أبو مازن الحمد لله أن انهمر المطر من السماء، غدقا يسقي الأرض وما حوت من الأحياء. انها دعوات صادقات جلبت الماء، فامتلأت السدود و سالت الوديان وعمّ الهناء. كدنا نؤمن بسنوات عجاف ونصدق الرؤيا، لولا أنّ كهنة العلمنة قد نالتهم القهقرى. انها نخبة التزمت الصمت هذه المرة دون عناد وعناء. ربما قد أيقنوا بما اقترفت ألسنتهم فيما مضى، فانتبهوا هذه السنة ولم يكررّوا الهراء. قال تعالى " وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " لعل فضل الله أدركنا لمّا صدقت الدعوات فهبّت عوامل الجوّ لتجود بما فات، واحتدمت جبهة باردة وأخرى حارّة فتتالت القطرات، وانتشى البشر و الحيوان و سائر الغراسات. لعل ملهم السحاب والبرق قد ساقه لأياد مرتفعات، و ألسنة استجدت ربّها بيقين وثبات، وفقا لقوانين الكون فلبّى على عجل طلب المخلوقات، ألا له الحكم و هو الخالق المهيمن ذو البركات. قال تعالى " وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ". لا يعترض علم و ايمان لو تعلم النخب، فلا الخالق عاجز ولا الخلق عبثٌ أو لعب، يصيبنا الخير والشر كذلك قد كُتب، بما كسبت أيدينا و ما صدقت أفئدتنا فأين العجب. ينالنا خير رغم جحودنا و ما فينا من نفاق و كذب، وينالنا تارة قحط رغم اخلاصنا فنصبر على ما كَتب. ففي كل تقرّب وعبادة و ايمان لمن رغب، ويعفو عمّن يريد و ويغفر لمن أحبّ. لعل في الايمان سعادة لا يعبّر عنها شعر و نثر و أدب، فتعلم أنّ أمرك موكول اليك ولكنّه سابق في علم الربّ. ألا يعلم من خلق و قد أسند الأنبياء بالكتب. قال الله تعالى " أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ " وقال أيضا " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُون". لو علمت نخبة الغبن علوم المنطق و الكلام، و علوم الفيزياء و الفلك و ما حوى من أجرام. لو علمت كيف يجري السحاب نحو الارتطام، و قدّرت الودق الذي يصيب السحاب كالسهام، فيأذن بنزول الماء أو البرَد بانتظام. كل يسير بأمر الله فأين الخلل و أين التخلف و أين الظلام. أهل الثقافة العرجاء نخبة ينقصها العلم والوعي والاحترام. اذ تجهل كنه نزول الأمطار و سير السحاب و الغمام. ولا تعي دينا ترعرعت في بيته لأعوام. و لا تحترم شعبا وان أخطئوا، فتصفه بالجهل و الغباء المستدام. قال تعالى" وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" و قال أيضا " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ".