بقلم: شكري بن عيسى (*) لم أصدق الحقيقة الصورة التي تم نشرها العشية على قناة "الحوار التونسي"، التي جمعت تشكيلة الحكومة على أحد "بلاطوات" القناة، والاستغراب مزدوج: من ناحية الضيف الذي حمل معه تشكيلة كاملة بما يزيد عن 40 وزير وكاتب دولة مع الحراسة والسواق، ومن ناحية مستوجبات العمل الصحفي بتقبل "جمهور" يساند، والحقيقة أن الاستغراب الاكبر هو بعد مشاهدة الحوار بتواجد كل الوزارء ورائه، مصطفين في جزء مع الجمهور من ناحية "الفيراج" وراء رئيس حكومتهم. وضع مشمئز لا اتذكر انه حصل في حوار سابق في احدى وسائل الاعلام، وزراء متراصين في مدارج على ثلاث مستويات، وانفعالات تذكرنا بمقابلات كرة القدم، انقباض وقلق قبل انطلاق الحوار، وتململ عند الاسئلة (ولو انها في اغلبها عامة)، وسرور وسعادة عند ارتفاع نبرة الشاهد وتمرير رسائل الثقة، وضحك وتعبير عن الفرح لوزيرة الطاقة والمناجم عند مدح الشاهد لنفسه بان الفلاحة "اختصاصه"، وسرور وابتهاج خاص من المعني عند تركيز الكاميرا لنقل صورة احد الوزارء او كتاب الدولة. البعض أكد على تمرير رسالة "التضامن" ووحدة الحكومة، ولكن الامر الحقيقة بقدر من كان نشازا، بتنقل قرابة 100 سيارة لاستديوهات "اوتيك"، والصور الاستعراضية المنشورة هنا وهناك، فقد صبّ في مربع الارتباك الحاصل بعد التحوير الوزاري المرتجل، وبعد ردة فعل السلبية من احزاب الحكم بما فيهم النهضة، بتأكيد الجميع على عدم التشاور مع مكونات وثيقة قرطاج، وحتى النهضة فقد ركزت على أمر عدم التشاور معها في الامر، والرسالة كانت واضحة للتنصل من التبعات السلبية من حصول الخلاف من اتحاد الشغل، الذي قد يتطور لتصادم حاد وربما انهيار، لذا وجب استجلاب "الجمهور" من الشاهد للاسناد والتشجيع و"شد الأزر". الهروب للأمام نحو المجهول بتجاهل الازمات، وعزل متشنج للبريكي لابراز قوة جوفاء، وتحويل الازمة الى مشكل "انضباط حكومي"، قابله رد الفعل الحاد من الاتحاد الذي دعى بالفور لانعقاد مكتب تنفيذي، كانت مقرراته رافضة لتعيين رجل اعمال على الوظيفة العمومية، ومستعيضة من الاسلوب الانعزالي المتنصل من "اتفاق قرطاج"، والثابت ان التقدير من ساكن القصبة كان خاطئا ومخلا خاصة بعد غياب السند واضح من شركاء الحكم، والضغط يبدو عاليا اليوم على رئيس حكومة لا يعالج المرض الحقيقي ويكتفي باحداث الضحيح في المشهد الشكلي. "الحوار" الذي دام اقل من ساعة ونصف تخللته عدة فقرات مصورة، كان عاما في اغلبه ولم يغص بما فيه الكفاية في القضايا الحارقة، وخابت اغلب الانتظارات لان سقف البرنامج كان مشترطا على الاغلب، والمحاور كانت محددة سلفا من القصبة اذ التركيز لم يكن على حدث التحوير الوزاري والانسداد الحاصل في التربية وبقية محاور الساعة، وغرق في البرنامج والوعود السابقة والاسلوب الوعظي والارشادي المكرر من الشاهد، وكان في عديد المقاطع اجترارا و"تجميرا" لخطابات ومضامين مهترئة معادة في اكثرها. لم يتم التركيز على ملابسات اقالة البريكي "الانفعالية"، والغوص في الملابسات التي دفعت الوزير النقابي للخروج للعلن والتلويح بالاستقالة، وماهي "الضغوط" التي تحدث عنها الوزير المقال، وهل ان من يعبر عن اختلاف داخل حكومة تقع اقالته بتلك الطريقة، وتم الاكتفاء برفع كلمات "خروج عن الانضباط" لتبرير الاقالة والاشارة ل "هيبة الدولة" و"المسؤولية"، في كلام انشائي عام، ويبدو ان الاتفاق المسبق مع المنشط فرض عدم التركيز على هذه النقطة، لأننا لا نعتقد ان البلومي صاحب منجزات "القاروس" والغوص في كل الثنايا عجز في هذا الحوار عن تفكيك هذه القضية التي بقيت لغزا لحد اللحظة، خاصة وان الوزير المقال هدد بفضح اخلالات ولا نظنه غير جدي في الامر. كما لم يقع التركيز على العطالة القائمة في عديد الوزارات الى حد الانسداد، على راسها التربية التي تعيش مواجهة ضارية بين الوزير والنقابات على قاعد كسر العظم، وايضا الشباب والرياضة مع شبهات سوء تسيير وعجز متزايدة، والصناعة والتجارة بعد العجز عن توفير الخضر باسعار مناسبة للتونسي استمر لاشهر عديدة، والنقل الذي حدثت فيه عديد الحوادث القاتلة في بعض الاشهر، والمالية التي ظهرت وزيرتها فاقدة لقواعد التواصل والتحكم في الملفات، ووزارة العلاقة مع البرلمان وحقوق الانسان بعد تقرير منظمة العفو الدولية وتهديد هيئة مناهضة التعذيب الوطنية بتقديم قضية ضد بن غربية، ودون التركيز ايضا على تأزم العلاقة مع الاتحاد بما يكفي وتبعاتها الخطيرة على البلد، خاصة وان تحميل المكتب التنفيذي لمنظمة الشغالين المنعقد الاحد المسؤولية على الحكومة كانت قوية. واذ تم التركيز الى حد ما على غياب نتائج فعلية للفساد، حيث تم كشف تنصل الشاهد من التزاماته بالقاء الامر على التشريعات والقضاء، والاشارة الى ضرورة وجود "ارادة صلبة"، فان السؤال عن "قائمة للتغيير" الوزاري جاهزة تم حسمه بجواب "لا توجد"، برزت مباشرة على اثره علامات الارتياح على وجه جلول، ولم يتم الغوص في جوانبه بالشكل المستوجب، كما لم يتم التركيز في ذلك "الحوار الودي" بما يكفي على خطورة الذهاب نحو خوصصة عديد المؤسسات العامة، خاصة في ظل التصادم الواضح المنتظر من الاتحاد، بعد تفجر مكونات اتفاق قرطاج، و"الوثيقة" المؤسسة له الذي اعلن سامي الطاهري الاحد بعد انعقاد المكتب التنفيذي بان ما تقوم به الحكومة هو محاولة للاجهاز عليها. الايام القادمة بالفعل ستكون معقّدة لاقصى حد، واذ لا نعلم بالضبط هل سيتم منح الثقة لخليل الغرياني في البرلمان، في ظل التأزم السياسي الحاصل وفي ظل انفراط حبل الثقة مع الاتحاد، فالعلاقة توترت بشكل حاد مع المنظمة العمالية، وحوار الاحد بحضور "الجمهور" الوزاري لم يأت بجديد حول حالة الاستهانة من الشاهد بالتبعات بالرغم من وجد حالة قلق وارتباك عليه، والامور بالفعل تؤكد الاحداث المتسارعة اكثر من اي وقت مضى انها مفتوحة على المجهول!! (*) قانوني وناشط حقوقي