بين روحانيات الانشاد الصوفي وما ترسب في الذاكرة من نفائس الجمل الشعرية حين طوعتها الموسيقى الحانا تصدح بعذوبة الكلمة، كان المشهد في افتتاح مهرجان بوقرنين الدولي اشبه بترنيمة لا تنقطع عن سلم موسيقاها تهتز طورا وتخفت أحيانا فيتداعى لها صدى ترديدات المستمعين. عرض "زبرجد" لعبد الكريم الباسطي، توليفة موسيقية، عادت بالذاكرة الى زمن يغيب فيه النشاز الى زمن تستشعر فيه ان الكلمة، وهي تخرج بين أحضان الموسيقى، اشبه بمرهم يداوي جروحا اثخنتها برداءة الواقع الذي صار ملوثا بانماط موسيقية اشبه بالضجيج. رسم المطرب نور الدين الباجي باختياراته الفنية في العرض وجهته منذ البداية، سافر بالكلمة واللحن الى سحر الكلمة وهي تعانق عذوبة الجملة الموسيقية روحانيات المقاطع الصوفية اضفت على العرض مسحة من القدسية التي تأخذ من القديم مضمونه، ولكنها تعيد إخراجه بسينوغرافيا الحديث. منير المهدي بدوره ارتجل ينشد في بحور لم تألفها الاعمال الموسيقية فتحولت الجمل الموسيقية لديه الى سفر في الموروث الذي تبرز فيه قدرة المنشد حين يواجه سطوة الكلمة، صوت المهدي ملأ المكان فتداعى له الجميع بالتصفيق، خاصة حين نجح في المزاوجة بين روحانيات الانشاد الصوفي ونفائس الطرب الاصيل. محاورات "زبرجد" الموسيقية التي اثثت حفل الافتتاح، برز فيها صوت لم يعرفه الجمهور، حرك في السامعين نشوة ذهبت مع روائع الطرب الجميل، هو صوت الفنانة مها عبد اللطيف، التي فاجئت الجميع بقدراتها الكبيرة في أداء أدوار موسيقية ومقامات لا يرتادها الا ذوو الإمكانيات الصوتية العالية. مدير الدورة الجديدة للمهرجان الطاهر المخ قال في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء ان "البرمجة حاولت ان تلبي كل التوجهات والاذواق رغم قلة الإمكانيات وضيق الحيز الزمني لذي أعقب تشكيل الهيئة".