صفوان الطرابلسي باحث في اختصاص علم الاجتماع استقبلت دار الثقافة البشير خريف بحي الطيران الملاسين يوم الأربعاء 12 أفريل 2017 مجموعة من شباب الملاسين وسيدي حسين وبرج الوزير وذلك ضمن فعاليات يوم تنشيطي تم خلاله تقديم كتاب "خالتي خضراء" للشاعر التونسي محمد الدّقي بالإضافة إلى ورشة كاريكاتير أثثها الرسام التونسي أنيس محرسي. وقد مثل هذا اللقاء المصافحة الثانية لكتاب "خالتي خضراء" مع الجمهور بعد أن كانت حفلة التوقيع الأولى قد تمت خلال فعاليات معرض تونس الدّولي للكتاب. لكن من الواضح أن لهذا اللقاء وقع خاص على نفس الشاعر الذي حرص على أن يكون التقديم الأول للكتاب في حي شعبي وذلك في خروج عن النمطية التي تدفع بالكتّاب في الكثير من الأحيان لإختيار فضاءات نخبوية. وقد عبّر محمد الدّقي عن سعادته بالتحاور مع شباب "لم أكن أتصور أنهم سيتقبّلون خالتي خضراء بهذه الحفاوة، لقد كان التفاعل مع أولاد الحومة ممتعا وقد أسعدني كثيرا أن يجد ما كتبته صدى في قلوبهم وأن تحرّك هذه الشذرات القصيرة رغبتهم في النقاش والنقد." محمد الدّقي، إبن الحفصية، شاعر وكاتب تونسي وأستاذ تعليم عال بجامعة منوبة. بدأ حياته بين أزقة الربط العربي ولم ينسى في يوم ذكرياته. "عشت في حومة شعبية، اكتسبت منها كل عاداتي، السيئة والجيّدة. اكتسبت فيها شغفي بالفن ونزعة النقد الساخر". اليوم يدرّس محمد الدّقي اللغة الإسبانية في الجامعة وقد كتب بها أغلب مؤلفاته، من بينها ثلاث دواوين شعر وقصة ورواية نشر جلها في إسبانيا وقد حصد على مدى مسيرته عدّة جوائز أدبية دولية. لمحمد الدّقي أيضا مساهمات دورية في المجلات الأدبية العلمية والجرائد والمجلات الصحفية الناطقة بالإسبانية. وقد عرف في كتاباته بدفاعه المستميت على قضايا حقوق الإنسان الكونية ونزوعه إلى تعرية الانتهاكات التي يعاني منها المهاجرون واللاجئون وضحايا الحرب والمضطهدون في كل أنحاء العالم. "دائما ما كنت أعتبر نفسي مواطنا كونيا ولهذا أحرص على الكتابة دون التقيد بالحدود الجغرافية." يعود اليوم محمد الدّقي إلى الساحة الأدبية بمؤلف جديد. "خالتي خضراء" كتاب يتألف من واحد وتسعين صفحة أصدرته في طبعة أنيقة دار نقوش عربية. هذا الكتاب يمثل نقلة نوعية للكاتب من حيث اللغة والأسلوب والمضمون. "خالتي خضراء" مزاوجة فنّية طريفة تجمع بين شذرات من الشعر الشعبي الساخر والرسوم الكاريكاتيرية المعبرة. هذه الرّسوم التي حرص رسام الكاريكاتير أنيس المحرسي على جعلها مرآة تعكس المعاني التي ضمّنها المؤلف."في العادة يشعر الكاريكاتوريست بالضيق حين يطلب منه الرسم تحت الطلب، لكن هذه التجربة كانت مختلفة، كان هناك نوع من التوافق الفكري الذي جمعني بمحمد الدّقي، حتّى أن عديد الصور كانت جاهزة من قبل الانطلاق في العمل على الشذرات، فقط تطلّبت تعديلات بسيطة، لقد كنا نتقاسم هاجسا مشتركا وحساسية تجاه ما نعيشه في الراهن الوطني." مثّل كتاب "خالتي خضرة" مفترقا مهما في مسيرة محمد الدّقي. إذْ يعتبر هذا المؤلف مدخله الأول إلى الكتابة باللغة العربية ومن المهم الإشارة لاختياره اللهجة التونسية الدّارجة كلغة للكتابة. هذه اللغة التي هجرتها النخبة وهجرت معها السخرية كأسلوب للنقد والكتابة الأدبية والصحفية. من ناحية أخرى يكشف كتاب "خالتي خضراء" هاجس الكاتب بالأدب الملتزم وتركيزه هذه المرّة على الشأن الوطني الإجتماعي والسياسي متطرقا لما يعانيه المواطن التونسي، الإبن البار لخالتي خضراء، من جور إخوانه المتكرّشين وتوسع دائرة الفساد وغياب البديل السياسي القادر على بناء مشروع وطني حقيقي. "بالنسبة لي، هذه التجربة فريدة من نوعها، نسق الكتابة كان مختلفا، حاولت في كل يوم أن أكتب شذرة عن موضوع يؤرّق التونسيين وأن أنشرها على صفحات الفيسبوك كمساهمة مني في نقد هذا الواقع الذي نعيشه، يجب على الجميع أن يساهم في تغيير هذا الواقع من موقعه وانطلاقا مما يتقنه." هذا الالتزام جلب لصاحبه في عدّة مناسبات العناء والشقاء فقد عاش محمد الدّقي عديد المضايقات في السابق بسبب مواقفه في الجامعة وكتاباته ومازال إلى اليوم يتعرض لحملات التشويه والتضييق وحتى إلى المتابعات القانونية تحت تعلة الإيحاء والثلب وآخرها استدعاؤه للمثول أمام القضاء بتهمة الثلب الذي تتضمّنه مجموعة من الشذرات المنشورة بكتاب "خالتي خضراء". مضايقات تهدف إلى عزله وتحديد مجال حركته ودفعه إلى التوقف عن النقد والكتابة الساخرة باللهجة الدارجة التونسية. "نحن في حاجة إلى الكتابة الملتزمة، الكتابة الملتزمة التي تخاطب الشعب بلغته وتكون قريبة من تمثلات، هذا ما سيساعدنا على تجاوز هذه المرحلة." في النهاية أريد الإشارة إلى أن تونس لم تعرف منذ "جماعة تحت السور" حركة أدبية واسعة تناولت اللهجة الدّارجة وعملت على سبر غورها وإبراز مكامن غناها الأدبي. طبعا في هذا الباب وقبل أن نختم من الواجب أن لا نغفل المساهمات التي يقوم بها الأدباء الشعبيّون أو المحاولات التي قام بها الكاتب توفيق بن بريك ومجموعة الكتاب الشبان الذين رافقوه سواء في كتاب "كلب بن كلب" أو في نشرية ضد السلطة. اليوم ينضاف إلى هذه التجارب مولود جديد يتكلم لغة التونسي، هذه اللغة التي كانت دائما ملتصقة بهموم المواطنين البسيطة وشعورهم العميق بالظلم وطموحهم الجارف لغد أفضل. "قد تكون اللغة الدّرجة عاجزة على التبيان والتحليل، لكنها حين يتعلق الأمر بسرد المحسوس فإن لها سحرا خاصا."