نشعر، مثل عشرات الملايين من ابناء هذه الأمة، بالاحباط والألم، لسقوط بغداد بهذه الطريقة المخجلة والمهينة، ودون المقاومة التي توقعناها، أو بالأحري تمنيناها. ولكننا ما زلنا نعتقد بان المرحلة المقبلة ربما تكون أخطر من سابقاتها، فاذا كان العراقيون اختلفوا وانقسموا حول شخصية رئيسهم واسلوبه الخشن في ادارة شؤون معظمهم، فاننا علي قناعة بان الغالبية الساحقة منهم لا يمكن ان تقبل بالوجود العسكري الامريكي علي ترابهم الوطني. فالذين رقصوا في الشوارع احتفالا بمقدم القوات الامريكية، وتدمير تماثيل الرئيس صدام حسين، لا يمكن ان يمثلوا اغلبية الشعب العراقي، ولا حتي اغلبية اهالي بغداد، مع تأكيد معارضتنا لتأليه الحكام واقامة التماثيل لهم في كل الميادين. وقفنا في هذه الصحيفة، مع امتنا العربية والاسلامية، تمترسنا في خندقها الوطني، في مواجهة كل محاولات الهيمنة الامريكية والصهيونية، وسقوط بغداد لن يثنينا، ولن يغير من قناعاتنا ومواقفنا، وسنظل قابضين علي الجمر، متمسكين بطموحاتنا، حتي لو كانت خيالية، باستعادة هذه الأمة، وهذه العقيدة، مكانتهما الحقيقية بين الامم، متحررتين من الديكتاتوريات والفساد، والهيمنة الخارجية. سنحترم خيار الشعب العراقي، طالما كان خياراً ديمقراطياً، يرتكز علي ارضية وطنية، ولكننا قطعاً، لن نحترم حكومة تفرضها الدبابات الامريكية، وتهبط من السماء مع صواريخ كروز وقنابل القاذفات من طراز بي 52 . ندرك جيداً اننا نغرد خارج السرب الامريكي، واننا نبدو غير واقعيين ، او عاطفيين في نظر بعض المتأمركين العرب، ولكننا ندرك ايضاً، اننا الاقرب الي قلوب وعقول مئات الملايين من ابناء امتنا العربية والاسلامية، لاننا ندافع عن اوطان، لا عن افراد.. ندافع عن عقيدة خالدة بقيمها وتراثها الانساني العظيم في الصمود والمقاومة والانتصار للضعفاء في مواجهة الاستكبار والظلم. الحرب علي العراق لم تكن متكافئة، ولم نتوقع يوماً ان تهزم العين العراقية المخرز الامريكي، واذا كان النظام العراقي قد هُزم فان العرب، حكاماً ومحكومين، هم الذين هزموه عندما تخلوا عنه، وتركوه يواجه القوة الاعظم في التاريخ، وحده، دون سند او معين، ونحن علي يقين بان الشعب العراقي لم يهزم ولن يهزم. الادارة الامريكية، ومنذ سنوات، وهي تخطط للعدوان، وتبحث عن الحجج والذرائع لتغطية نواياها في هذا الخصوص، والقادة العرب غافلون، او مُغفلون، يرددون مثل الببغاوات ما تمليه واشنطن عليهم من احاديث حول احترام الشرعية الدولية وقراراتها، لان العراق وشعبه وامكانياته شكل العقبة الاكبر في طريق الطموحات الاستعمارية الامريكية والاسرائيلية. هانز بليكس رئيس فرق التفتيش تحدث امس لصحيفة الباييس الاسبانية، وقال بالحرف الواحد ان مسألة اسلحة الدمار الشامل كانت ثانوية، وتحتل المرتبة الرابعة بالنسبة الي الادارة الامريكية، التي عقدت العزم مسبقاً علي شن الحرب علي العراق . ارسال فرق التفتيش الدولية الي العراق، ومطالبته بقرار من مجلس الامن بالاعلان عن ما لديه من اسلحة بدقة متناهية، كانتا التمهيد لهذه الحرب، فقد استفادت الادارة الامريكية ومخططو الحرب فيها من هذه المعلومات، وعندما تأكدوا من خلوه من اسلحة الدمار الشامل قرروا شن العدوان، ودون اي اعتبار للامم المتحدة وميثاقها، والشرعية الدولية التي تمثلها. لن نذرف دمعة واحدة علي سقوط الانظمة الديكتاتورية العربية الفاسدة، اذا ما اسقطتها الولاياتالمتحدة وقواتها، بالطريقة التي اسقطت فيها النظام العراقي، فهذه الانظمة اوصلتنا الي حال الهوان والاذلال التي نعيشها حالياً، عندما تواطأت مع العدوان الامريكي بصمتها وتخاذلها ومشاركتها، او عندما حرمتنا من ابسط حقوقنا في الديمقراطية والتنمية والقضاء المستقل والتعددية السياسية. شهر العسل الامريكي في العراق ربما يكون اقصر ما تتوقعه الادارة الحالية، ولا نبالغ اذا قلنا ان الضباع التي كشرت عن انيابها الصفراء للاستيلاء علي السلطة، وتغريب العراق، وادخاله والمنطقة في العصر الاسرائيلي، لن تعمر طويلاً في الحكم او حتي في البلاد، لان تاريخ الشعب العراقي حافل بالامثلة علي مقاومة الغزاة، ولفظ المتدثرين بعباءاتهم. نكرر اليوم، ما قلناه في افتتاحية سابقة، ونقول بألم سامحنا يا عراق ونحن ندرك ان العراق لن يسامحنا، والتاريخ لن يغفر لنا، فقد خذلنا ملوك الطوائف وخذلوا عراقنا، ولن يكون مصيرهم افضل من مصير النظام العراقي او امثالهم في الاندلس. فقد فضلوا رعي خنازير الفونسو الامريكي املاً في النجاة، ولكنهم لن ينجوا، او هكذا نأمل ونصلي. وقفنا مع العراق في مواجهة العدوان الثلاثيني عام 1991، ولم نندم، ونقف معه وهو يواجه عدوانا اكبر، ولن نندم، اياً كانت النتائج، فالحياة وقفة عز اولاً واخيراً. فقرارنا ان نستمر في رعي ابل اشقائنا وابناء عمومتنا .