مؤسسة "فداء" تستعد لتسليم مساكن اجتماعية وتدعو المعنيين إلى الاتصال بها أو بولاية تونس    حجز أكثر من 650 كلغ من لحوم الدواجن في منوبة..وهذه التفاصيل..    فاجعة في مدينة فاس المغربية: انهيار مبنى سكني يخلّف قتلى وجرحى    قبلي: التلميذ الياس معالي يفوز بالمرتبة الثانية في البطولة العالمية للحساب الذهني بتايوان    هام/ موعد أول رحلة للحجيج الى البقاع المقدسة..وهذه آخر الاستعدادات..    تراوحت بين العامين و 6 سنوات: أحكام سجنيّة ضد مسؤولين ب ''الكنام''    بيع تذاكر الكلاسيكو بشابيك ملعب المنزه    ثلاثة لاعبين مغاربة في نهائيات المسابقات الأوروبية هذا الموسم    القصف المتبادل بين الهند وباكستان على طول الحدود بينهما    bacweb.tn: موقع لا غنى عنه لكل تلميذ يستعد للباك!    النوم 4 ساعات فقط قد يجعلك أكبر ب4 سنوات!    عاجل/ حماس تعلن الاشتباك مع جنود اسرائليين..واسرائيل تكشف عن مقتل جنديين..    قليبية: وفاة كهل نتيجة إصابته بصعقة كهربائية    عاجل/ خلال اشرافه على مجلس وزاري: رئيس الدولة يسدي تعليماته بالحسم نهائيا في هذه الملفات..    العاصمة: خضروات، فواكه، لحوم وأجبان... تصلك مباشرة من المنتج!    مانشستر يونايتد وتوتنهام إلى نهائي الدوري الأوروبي لكرة القدم    بطولة مصر : فخر الدن بن يوسف هداف لكن فريقه المصري البورسعيدي يتعثر امام الاهلي برباعية    تشيلسي يتأهل لنهائي دوري المؤتمر الأوروبي على حساب ديورغاردن    سيدي بوزيد: اعتصام عدد من أعضاء الفرع الجامعي للتعليم الأساسي    صدمة عمرها 44 سنة: إعلامية تكتشف أن عائلتها حيّة بعد أن قيل لها إنها ميتة!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    القلعة الكبرى: وفاة طفل غرقا في 'جابية'    محرز الغنوشي: تواصل نزول الغيث النافع اليوم    جريمة مروعة: ينهي حياة زوجته بآلة حادة ويتسبب في اصابة والدته..!    أسرة أم كلثوم تهدد باللجوء إلى القضاء بسبب فيديوهات الذكاء الاصطناعي    مفزع/ الاحتلال الصهيوني ارتكب 12 ألف مجزرة وأباد 2200 عائلة منذ بدء العدوان على غزة..    نصائح فطور صحي ''للتوانسة'' الذين يعانون من الكوليسترول    هطول كميات متفاوتة من الأمطار خلال ال24 ساعة الماضية خاصة بالشمال    الطلاق أمام عدل إشهاد يثير الجدل: النائب يوسف التومي يوضّح خلفيات المبادرة التشريعية    بيل غيتس يخطط للتبرع بكل ثروته    ن هو روبرت بريفوست؟ تعرّف على ليو الرابع عشر.. أول بابا أمريكي    بخصوص إتخاذ اجراءات قضائية.. النادي الصفاقسي يصدر بلاغا    النيجر تصعد ضد الشركات الأجنبية بمصادرة المعدات وإغلاق المكاتب    اختتام المهرجان الدولي للمسرح: أسدل الستار، مؤخرا، على فعاليات الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للصحراء بقرية فطناسة من ولاية قبلي. دورة أوفت بوعودها وفاق الحضور الجماهيري فيها 08 آلاف متفرج.    شارع القناص .. فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي.. فاحت رائحتها.. «كعكة» المهرجانات طابت وهابت.. فكيف نقسمها ؟!    بومرداس ..رفض أصحابها تلقيحها.. نفوق 8 أبقار بمرض الجلد العقدي    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تحذير من الاستعمال العشوائي للمكملات الغذائية    هذا ما جاء في أول كلمة لبابا الفاتيكان الجديد..    الدورة السابعة من مهرجان ألتيسيرا الدولي للمونودرام من 11 إلى 14 ماي 2025    جراحة السمنة تُنهي حياة مؤثّرة شهيرة    خيمة الفلاحة تعود إلى شارع الحبيب بورقيبة: الجودة والأسعار في متناول الجميع    الكاف: الكريديف ينظم تظاهرة فكرية ثقافية    نابل: انطلاق الدورة التاسعة من مهرجان الخرافة بدار الثقافة حسن الزقلي بقربة تحت شعار التراث والفن    اتحاد الفلاحة: نفوق عدد من رؤوس الماشية بالكاف بسبب الأمطار والبرد.. ومطالب بالتعويض    وزارة التجارة: استقرار شبه تام لأغلب المواد الإستهلاكية مطلع 2025    المديرة العامة للمرحلة الابتدائية: وزارة التربية على أتمّ الاستعداد للامتحانات الوطنية    سوق الجملة ببئر القصعة: ارتفاع أسعار الغلال خلال أفريل 2025    أنس جابر إلى الدور الثالث من بطولة روما دون خوض المباراة    نصائح طبية للتعامل مع ''قرصة الناموس'' وطرق للوقاية منها    زغوان: افتتاح معرض التسوق على هامش الدورة 39 لمهرجان النسري    الاتفاق على تكوين ثلاثة فرق عمل باشراف وزارات الداخلية والتجارة والفلاحة للنهوض بمنظومة اللحوم الحمراء    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    طقس الخميس: تواصل نزول الأمطار الغزيرة    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاخلالات الدستورية في تكليف الشاهد
نشر في باب نات يوم 07 - 08 - 2016


بقلم: شكري بن عيسى (*)
لا يمكن الحقيقة المرور دون وقفة عميقة على تصريح العميد الفقيه الدستوري الصادق بلعيد التي تحدث فيها اليوم لاحدى الاسبوعيات عن استغرابه "لعدم تفطن اي طرف الى حد الان للطعن في تكليف الشاهد تشكيل الحكومة أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين"، وهو تصريح مزلزل الحقيقة نظرا لعلاقة الشخص الخاصة بالرئيس باجي قايد السبسي، وبالنظر الى قيمة الرجل العلمية.
الصادق بلعيد لطالما استدعاه السبسي للقصر واستشاره ودعّم به خياراته ذاكرا اسمه خاصة في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، وبالتالي فهو شخصية معتبرة في القصر ولها قيمتها، ولكن اليوم الظاهر ان العميد بلعيد قرر ان لا يصمت ويرفع صوته عاليا في وجه صديقه الرئيس، ويبدو انه حكّم ضميره العلمي واراد ان يثور لمركزه العلمي في مرة اولى باعتبار مشروع قانون المصالحة امام لجنة التشريع العام تمت صياغته من قبل "بوجادي"، وفي واقعة الحال بمناسبة تكليف الشاهد بتكوين حكومة خلفا للصيد، والاغلب انه تمت استشارته في الصدد وتم الخروج عما قدمه من القصر ولذلك خرج صوته عاليا مدويا هذه المرة وبسرعة.
لن ندخل في كيفيات الطعن وتقنياتها القانونية وامكانياتها والقراءات المرتبطة بها، ولكننا سنتوقف على دلالات وابعاد الاخلالات الدستورية المسجلة في تكليف الشاهد، من ناحية المقتضيات التي تم خرقها ومن ناحية اثارها السياسية، والحقيقة ان الامر لم يعد غريبا على السبسي الذي تخصص في خرق الدستور في عديد المرات ابتداء من تكليف الحكومة الاولى وتجاوز الاجل المحدد واعلان الطوارىء ومشروع قانون المصالحة والتدخل في عمل مجلس النواب بعد الرسالة التي ارسلها لمحمد الناصر وغيرها من الخروقات الجلية المباشرة او الملتوية.
ولئن نص الفصل 98 للدستور عند عدم تجديد البرلمان الثقة في الحكومة على تكليف رئيس الجمهورية "الشخصية الاقدر" لتكوين حكومة طبق الفصل 89، فان لا شيء قدمه السبسي لاثبات ان الشاهد هو "الشخصية الاقدر"، فالشخصية "الاقدر" تتطلب جملة من المواصفات منها "الكفاءة" التي تفترض التكوين الضروري والخبرة الكافية ولكن ايضا النزاهة والمصداقية والمقبولية الواسعة لدى القاعدة السياسية الفائزة في الانتخابات وحتى غير الفائزة، وهو ما لم يتوفر في قرار السبسي.
توفر شروط تتجاوز "الكفاءة" الى "المقبولية" الواسعة بما فيها من عناصر المصداقية والاستقامة ولكن ايضا التفاهم حول جملة من الاعتبارات لمنح "التزكية" القبلية، منها تقديم الشخص الذي يقع ترشيحه لالتزامات سياسية في البرنامج او هيكلة الحكومة او تركيبتها للاطراف التي تدعم ترشيحه من اجل التكليف بتكوين الحكومة، وهو ما نص عليه الفصل 89.
الفصل 89 للدستور نص على حالتين رئيسيتين: الاولى مباشرة بعد الانتخابات، والثانية التي فيها حالات فرعية يمكن ان تكون بعد الانتخابات عند الفشل في تكوين حكومة او عند حالة عدم تجديد الثقة في الحكومة لمواصلة عملها، وهي الحالة التي بين ايدينا اليوم (هناك حالات اخرى لا تعنينا الان)، واذ يفرض هذا الفصل في الحالة الاولى تكليف "مرشح الحزب او الائتلاف الانتخابي الحائز على اكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس نواب الشعب" فانه يفرض في الحالة الثانية، اي التي بين ايدينا اليوم، تكليف "الشخصية الاقدر"، ولكن الامر يتم وفق نفس الفصل بعد اجراء "مشاورات مع الاحزاب والائتلافات والكتل النيابية".
المقتضيات الدستورية واضحة في ضرورة اجراء المشاورات التي يجب ان لا تقتصر على "الاحزاب" فقط بل تتجاوزها الى "الائتلافات" و"الكتل النيابية" هذا من ناحية، ومن اخرى يجب ان لا تقتصر على الاطراف السياسية التي كانت تحكم فقط بل تتخطاها الى المعارضة، والفصل واضح وعبارات النص وردت عامة ووجب أخذها في عموميتها، وهو ما لم يقم به رئيس الجمهورية في خرق جليّ لمقتضيات دستورية صريحة، ووثيقة التكليف الصادرة عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 3 اوت 2016 اشارت في الفقرة الاخيرة الى "اجراء المشارورات" دون القيام بذلك وفق سير الامور التي تابعها الجميع.
وزيادة على الاعتراضات الكبرى في خصوص طريقة التعيين "المحسوبية" وحول "الكفاءة" تنضاف اليوم قضية اخرى متعلقة بعدم اجراء "مشاورات" لكل مكونات البرلمان من "احزاب" و"ائتلافات" و"كتل نيابية" يفرضها الدستور، وهو ما يجعل التمشي مختلا في جوهره وشكله، والحقيقة ان فلسفة الدستور واضحة في الصدد اذ المشاورات المستوجبة تجعل حظوظ نجاح الشخصية التي تحظى بقدر اوسع من القبول اعلى، وتجعل مسار تكوين الحكومة في طريق النجاح.
السبسي لم يستشر حتى الاطراف المشاركة في حوار قرطاج، وقدم الاسم منذ البداية، ووضعهم امام الامر المقضي بالمجيء بشخصية محل "اجماع" في اقل من 48 ساعة او القبول بمرشحه، بالرغم ان الدستور يسمح بعشرة ايام كاملة لتكليف شخصية لتكوين حكومة، وهو خرق فاضح للدستور الذي يجعل الشخصية التي يقع تكليفها هي التي لا يمكن تحديدها الا بعد استشارات وفق شروط مضبوطة، ولم يسمح بحال تحديد الشخصية قبل المشاورات، والمشاورات نقطة انطلاقها هي حدث عدم تجديد البرلمان الثقة في الحكومة لمواصلة نشاطها (تاريخ اعلام رئيس مجلس النواب لرئاسة الجمهورية بالامر).
ونتيجة هذا التمشي المختل في جوهره وشكله سجلنا انسحاب ثلاثة احزاب مشاركة في حوار قرطاج من المشاورات، حركة الشعب والجمهوري والمسار، وتهديد حزب المبادرة بعد اعلان رئيسها على "موزاييك" بانه قد لا يشارك بعد تصريحه "ليست مقتنعا بان عودتي للعمل الحكومي فيها فائدة لبلادي"، وتلويح النهضة بعدم المشاركة في الحكومة بعد تصريح رئيس مجلس الشورى اثر انعقاد المجلس بان امر "مشاركة النهضة سابق لاوانه" وانه مرتبط ب"نتائج المشاورات حول تركيبتها"، وشكل المشاركة: "نوعية المشاركة والمشاركين" وفق رئيس الحركة الغنوشي.
اتحاد الشغل احس بخذلان كبير واثر الصمت العميق، واشار على لسان امينه العام بان الاتحاد "لن يمنح شيك على بياض"، بعد تزويق مشهد الحوار بوجوده واخراجه من عملية تحديد الشخصية التي تم فرضها لتكوين الحكومة، اما بقية الاحزاب بما فيها الحاكمة (ولو انها قبلت "مبدئيا".. مع تحفظات) والمعارضة والكتلة الديمقراطية فلم يقع منحها حقها الدستوري في الاستشارة، وتجاهلها السبسي بطريقة فضة ولا تنم عن احترام سياسي، ولا تنم عن خبرة سياسية اذ شروط الكياسة السياسية تفرض استشارة المنافس السياسي واعلامه حتى مع معرفة معارضته للامر، فما بالك والامر حق دستوري جليّ ممن يستوجب ان يكون ساهرا على "احترام الدستور" وفق الفصل 72 منه.
الحقيقة اننا اذ نستغرب عدم تطرق القناة الوطنية لتصريح بلعيد الخطير وتحليل مضامينه وابعاده، فاننا نستغرب صمت الاتحاد خاصة عن هذا الامر الذي تم فيه دوس الدستور، وبصفة معادلة عدم اهتمام احزاب المعارضة بالامر وايضا منظمات المجتمع المدني التي صمتت عن الامر، ويبدو ان تعدد الاشكاليات المرتبطة بقضية تكليف الشاهد اغرق الجميع في الحيرة وجعلهم لا ينتبهون لهذه المسألة الدستورية عالية الاهمية.
السبسي الذي اتهمه الصيد بصفة مباشرة بان "مبادرته" لا تهدف لتحقيق حكومة وطنية بقدر ما تستهدفه هو راسا، وبالتالي فهي خرق للدستور، انطلق بالتنكر لتصريحاته في حوار 2 جوان الذي شدد فيه على "ضرورة التحاور حول الشخصية التي يجب ان تقود حكومة الوحدة الوطنية" وان يكون حول من سيقود الحكومة "توافق"، وضرب روح الحوار الذي اتضح انه كان شكليا في مرحلته الاولى لحيازة نوع من الشرعية، وخرق في النهاية الدستور، ولا ندري الحقيقة وهو الذي دعا في ذات الحوار الى "علوية القانون" و"هيبة الدولة" كيف سيقع فرضهم والتمشي في اساسه انبنى على خروقات جلية للمعيار القانوني الاعلى للدولة هذا فضلا عن الشبهات المتعددة التي اقترنت به.
(*) قانوني وناشط حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.