بقلم الاستاذ بولبابه سالم تعيش الساحة الاعلامية في تونس هذا الاسبوع على وقع تسريب نبيل القروي و تطويعه لبعض الصحفيين في قناة نسمة من اجل شن حملة تشويه ممنهجة ضد منظمة " انا يقظ " . ودون الدخول في الصراع القضائي بين القناة و هذه المنظمة فان ما قيل في التسجيل لا يبدو غريبا عن المتابعين للشان الاعلامي في تونس ومجمل المنظومة المتحكمة في القطاع . لكن الاخطر هو ، من يقف وراء التسجيل ؟ و كيف استطاع اختراق هذا اللوبي الاعلامي القوي و المؤثر ؟ و ما الهدف من التسريب ؟ لقد بدا نبيل القروي في تسريب اخر و كانه صانع الرؤساء عند حديثه عن الباجي قايد السبسي و ابنه حافظ . قبل سنوات ، تحدث الكثير من الخبراء عن وجود غرفة عمليات تعطي التعليمات لصحفيين من اجل اثارة مواضيع بعينها لالهاء الراي العام ، كما لم تكن بعض القنوات محايدة في التعامل مع الاطراف السياسية المختلفة و تابعنا كيف اعترفت نسمة بخدمة حزب نداء تونس في الانتخابات السابقة وهناك اذاعات كانت اجندتها مفضوحة ، ولا يخفى ايضا ان قناة الزيتونة ايضا كانت تخدم حركة النهضة و حزب المؤتمر من اجل الجمهورية ،، و ساهمت قنوات عديدة عبر بلاتوات تعد بخبث في الهرسلة و تمييع القضايا الحارقة التي تهم التونسيبن مع التركيز على تغذية الاستقطابات الايديولوجية . طبعا ، كلنا نتذكر فبركة الفيديوهات في قناة الحوار التونسي لتشويه المرشح الرئاسي المنصف المرزوقي و التي تورط فيها اعلاميون يصنعون الراي العام ، اضافة الى سياسيين يشغلون مراكز مؤثرة اليوم بفضل تلك الخدمات القذرة . اغلب هذه القنوات كانت تسيرها غرفة عمليات واحدة قبل انتخابات 2014 ، ثم تفرقت بين الشقوق و الاحزاب الوليدة التي اعقبت تشتت حزب نداء تونس الذي ورث الاعلام القديم و كان مساندا له . اما اليوم فاننا نتابع اجندات مختلفة تتبع لوبيات قد تجمعها المصالح احيانا و قد تتصارع احيانا اخرى و تستخدم اجنحتها الاعلامية في هذا الصراع . عندما تتابع اعلاميون يديرون حوارات تستغرب من حماسهم المفرط و توترهم لما تكون الاجابات مختلفة عن مواقفهم او مواقف من يقف وراءهم بل من النادر ان تجدهم هادئين و رصينين يتركون للضيف الاجابة و ابداء رايه دون تشنج كما يحصل في اغلب وسائل الاعلام المهنية و المحترفة، طبعا مع بعض الاستثناءات . بعض وسائل الاعلام غارقة في التوافق في بعض المواضيع وهو ما يشير الى صدور تعليمات محددة لتناول موقف موحد (مثال : الموقف من عمل هيئة الحقيقة والكرامة ، الموقف من الرئيس الحبيب بورقيبة ، عمل الجمعيات ، الموقف من نقابات التعليم بين الامس و اليوم ،،،) و حتى صفحات الفيسبوك لا تخلو من التوظيف حيث تصدر التعليمات الى بعض الشخصيات المؤثرة لاتخاذ نفس الموقف ، و من يرفض ذلك يجد نفسه في طابور العاطلين عن العمل لان هناك منظومة مسيطرة على القطاع و من يتمرد على مواقفها يتم طرده او في احسن الاحوال تجميده . تشابك المصالح و تطور وسائل الاتصال و صراع اللوبيات سيفكك سطوة هؤلاء على القطاع لان مناخ الحرية يربكهم و يفسد حساباتهم و مخططاتهم فتظهر الفضائح تباعا و بالتالي تتطهر المؤسسات الاعلامية تدريجيا . انهم لا يتمعشون الا من مناخ الاستبداد لذلك يعملون صباحا مساء لترذيل الثورة و اصحابها، و للاسف وقع الكثير من انصار الثورة في الفخ لما استعملتهم لوبيات المال و الاعلام لضرب بعضهم البعض الى حين تمكنهم من السيطرة على الوضع فتفاجا هؤلاء بتغييبهم عن المنابر بعد ان كانوا ضيوفا قارين لان دورهم انتهى بعد ان تلاعبوا بهم . من السهل انتقاد الصحفيين و تحميلهم المسؤولية ، لكن هؤلاء يعيشون اوضاعا هشة و لقمة عيشهم مهددة ، و لم تهتم الحكومات المتعاقبة بتنظيم القطاع حتى بدا و كان الجميع يريد تطويع الاعلاميين لخدمة اجنداتهم السياسية او الشخصية، ونتذكر كيف استدعى السيد حمادي الجبالي رموز المنظومة الاعلامية القديمة في اطار جلسة لاصلاح الاعلام سنة 2012 مما حدا ببعض الصحفيين الى الانسحاب . و اعتقد ان اصلاح القطاع يبدا من نقابة الصحفيين التي ستنجز مؤتمرها في شهر ماي القادم فهي الاقدر على ضبط الانفلاتات و التصدي لسطوة اللوبيات متى حافظت على استقلاليتها . يوجد اعلاميون تونسيون لا تنقصهم الكفاءة و لا الموضوعية و قادرون على تاثيث مشهد يليق بتونس الجديدة بعدما اصبحت الحرية مكسبا مشتركا يتباهى به الجميع. لكن هؤلاء مطالبون ان يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية و ان يكونوا اكثر جراة و انتصارا للقيم و المبادئ و شرف المهنة ، و تكون فضح سياسة التعليمات هي البداية . كاتب و محلل سياسي