فاجأت مؤسسة «كونتراست للنشر» Contraste Editionsبسوسة وهي المؤسسة الفتيّة في الساحة التونسية بكتاب من فئة تلك المؤلفات التي نهفو لمطالعتها .مسرحية شعرية بامضاء الكاتب علي اللواتي تحمل عنوان «سواح العشق». سواح العشق ليس سوى الأمير أحمد الكامل ابن سلطان غرناطة الذي هام عشقا بالأميرة «آلديقوند» ابنة ملك طليطلة .وكان الأمير الذي يفهم لغة الطير ممنوعا من العشق لأنه يتنبأ له بأنه سيكون سببا في هلاكه لكن اليمامة ترى الأمور بمنظار آخر .لقد قدمت له صورة الأميرة قبل أن يقضي الصياد على اليمامة فينطلق الأمير المفتون سوّاحا في الأرض يبحث عن معشوقته . ما تركته في حكايات من الحمراء فكرة القصة قديمة وفق ما كتبه المؤلف في المقدمة وقد استوحاها من رحلة إلى غرناطة في بداية الثمانينات من القرن الماضي أتيح له فيها الإطلاع على كتاب «حكايات من الحمراء» صادر سنة 1832 للكاتب والديبلوماسي الأمريكي «واشنطن إيرفينغ» نقل فيها من بين ما نقل خرافة يرويها سكان الحمراء حول أمير غرناطي مسلم وأميرة نصرانية من قشتالة .واحتفظ علي اللواتي بالخطوط الكبرى للخرافة مع إضافات حتمها ما أسماه بتحويل الخرافة إلى عمل درامي . ولئن كان امضاء علي اللواتي يكفي لأن يثير الكتاب فضول العارفين بخصال الرجل خاصة منها طاقاته الإبداعية المتعددة وأسلوبه الخاص جدا في الكتابة وتحكمه في أكثر من مجال فني وأدبي فهو الناقد الفني الذي يعتبر مثلا من المراجع الهامة خاصة في ما يتعلق بالفن الإسلامي وهو المهتم بالتاريخ وهو الشاعر والرسام والمترجم وكاتب السيناريو المعروف وقد شغل عددا من المسؤوليات سواء بوزارة الثقافة أو على رأس بعض الهياكل الثقافية على غرار مركز الموسيقى العربية والمتوسطية ثم هو بالخصوص كما يعرفه أصدقاؤه الكثيرون واسع الثقافة حلو الحديث يستحوذ بسرعة على اهتمام المستمع إليه، لئن كان يكفي إذن امضاء علي اللواتي للكتاب حتى نقدر أن مسرحيته الجديدة ستلاقي الحفاوة التي تستحقها مثل هذه الكتابات فإنه لا بد من لفت النظر إلى أن علي اللواتي هو ذلك المبدع الذي من الصعب أن يضع بين يدي الناس أي عمل دون أن يكون قد استنفد جل المحاولات لإخراجه على الصورة التي يريدها أن تكون الأفضل أمام عيون المتلقي . أجواء الأندلس وأسلوب معاصر وهكذا فإن المداخلة التي قدمتها السيدة هالة الوردي أستاذة الحضارة الفرنسية بالجامعة التونسية حول الكاتب خلال لقاء انتظم تكريما للإنتاج الجديد لعلي اللواتي بمكتبة «آر ليبريس» " Art Libris" بضاحية الكرم مساء أول أمس لم تكن سوى صدى لما يعرفه الناس حول علي اللواتي .لكن لا بد للإعتراف للمتدخلة بتلك اللمسات الرقيقة في نصها وتلك الأوصاف الجميلة التي أغدقت بها علي الشخصية المحتفى بها .أعلنت الجامعية عن شغفها بما قرأته سواء تعلق الأمر بالأسلوب أو اللغة المستعملة وتحديدا اللهجة التونسية أو قصة الحب الرائعة التي تسردها المسرحية والموسيقى التي نستمع إليها من الأشعار كذلك قدرة الكاتب على تقديم قصة مستمدة من أواخر عهد المسلمين بالأندلس بأسلوب معاصر يجعل الأحداث وكأنها تقع في أيامنا هذه . منحت المتدخلة الكاتب علامة رضاء تام و لم يكن التقديم مجرد عرض أكاديمي إنما كان عبارة عن نشيد للكاتب والمبدع وكان أكثر من إقرار بقدرات الكاتب وإنما فيه اعتراف وفيه ما يشبه الإمتنان لما بثه من خلال هذا التأليف الجديد من مشاعر الفرحة عند المتدخلة التي لمست عبر ثناياه روح ابن حزم و طوق الحمامة مشاعر المتدخلة يشاطرها على ما يبدو الحضور بالقاعة .لم يكن اللقاء رسميا جدا بل كانت الجلسة شبه عائلية . الكل تقريبا يعرفون الكاتب و كان الحضور مكثفا نسبيا .مهد للقاء صاحب المكتبة النشيطة بضاحية الكرم والمعروفة باهتمامها بتكريم المبدعين من مختلف الأجيال .السيد رؤوف الدخلاوي قدم كلمة قصيرة يغلب عليها أسلوب المزاح استبق فيها بطريقة مازحة ما يمكن أن يثيره علي اللواتي من تساؤل في نفوس من يستغربون منه ونحن في بداية القرن العشرين حيث تغيرت الأسماء والقيم كتابة قصة مستوحاة من العهد القديم. لم يتحدث علي اللواتي مطولا بعد التقديم الذي حظي به .اكتفى بالقول أنه استعمل اللهجة التونسية الدارجة ومنحها شيئا من الإنطلاق حسب وصفه .وذكر في هذا الإتجاه أن الدارجة غاب عنها أناسها اليوم على غرار عبد العزيز العروي وعلي الدوعاجي وهو إذ يستعملها فبعيدا عن ذلك الجدل أو الصراع بين الفصحى والدارجة .ويلخص الأمر في الصورة التالية .إنه يرى العلاقة بين الدارجة والفصحى تماما كالعلاقة بين الأم و ابنتها .ولئن توقف علي اللواتي عند هذه المسألة فلئن الجدل حول استعمال الدارجة بدلا عن الفصحى في الكتابة في بلادنا ليس ببعيد عن ذهنه . وقبل أن يمر إلى قراءة بعض فصول المسرحية شدد علي اللواتي الذي استعمل في حديثه الدارجة التونسية واللغة الفرنسية بعد أن اقتصرت المداخلات السابقة على الفرنسية على أنه يعتقد تمام الإعتقاد أن قصة حب جميلة يمكنها أن تحقق المصالحة بين البشر . استمع الحضور بانتباه إلى الفصول التي قرأها مؤلف المسرحية بنفسه . علي اللواتي و بأسلوبه المعروف في الإلقاء دفع الحضور في مرات عديدة إلى مقاطعته بالتصفيق .طرافة أسلوبه في القراءة ومقدرته على منح الحرف كل ما يستحقه من مكانة جعلت البعض يقهقه ضاحكا منتشيا ومصفقا بحرارة من جديد خاصة وأن بعض الفصول تحتوي على مشاهد هزلية طريفة وساخرة .أخذت الكاتب أجواء اللقاء فانساق يقرأ ويقرأ ورقات وفصولا حتى انتبه إلى الجمهور من بين من لم يقرؤوا الكتاب بعد يترجونه في لطف ومداعبة أن يترك لهم شيئا يكتشفونه بأنفسهم .