاته ولطغيان التوجيه الانتخابي وهيمنة المال السياسي، وفضلا عن ذلك وفي ظل هذا الواقع المعقد متعدد المتغيرات وشديد التقلب وفي بيئة مناوئة الى حد مرتفع في المربع السياسي والنقابي والاكاديمي والاعلامي والحقوقي والثقافي-الفني والاداري والمالي-الاقتصادي والدولي تجازف الحركة -ان تمت المصادقة- باحداث تغيير استراتيجي في مجال نشاطها وفي تمظهرها (تشكلها) العام.
والمجازفة فعلا غير محسوبة النتائج، اذ الثابت ان الحركة لم تقم بدراسة سوسيولوجية سياسية (يستوجب ان تكون عميقة في مكاتب دراسات مختلفة وباليات متنوعة) عبر تحقيقات واستبيانات ميدانية لتحديد اثار هذا التحول الاستراتيجي على حجمها وعلى حصتها في انتخابات محتملة، ولدراسة مدى تقبل صورتها وشكلها وحجم النفور الذي يمكن ان يحصل في الصدد وقياس الحاصل ان كان سلبي او ايجابي، والثابت انه ايضا لا توجد "خطة ب" لتلافي وتعديل الاوضاع في صورة عدم نجاح المسار المنتهج او للرجوع للوضعية الاولى في صورة الفشل او الانهيار.
افتقاد التحليل الاستراتيجي/font size=6
وهو ما يعزز احتمال فرضية ان لا يكون الامر اختيارا بالنسة لمسوقي مسار الفصل وان يكون مفروضا تحت اكراهات بصفة مباشرة او غير مباشرة خارجية وداخلية، والاقرب انها ضغوطات غير مباشرة، اضافة لتقدير خاطىء للتجربة المصرية التي لا يمكن مقارنة واقع النهضة بها لاختلاف الاطار وهيكلة كلا التنظيمين ولاختلاف طبيعة النظامين وخاصة مدى تحكم الجيش في مكونات الدولة، وما يدل على ذلك هو اندفاع النهضة نحو مسار الفصل بما له من رهانات عالية بناء على مجرد تحليلات نظرية عامة وفضفاضة ودون تحليل استراتيجي مستوجب عبر التقنيات المعلومة من تحليل "المنافسة" ونقاط "القوة" و"الضعف" و"الفرص" و"التهديدات" وضبط "الميزة التفاضلية" الحالية، واي اثر على ديمومة الكيان الجديد الذي سيفقد الكثير من خصائصه وميزاته وهو ما سيمنح الفرصة للاحزاب التي على يمينه (حزب التحرير والتنظيمات الجهادية) بالاستئثار بجزء كبير من قواعده وانصاره.
والثابت ان النهضة لم تقم ب"التشريح الاستراتيجي" الضروري لتحليل "الطلب السياسي" وهل ان "المنتوج" الجديد يستجيب بما يكفي للتطلعات والانتظارات المسجلة، والتخصص specialisation وتحديد الشكل reconfiguration بما يعنية من اعاة تمكرز استراتيجي repositionnement stratégique لم ينبن على ميزة تفاضلية avantage comparatif مستقبلية (وجب ان تكون حاسمة ودائمة اي غير قابلة للتقليد) فيها من الجاذبية والاغراء لضمان عم انحلال الحزب في المستقبل خاصة مع فقدانه المنتظر جزء من قاعدته على يمينه واقترابه اكثر للوسط الذي لن يجد فيه سهولة الحركة وهامش المناورة بعد فقدانه الموقع الذي يجد فيه القبول الاوسع، والتخلي عن الهوية الحالية والصورة الحالة سيصعب استرجاعها لو لم يؤد التمشي الحالي لنتائج ايجابية.
ومع ذلك فما لم يقع الحساب له بما يلزم هو كيفية تقبل الخصوم والمنافسين السياسيين وحتى شركاء الحكم وخاصة الراي العام للتمشي الجديد والثابت ان "الماكينة" ستشتغل بقوة للتشكيك في مبدئيته وفي تطبيقه واثارة مسألة الازدواجية في التعامل من جديد، والتسويق اللازم لمثل هكذا اتجاه لا تمتلكه النهضة لا من حيث التخطيط والتصور ولا من حيث الادوات الاعلامية المناوئة لها في اغلبها وهو ما سيحكم على المسار بالتعثر ان لم يكن الاخفاق بما يمثله من خسائر مباشرة واخرى جانبية والاصوات التي اعتبرت الفصل مجرد "مناولة" للديني بدات تنتشر، وحتى لو تم القبول فستثار مسألة طلب الاعتذار عن "الحالة" السابقة التي رددت فيها النهضة بانها حزب "مدني" وستتهم بالكذب كما انطلقت بعض الاقلام في ترويجه، و"لو خرجت من جلدك ما عرفتك"، وفي كل الحالات فان التقبل لن يكون على الارجح ايجابيا، والضغوطات ستتزايد والتمثل perception من الراي سيكون سلبيا خاصة وان التشويش سيكون عاليا، وبذلك لن تربح النهضة من "نسختها" الجديدة بعدما خسرت فقدان صورتها القديمة.
أخلقة السياسة، ال realpolitik وايديولوجيا "الاستهلاك"/font size=6
وحصرالاختصاص في السياسي وضبط شكل مغاير وابدال "الرؤية الفكرية" سينتج عنه تراجع عن الهوية الاولى في صفائها ونقائها الاصلي وسيقود الى عملية سلخ وتشويه ان لم يكن مسخ للكيان الاصيل وستكون الانزالاقات عديدة بكلفة عالية، اولها ما سيعنيه التخصص السياسي من انحلال وذوبان في المنظومة السياسية بسلبياتها الفاقعة وخاصة ترسخ محاكاة واستنساخ النموذج والعقيلية التجمعي المبنية على الزابونية الاجتماعية والسياسية والانتهازية والعروشية القادرة على الاستقطاب في ظل سوسيولوجيا المجتمع التونسي الحالية المتميزة بنقص فادح في الوعي السياسي بعد عشرات السنين من التسطيح الفكري والتجويف السياسي، والانصهار في المنظومة الدولية التي تسعى لارساء نموذج "الاسلام اللايت" واغراقه في البراجماتية المفرطة بكل محاذيرها الاستراتيجية.
والليبرالية الدولية الحقيقة تسعى بكل قواها لاجتثاث الجذور الايديولوجية لكل الحركات النسقية والاحزاب النضالية وتجريدها من خصوصياتها وطمس الهويات العميقة لجعل الايديولوجيا الوحيدة المنتشرة في عصر العولمة والكارتيلات العملاقة هي "الاستهلاك" وتبعاتها المديونية والخضوع للتوجيهات والاملاءات الاقتصادية للقوى والبنوك الدولية المهيمنة، بما تعنيه من تحديد في السيادة الوطنية وحتى التنصل والتخلي عن الثوابت والمبادىء مع تبني مقاربات "الريالبوليتيك" réalpolitik التي تسعى قوى الحكم الدولية لتجذيرها، مثلما فعلت مع حركة "فتح" التي قادتها للدخول في لعبة العقلانية السياسية والمصالح وانهكتها باتفاقيات "اسلو" وجعلتها تتخلى عن "المقاومة" وانتهت بها الى التشرذم والعبثية حتى.
ولا غرابة ان نرى طغيانا جارفا لخيارات ومنطق "التكيف" و"التأقلم" و"الاندماج" و"الاصطفاف" في نطاق "التسويات" و"الصفقات" واتجاها نحو التفريط في الثوابت والمبادىء، قد تصل يوما الى القبول بتركيز قواعد عسكرية اجنبية على ارض الوطن ضمن منطق "المصلحة" و"موازين القوى"، واستعدادا لقبول بالتسويات السياسية مع الكيان الصهيوني في خصوص القضية الفلسطسنية قد تصل للتطبيع معه في مستويات معينة، وقد تجسد الامر في اللوائح التي لا تحوي مطلب "تحرير كل الاراضي المحتلة" وتم الاكتفاء ب"نصرة القضية الفلسطينية" الذي يفترض تبني خيارات التسوية، وهو امر منتظر جدا اذا ما سجلنا التلدد في تبني قانون تجريم التطبيع وتصاعد عديد القيادات "المنمذجة" على اعتبارات الواقعية والفعالية والمصلحية القحة وحسابات الربح والخسارة الدقيقة في مقابل اهمال المبادىء الاتيقية والاخلاقية والتي قد تفضي الى القبول بالتطبيع والمشاركة مع نظام دكتاتوري امتثالا لمنطق ميزان القوى والمصلحة بالرغم من تصاعد اصوات "أخلقة السياسة" في عديد مناطق العالم.
استراتيجيا الشمولية.. التفريط في الجواد الناجح/font size=6
في المقاربات الاستراتيجية الكيانات الجديدة التي تقتحم مجال نشاط معين (في حالتنا الشأن العام) هي التي عادة ما تتجه نحو التخصص حتى صلب المجال السياسي ("احزاب بيئية" واحزاب "اقليات" واحزاب "نسوية"..) لخلق "ميزة تنافسية" تمكنها من احداث "اختراق"، اما الكيانات المتموقعة والتي لها شمولية فتستفيد من خبرتها ورصيدها وعراقتها وصورتها وحجمها وسمعتها واجهزتها لتثبيت وتطوير نتائجها واستثمار اقصى ما يمكن "حرفتها" le metier وشبكة علاقاتها لمزيد كسب حصص جديدة في المشهد واستقطاب انصار جدد، خاصة وانها عمليا تقريبا تمثل "العرض المرجعي" بالمفهوم الاستراتيجي offre de reference، وهو الامر الذي لم يأخذ في الاعتبار في "التوجه" الجديد، بل ان تنافرا وربما تصادما سيحدث بين المكونين المنفصلين، ويبقى اشكال التمويل بعد فصل المكونين محل تجاذب كبير وحتى ارث الحركة ونضاليتها ومنجزاتها من سيتملكه وسيكون هو ايضا محل تنازع.
ولا يمكن الحقيقة استساغة التفريط في ميزات تنافسية عالية القيمة والتخلي عن ابعاد ذات اعتبار والتحول من حركة متعددة المركبات الى حزب مناسبات سياسية وماكنة انتخابية تصبح تنافس بعقلية حزب "الوطني الحر" وتخسر جزءا هاما من زخمها خاصة وان القانون لا يمنع نشوء احزاب استنادا الى خلفية اسلامية من جهة ومن اخرى الاحزاب الايديولوجية وخاصة اليسارية والقومية لا تفصل الا ميكانيكيا تداخلها في المجال المدني في النشاطات النقابية والحقوقية والاكاديمية والطلابية والاعلامية وحتى الثقافية الفنية بل ان هذه المجالات هي اذرعتها الفعالة في تحقيق اهدافها السياسية في الدعاية والتعبئة والظهور والانتشار، ولم تقدر ان المساواة في التنافس تفرض تطبيق نفس الوضعية على الجميع، وفي انتظار الانتقال الى مرحلة نظامية او تحوير القانون من السذاجة السياسية التموقع الارادي في وضع اختلال تنافس، والتحوّل يتم اليوم في النهضة على مرمى حجر من موعد انتخابي مصيري المتعلق بالمحليات.
ليست لدينا فكرة شامة عن الاعداد المادي للمؤتمر الذي سيتواصل على امتداد الجمعة والسبت والاحد بجدول اعمال اساسي اولي يتضمن مناقشة والمصادقة على اللوائح وانتخاب مجلس الشورى ورئاسة الحركة، ولكن الثابت ان الاعداد المضموني لم يكن موفقا، فاللائحة الامنية ومقاومة الارهاب التي الحقت في اللحظات الاخيرة طغى عليها الانشائيات ولم تتخط كثيرا مستوى التشخيص، واللائحة الاقتصادية والاجتماعية صبغها الارتجال ومثلت حلقة الضعف، اما "لائحة سبل تصريف المشروع" فقد طغى عليها التسرع وغاب عنها العمق الاستراتيجي، وزيادة فحساسيتها غطت على بقية اللوائح التي لا تنقصها اهمية وخاصة تقييم التجربة التي ستمر في الثنايا ولن تستخلص عبر مناقشتها الدروس بما يكفي وتحاسب السياسات والمقاربات المختلة حتى لا تظهر من جديد في اشكال اخرى وتساءل القيادات التي لم تقدر المخاطر بما يستوجب.
وتبقى استفهامات عميقة تلاحق هذا التوجه "المقامر" نحو الفصل، خاصة وان الحركة في اسوأ حالاتها وبخطاب غير محترف بالقدر المطلوب وبقيادات تنقصها الكفاءة السياسية وببرامج متواضعة وبعد فترة الترويكا بين 2012 و2013 بكل زلازلها حصدت قرابة 30% من نواب البرلمان، ولا ندري لماذا يتم ابدال جواد رابح لا ينقصه الا فارس ماهر يحسن القيادة والرعاية ويؤمّن له ظروف النجاح، ولا ندري الحقيقة هل ان يومان ستكون كافية لحسم سبع لوائح بقضايا شديدة الحساسية والتعقيد في مؤتمر ستفرض فيه اجندا الكبار الذين سيحتد تنافسهم على النفوذ في اعلى هيكل من خلال "اللائحة الهيكلية"، وستطغى فيه الرهانات الانتخابية والصفقات (التي قد تقود الى نشوز وتشنجات حادة عنيفة) على حساب المضموني الذي يفوق حجمه مائة صفحة، في المؤتمر الذي سيكون الجانب الاحتفالي المشهدي ضاربا مع تدشينه ب"حضرة رجال تونس" احد ابرز انتاجات الماكينة الثقافية لنظام المخلوع لتزييف الوعي والتصحير القيمي والسياسي!!
(*) باحث قانوني واقتصادي
Publié le: 2016-05-18 18:57:34


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.