لا نستطيع ان نتكهن برد فعل ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي علي الصفعة المهينة التي وجهتها اليه حركة حماس امس من خلال العملية الاستشهادية التي زلزلت القدسالغربية وادت الي مقتل اكثر من ستة عشر اسرائيليا. فلم يبق في جعبته اي شيء يمكن ان يفعله غير استخدام اسلحة دمار شامل لافناء الشعب الفلسطيني برمته. شارون استنفد كل الوسائل، من قتل وتدمير وحصار ونسف بيوت فوق رؤوس اصحابها، وارسل دباباته لاعادة احتلال الضفة الغربية بكاملها علي أمل ان ينجح فيما فشلت فيه قوات الامن الفلسطينية اي توفير الامن للاسرائيليين وانهاء الانتفاضة وكل اعمال المقاومة، وها هي العمليات الاستشهادية تتضاعف، وتتضاعف معها أزمات اسرائيل الامنية والاقتصادية. حركة حماس توعدت بالانتقام لمحاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي احد قادتها بعمليات مزلزلة وها هي تفي بالوعد، وباسرع مما توقعه شارون وكل من وعدوه بنزع اسلحة المقاومة ووقف الانتفاضة اثناء قمتي العقبة وشرم الشيخ. تطورات الساعات الاخيرة تثبت ان الشعب الفلسطيني قادر علي صناعة المعجزات، والرد برجولة علي محاولات اذلاله، وبيع قضيته، والتنازل عن حقوقه التاريخية في العودة وانتزاع الاستقلال الحقيقي. خريطة الطريق سقطت عندما اعتبرت قمة شرم الشيخ المقاومة الفلسطينية ارهابا ، وتناثرت اشلاؤها في قمة العقبة الثلاثية عندما تعهد السيد محمود عباس ابو مازن بتوفير الامن للاسرائيليين ونزع سلاح فصائل المقاومة، وتحولت الي رماد عندما ارسل شارون طائراته العمودية لاغتيال الدكتور الرنتيسي. فصائل المقاومة اتخذت قرارا من جانب واحد بوقف قتل المدنيين الاسرائيليين، وقدمت الدليل العملي علي هذا القرار عندما نفذت عملية مشتركة لثلاثة فصائل (حماس والجهاد وفتح) اسفرت عن مقتل اربعة جنود اسرائيليين قرب حاجز ايريز شمال قطاع غزة. ولكن غرور شارون، وارتباكه الواضح، دفعاه الي ارتكاب حماقة محاولة اغتيال الدكتور الرنتيسي. فلم ينجح فيها، وفتح علي نفسه عش الدبابير ودفع ثمنا باهظا. الرئيس الامريكي جورج بوش الذي يحتقر العرب، ناشد زعماءهم امس التدخل لوقف العنف وعدم الاكتفاء بادانة حوادث القتل، اي انه يريد من هؤلاء الزعماء الذين لم يستشرهم مطلقا في خريطة الطريق، ولم يقم لهم اي وزن في مخططاته لاحتلال العراق، ان يضغطوا علي الشعب الفلسطيني للكف عن المقاومة والدفاع عن ارضه وشرفه وحقوقه. عمليتا القدسالغربية بالامس، وحاجز ايريز قبلها بيومين، جبتا كل ما قبلهما من اتفاقات وتنازلات فلسطينية، وجعلتا اي حديث عن هدنة او استئناف للحوار بين الفصائل والسلطة فصلا من فصول الماضي، والتاريخ لا يمكن ان يعود الي الوراء. وكان الحري باللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري ان يعود ادراجه وان يتراجع عن مهمته التي ذهب من اجلها الي رام الله وتل ابيب بمجرد اقدام شارون علي محاولة اغتيال الدكتور الرنتيسي. فالوساطة المصرية جاءت بلا اي معني والطائرات العمودية الاسرائيلية من طراز اباتشي تقصف قطاع غزة، وتغتال قادة حركة حماس ومعهم عشرات الابرياء. الوساطات العربية ممنوعة بل و محرمة لانها تصب في خانة العدوان الاسرائيلي وغسل ماضي شارون وحاضره، الحافل بالمجازر والمستوطنات والاستخفاف بكل ما هو عربي. ولا بد من تذكير اللواء سليمان بان شارون اراد اهانة بلاده وتوجيه صفعة اليها بالاصرار علي عقد القمة الثلاثية في العقبة وليس شرم الشيخ، فكيف يقبل علي نفسه الذهاب الي تل ابيب ورام الله وسيطا ويجتمع بقادة الموساد، بعد هذه الاهانة، وبعد محاولة اغتيال الرنتيسي؟ شارون يجب ان يقر بالهزيمة، ويعترف علناً بالفشل، ويبدأ في انهاء سياسات الحصار والقتل والتدمير، ويعمل جديا علي ازالة المستوطنات وحواجز الاذلال التي اقامها علي ابواب المدن والقري، ويسحب جنوده فورا من الاراضي الفلسطينية. مثلما عليه الكف عن القاء تبعات فشله علي الآخرين، مثل تحميل السلطة ورئيسها مسؤولية العمليات الاستشهادية وهي لا تستطيع ان تمنع نعجة، ناهيك عن شبان مؤمنين اختاروا الشهادة وفضلوا دار البقاء علي دار الفناء. الرئيس الامريكي اعتقد، بتحريض اسرائيلي، ان احتلاله للعراق، سيؤدي الي احباط في اوساط الفلسطينيين يدفعهم الي الاستسلام والقبول بفتات الحلول، وها هم رجالات المقاومة يثبتون عمليا له كم هو مخطيء في هذا الاعتقاد. هذا التبسيط الاسرائيلي الساذج للامور، سيؤدي الي انهيار سريع للامبراطورية الامريكية، فالشعب الامريكي هو الذي يدفع ثمن حروب بلاده ضد العرب نيابة عن الاسرائيليين من ابنائه وامنه ورخائه الاقتصادي. المقاومة المسلحة بدأت في العراق، وها هي تتصاعد في فلسطينالمحتلة، بعد اقل من شهرين علي سقوط بغداد. فعن اي انتصار يتحدثون، واين هو العالم الآمن الاقل عنفاً الذي بشرونا به بمجرد احتلال العراق وازالة نظامه.