يرى الدكتور مروان المعشر ان اهم ما تمخضت عنه قمتا شرم الشيخ والعقبة هو ذلك التقارب الشخصي، او الجاذبية، بين الرئيس جورج بوش وأبو مازن، فالأول قرر انه يستطيع العمل مع الثاني، وأن هذا يريد السلام للفلسطينيين والإسرائيليين. كنت أحدث وزير خارجية الأردن في عمان عن نتائج المحادثات مع الرئيس الأميركي، وهو قال ان كل شيء يبدأ وينتهي ب"الإرهاب"، فالرئيس بوش جعل ذلك خطوة اولى لا بد منها إذا كان سيستمر في الضغط على الإسرائيليين لتنفيذ "خريطة الطريق"، حتى تقوم دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل سنة 2005 الإرهاب هو ما تمارس اسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما حدث في نيويورك وواشنطن وبالي والرياض والدار البيضاء، إلا ان هذا رأيي الشخصي، وهو ليس رأي الأميركيين او الإسرائيليين، فقد اشترط آرييل شارون وقف جميع اعمال العنف، وقال انه لن يتنازل اطلاقاً في موضوع الأمن الإسرائيلي، ووافقه الرئيس الأميركي الرأي. ابو مازن ضد عسكرة الانتفاضة قبل ان يصبح رئيس وزراء، وهذا رأي معروف عنه ومسجل، وهو في قمة العقبة اوضح انه ضد العنف، او المقاومة، في كل مكان، ما يعني الأراضي المحتلة وأراضي 1948 ما اغضب حماس، وحتى فتح نفسها وبعض وزرائه، إلا انه ارضى الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وكان ابو مازن يشرح في السابق قناعته هذه بالقول ان اسرائيل اقوى عسكرياً، ولا يجوز للفلسطينيين ان يحاربوها بأقوى سلاح عندها، إلا انهم اقوى بحقهم في ارضهم، ويجب ان يفاوضوا على هذا الحق لأنهم الأقوى في المفاوضات. الدكتور المعشر قال ان الجانب العربي رأى في شرم الشيخ والعقبة جانباً جديداً لبوش لم يره من قبل، فالرجل تحدث في الجلسات العلنية والمغلقة عن دولة فلسطينية متواصلة (مع انه اختار خطأ بالإنكليزية كلمة تعني مستمرة) وقادرة على الحياة. وشعر الجانب العربي بأن جورج بوش بات مقتنعاً بأن العرب يريدون السلام، ولم يعد يصدق المزاعم الإسرائيلية، وهو كان قاسياً في الحديث الى الإسرائيليين، بحضور الفلسطينيين، كما لم يفعل في السابق، ولعل العنصر المرجح هنا هو تقاربه الشخصي مع رئيس الوزراء الفلسطيني، والتباعد مع رئيس وزراء اسرائيل الذي وصفه يوماً بأنه "رجل سلام". الدكتور المعشر يشعر بأن هناك فرصة حتى نهاية السنة لبدء تنفيذ خطة السلام، قبل ان تدخل الولاياتالمتحدة في دوامة انتخابات الرئاسة. وشارون "انجرّ" الى القمة في العقبة كما "انجرّ" اسحق شامير الى مؤتمر مدريد قبله، وبدا غير مرتاح، فهو لولا الضغط الأميركي ما كان قبل "خريطة الطريق" ولا يزال يقدم تعديلات عليها، مع انه يفترض ان هذه الخريطة هي للتنفيذ لا للتفاوض. في مثل هذا الوضع، فأفضل امل لشارون هو ان يخرب الفلسطينيون العملية كلها، ووزير خارجية الأردن يحذّر من توفير الأعذار لرئيس وزراء اسرائيل، ويشجعه على التفاؤل ان الفلسطينيين تصرفوا بحكمة، ولم يهتم ابو مازن بما يقول الإسرائيليون، وإنما تحدث عن التزاماته كرئيس وزراء وكسب جورج بوش فوراً. غير ان العملية كلها مبنية على وقف جميع اعمال العنف في كل مكان كما طلب الأميركيون والإسرائيليون ووافق ابو مازن. وهنا يأتي دور محمد دحلان الذي يفترض ان يكمل خطته الأمنية خلال أسبوعين، ثم يتفاوض مع وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز على التنفيذ. والدكتور المعشر يقول ان الأميركيين فهموا ان القدرات الأمنية للحكومة الفلسطينية محدودة وأن ابو مازن بحاجة الى مساعدة ليستطيع محمد دحلان تنفيذ المهمة. ومع وجود فريق مراقبة اميركي برئاسة جون وولف، فإن وزير خارجية الأردن يقول انه سيوجد حكم غير اسرائيلي يقرر مدى التنفيذ على الأرض، ومن يقوم بالعمل المطلوب ومن لا ينفذ. سألت الدكتور المعشر ان كان يعتقد ان الرئيس بوش مستعد لمواجهة اليهود الأميركيين في إصراره على تنفيذ "خريطة الطريق"، وهو رد بأن هناك معارضة للخريطة ولأي ضغط على اسرائيل، وقد بدأ اللوبي اليهودي (ايباك) حملة مضادة، إلا ان هناك يهوداً اميركيين آخرين اكدوا للرئيس انهم يدعمون جهوده، ويريدون قيام سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هل تنجح "خريطة الطريق" على رغم الصعوبات؟ إذا كان لي ان اتفاءل فقد اتحدث عن جورج بوش جديد، خرج منتصراً من حربين، ويملك التأييد الكافي لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين نحو الحل، بدعم عربي ودولي. وإذا كان لي ان اتشاءم فإنني افسر شرط الأمن لإسرائيل وإهمال امن الفلسطينيين بأنه محاولة لجعل بعض الفلسطينيين يحققون لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه بنفسها، او خوض حرب اهلية في حال عجزهم عن الاتفاق على إنهاء جميع اعمال المقاومة. وأقدر ان التشاؤم غالب مع انسحاب حماس من المفاوضات مع رئيس الوزراء الفلسطيني، إلا انني سألت قيادة حماس عن الموضوع، وسمعت ان الموقف هذا ليس قطعياً او نهائياً، وإنما هو رسالة الى ابو مازن، فحماس مستاءة جداً جداً من خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني في العقبة، وتعتبر انه تنازل عن ثوابت فلسطينية لا حق له بالتنازل عنها، وتحدث عن التزاماته من دون الحديث عن التزامات اسرائيل. مع ذلك المقاومة الإسلامية تقدر الأبعاد السياسية وتتعاطى معها بحذر، وهي ليست عدمية كما يصورها خصومها، وإنما تستطيع اتخاذ القرار الذي تمليه الظروف، لذلك فالموضوع لا يزال مفتوحاً، وإن كان الوقت ضيقاً الى ابعد الحدود. وأبو مازن ربنا يساعده، فهو اذا كسب بوش خسر بعض الفلسطينيين، وإذا أرضى قاعدته خسر بوش.