منظمّة حرّة تعبّر تدعو إلى إلغاء الفصول التّمييزية ضدّ المرأة من مجلّة الأحوال الشخصية    رئيس الجمهورية يؤدي زيارة إلى معتمدية سجنان    مأساة في المتوسط: مقتل وفقدان العشرات إثر غرق قارب قبالة سواحل لامبيدوزا    لأول مرة عالميًا: زراعة أنسجة بشرية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد    بطولة الرابطة المحترفة الأولى: تعيينات حكام الجولة الثانية    بيكين وتونس يمكنهما مزيد تطوير علاقاتهما في مجالي التجارة والسياحة - مسؤول دبلوماسي صيني سابق-    بمناسبة العيد الوطني للمرأة: وزارة الأسرة تشيد بريادة التونسيات وتجدّد التزامها بدعم حقوقهن    القضاء الأميركي يرفض طلب إيلون ماسك بشأن "أوبن أيه آي"    "سنيت" تشرع في بيع 45 شقة من الصنف الاجتماعي ضمن آلية "الفوبرولرس"    الرابطة المحترفة الثانية: مستقبل القصرين يتعاقد مع اللاعب غيث الصالحي    التونسي راضي الجعايدي مدربا لنادي النجمة اللبناني    أوركسترا قرطاج السيمفوني بقيادة المايسترو حافظ مقني تتألق وتمتع جمهور المسرح الروماني بالجم    تفاصيل حالة ليلى علوي الصحية بعد تعرضها لحادث سير    وزير الإقتصاد في إفتتاح اليوم الوطني لتونس في التظاهرة الكونية " اوساكا اكسبو 2025"    عاجل/ الجيش الصهيوني يصادق على خطة احتلال غزة..    وفاة صنع الله إبراهيم... قامة السرد العربي تفقد أحد أعمدتها    بلاغ هام للترجي الرياضي التونسي..#خبر_عاجل    هام/ الديوانة التونسية تنتدب..    السجن لكهل أنهى حياة بائع متجول..وهذه التفاصيل..    المرأة التونسية في قلب العمل: فريق نسائي للديوانة يسهل حركة المسافرين بميناء حلق الوادي    هام/ هيئة الصيادلة تطلق منصة رقمية ذكية لتسهيل ولوج المواطنين لصيدليات الاستمرار..    ترامب: قادة أوروبا "أشخاص رائعون"    تونس تشارك في بطولة افريقيا للتايكواندو ب10 عناصر    تفشي عدوى بكتيرية بفرنسا ...تفاصيل    البرلمان يدعو إلى تعزيز حقوق المرأة وصون كرامتها بمناسبة عيدها الوطني    هذه هي المرأة التونسية الوحيدة التي تستحق التكريم في عيدهن ...!!.    جنجون يختتم اليوم مهرجان سيدي عطاء الله بنبر    الكاف: حجز كميات من السجائر المحلية والمجهولة المصدر    قرار قضائي بسجن محامٍ بتهم إرهابية وغسيل أموال    "أصول" لياسين بولعراس على ركح الحمامات: عرض موسيقي يعزز حوار الثقافات ويدعو إلى الانفتاح وقبول الآخر    محرز الغنوشي للتوانسة :'' السباحة ممكنة بكافة الشواطئ واللي يحب يبحر يقصد ربي''    ثنائي تونسي يتوج بالدوري الليبي مع نادي الأهلي طرابلس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات: المنتخب الوطني ينهزم أمام نظيره التشيلي    في بالك : مشروع قانون جديد يقسم المسؤوليات المنزلية بين الزوجين!    عاجل : دراسة طبية تحذّر من مسكن آلام يستعمله الملايين    وزارة الصحة تعمم منصة Njda.tn لتسريع التدخلات الطبية وإنقاذ الأرواح    المنتخب الوطني يستهل اليوم مشاركته في أفروباسكات أنغولا 2025    اليوم.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمتاحف    إيقاف مراقب جوي فرنسي عن العمل لقوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    إدارة ترامب تتجه لإعلان "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية...    نابل ..تراجع صابة عنب التحويل بنسبة تتراوح بنسبة 25 و 30%    ترامب وبوتين في ألاسكا: من أرض روسية سابقة إلى مسرح لمباحثات السلام المحتملة    ثمانية أمراض ناجمة عن قلة النوم    دعوة الى تلازم الذكاء الاصطناعي مع مقاصد الدين    حجز كميات كبيرة من الأجبان والزبدة محفوظة بطرق غير صحية بولاية جندوبة    سمكة الأرنب السامة غزت شاطئ نابل.. خطر على صحة التوانسة!    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    ارتفاع درجات الحرارة يرجع بداية مالتاريخ هذا    قابس: العثور على جثة شاب مفقود منذ أسبوع داخل بئر عميقة    إحباط محاولة تهريب 36 كلغ من مخدّر "الزطلة" بميناء حلق الوادي الشمالي    يهم التسجيل المدرسي عن بعد/ البريد التونسي يعلن..    عاجل: دخول مجاني للمواقع الأثرية والمتاحف يوم 13 أوت    رّد بالك مالبحر اليوم: الرياح توصل ل60 كلم والسباحة خطر    تعطل وقتي لجولان عربات المترو بسبب عطل في الأسلاك الهوائية الكهربائية    تاريخ الخيانات السياسية (43) القرامطة يغزون دمشق    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النّهضة وهيئة الحقيقة و الكرامة : إلى أين ؟
نشر في باب نات يوم 01 - 05 - 2017


خالد مبارك
صدر عن هيئة الحقيقة و الكرامة بيان بتاريخ 22 أفريل الجاري يعقّب على الموقف الجديد من الهيئة و الذي عبّرت عنه النائبة يمينة الزّغلامي يوم 17 أفريل ، بعد استقبالها للمناضل السّابق زهير مخلوف بعض المحسوبين عليه ممّن تسلّلوا الى قلب هيئة الحقيقة و الكرامة منذ نشأتها. وها هو الظّهور العرضي للنسخة الجديدة ممّا يسمّى قانون المصالحة الإقتصادية يعيد طرح مسألة وجود الهيئة أصلا . هذا القانون سيؤدّي إلى إخراج الفساد المالي من دائرة اختصاص الهيئة- ولو جزئيّا - فيضعفها بالتقليل من دورها و لكنّه في واقع الأمر- وهذا مربط الفرس - يحدث سابقة يفتح بها الباب أمام السلطة التنفيذية لتطبّق خطّتها للهيئة و تفرض عليها ما تشاء سعيا إلى تحجيمها و إلغاءها تدريجيا بالفعل أو بالقوّة.
حركة النهضة في معمعة الحقيقة و الكرامة
ويبدو من خلال بيان الهيئة أنّها لم تعدْ تعلّق أيّ أمل على اللجنة البرلمانية المنسوبة الى شهداء الثّورة والعدالة الإنتقالية ... ورغم ذلك فقد حافظت على قدر كبير من الحذر بحيث امتنعت عن الذّهاب الى ما أبعد من اللجنة البرلمانية المذكورة ولم تقف حتى على رئيستها يمينة الزّغلامي في صورتها الجديدة كمتزعّمة للهجمة المتواصلة على هيئة الحقيقة و الكرامة وكصاحبة المبادرات و التصريحات المناقضة للموقف الرسمي المعلوم الى وقت قريب لحركة النّهضة و الذي كان من آخر تمظهراته رفض مجلس نواب الشعب لمشروع مخلوف ومن وراءه ، الرّامي إلى إحداث لجنة تحقيق تضع يدها على الهيئة و تدفن العدالة الإنتقالية نهائيا .وفي نفس الإطار ، امتنعت وجوه حركة النّهضة عن تناول الموضوع وكأنّ الجميع ينتظر ما سيترتّب عن تلك المواقف و المبادرات من ردود أفعال يتم على أساسها تحديد المواقف اللاّحقة . ويمكن أن يوحي ذلك بتعرّض الحركة إلى ضغوط شديدة وربما إلى الإبتزاز لتغيّر موقفها وتترك الهيئة لقمة سائغة لمن لغّموها بحصان طروادة في شخص المدعو زهير مخلوف المتمعّش أبدا من الصورة البائدة للمناضل الذي قارع بن علي بصلابة نادرة . وقد استحال نفسيّا على كثير من الأخيار الذين عرفوا زهير أن يتقبّلوا الحقيقة المرّة والتي مفادها التحاق مخلوف بفلول الدّولة العميقة التي جيّرته للإجهاز على الثّورة في أقذرِ المهمّات وأخطرها ترابطاً و رمزيةً وهي إجهاض هيئة الحقيقة و الكرامة و وأد قضية شهيدي الوطن القبلي فيصل بركات و رشيد الشّمّاخي وتجنيد تونس لصالح آل الأسد في دمشق .
يمينة الزّغلامي أم حركة النّهضة ؟
لم يُخْفِ بيان الهيئة مرارة شديدة تجاه التحاق أحد أهمّ وجوه حركة النّهضة بصفّ المعادين لها و لرئيستها . و لكنّ الأشنع من ذلك أن يُبْرَم حِلف مناقض للطّبيعة مباشرة مع من وجَدَ فسادا في الهيئة حتّى قبل أن تقف على قدميها وهو من أمضى كامل الوقت الذي أتيح له في مقرّ الهيئة في منازعة رئيستها سهام بن سدرين بما في ذلك بالصّياح المتواصل و أشكال البلطجة و العنف المعنوي الرّامي إلى شلّ حركة الهيئة و دفع مجلسها إلى الإنقسام المنشود و هو ما واجهته الهيئة بصرامة القانون حيث أبعدَتِ المتسلّلين المتآمرين كما تخوّله لها النصوص المنظّمة لعملها .
بعد ذلك فقط خفَتَ صوت المتسلّل و شركائه وأولياء نعمته حتّى خِلْنا أنّهم قد يئسوا جميعا من إمكان الإطاحة بسهام بن سدرين و بالتالي بالهيئة التي يتمّ بعدها تنصيب زهير مخلوف على رأسها ، مواصلة لخطّة ضرب الهيئة من داخلها بواسطة "الغوّاصات" التي سُرِّبت إليها منذ تصعيد أعضائها - على ما يبدو- في غفلة من المجلس الوطني التأسيسي . بقيّة السيناريو منطقيّة و متناسقة إذ أنّ الإنقلاب على الهيئة يقوم على افتعال تدابير تشريعية تفرض تدخّلا خارجيّا في عمل الهيئة يتمّ بمقتضاه إبعاد المناضلة سهام بن سدرين بالقوّة الغاشمة ، بالضّبط كما كان يحصل زمن بن علي ، ثمّ إعلان إلغاء قرارات رفت أعضاء الهيئة المطرودين وبما أنّ زهيرمخلوف سيعود عندها نائبا للرّئيسة ، فسوف يقدّمه عرّابو هذا السيناريو كوريث شرعي لمنصب الرّئيسة وتلك هي "منامة العتارس" التي بإجهاضها (إلى حدّ الآن على الأقل) تمكّن الرّأي العام الوطني و العالمي من الوقوف على ثمرة عمل الهيئة المتمثل في أنماط من الواقع المأساوي الذي عانت منه تونس منذ فجر الإستقلال.
وما يجب تسجيله هنا بمزيد الإستغراب هو أنّ السيدة يمينة الزّغلامي كانت احتجّت بشدّة على رفض اللجنة البرلمانية المعنية القيام بسدّ الشغورات الحاصلة صلب هيئة الحقيقة و الكرامة بفعل المناورات و المؤامرات . و وصل الأمر بالنائبة المحترمة حدّ انتقاد لجنة فرز الترشّحات التي اتهمتها الزغلامي بأنّها "صارت أداة رقابة على أنشطة الهيئة ". كان ذلك في أواخر أكتوبر 2016 ، أي منذ أقلّ من سبعة أشهر، فكيف انقلب الوضع رأسا على عقب في أقلّ من ستّة أشهر ؟
إنّ وصول مسار العدالة الإنتقالية إلى هذه المرحلة المتقدّمة من التطوّربعد انطلاق الإستماع العلني أوحى لعموم التوانسة بأنّه ، على الأقلّ من هذه النّاحية ، قد تكون الثّورة التّونسية بصدد الوفاء بأحد أهمّ وعودها ، خاصّة بعد أن شاهد الناس إقبال كبار السياسيين على حضور جلسات الإستماع العلني و خاصّة الشيخ راشد الغنوشي نفسه، حيث ترسّخت القناعة بأنّ حركة النّهضة ملتزمة بمقتضيات العدالة الإنتقالية كما صاغها المؤسّسون .لذلك فقد سرى شعور عميق من الإرتياح لدى الرّأي العام بعد تعطيل مؤامرة لجنة التحقيق البرلمانية ولو أنّ ذلك تمّ بشقّ الأنفس وربّما فقط إلى حين .
فكيف يمكن والحالة تلك أن تكون مواقف السيّدة يمينة الزّغلامي معبّرة عن سياسة حركة النّهضة ؟
من يطلب رأس هيئة الحقيقة و الكرامة ؟
تأتي مشروعية هذا السّؤال الخطير من وقائع يمكن أن تنبئ بالأسوإ لمستقبل السلم الأهلي . فأصوات عديدة من يمين نداء تونس ومن أساطين النظام القديم ما زالت تلوم هيئة الحقيقة و الكرامة على مجرّد وجودها وتجد في كلّ فعل تأتيه مناسبةً لمنازعتِها و التّحريض عليها وآخرُالأمثلة على ذلك موقفهم من دعوة الهيئة إلى مراجعة تاريخ تونس لجعله يتلاءم مع الحقائق المرّة و العنيدة التي أثبتهاالأرشيف و الإستماع الى الضّحايا و التي بدونها ينتفي أحد أهمّ أسباب وجود مسار العدالة الإنتقالية وأداتها الشرعية الوحيدة هيئة الحقيقة و الكرامة .
كما أنّ بروز أقصى اليمين البنعلي في شكل جماعات تنتسب علنا إلى إرث و مشروع الجنرال الهارب يمثّل ظاهرة خطيرة على مستقبل السلم المدني . هذه الأوساط تنازع في مشروعية الثّورة و تدّعي الآن احتلال الشارع لهرسلة مجلس نواب الشعب و محاربة هيئة الحقيقة و الكرامة سياسيا و إعلاميا و ميدانيّا . وقد ظهرت على السطح مزايدات بين أتباع النظام السّابق حول علاقاتهم السياسية وخاصّة بما يسمّونه الإسلام السياسي . و تجلّى ذلك بوضوح إثر لقاء وفد من النظام القديم من ضمنه زهير المظفر مع وفد من حركة النهضة منه القيادي البارز د. رفيق عبد السلام و ذلك يوم 22 أفريل الجاري . ورغم أنّ ما تمخّض عنه اللّقاء من إعلان نوايا التصالح يُعدّ تحصيل حاصل منذ أمد بعيد ، أصرّما يسمّى بحزب الدستوريين الأحرار على "التجنّد" للتّصدّي لأيّ تقارب مع حزب النهضة (الذي)"لم يقدِّم إلى اليوم الحجّة على تغيير خطّه ومرجعيته الفكرية" فضلا عن "ازدواجية الخطاب و تضارب تصريحات قياداته" ، كما جاء في البيان . وهذا الخطاب هو اجترار لما كانت تردّده أبواق بن علي لتبرير الإغتيال السياسي الذي كان ينفّذ على الحركة و مناضليها وسط لامبلاة عامّة وهو ما يضفي على مقولاته مسحة سريالية تجعله من المضحكات المبكيات ، سبع سنين بعد الثّورة ، عندما تطالب "البايدة بنت البايد" الموعودين بالإبادة ماضيا و مستقبلا بأن يأتوها بالدّليل على أنّهم " تغيّروا "(هكذا !) فتختصّ نفسها بدور "العازب" و تترك لهم صفة "الهجّالة" على رأي المثل التونسي .
زهير مخلوف ، جوكير الثّورة المضادّة
هناك مستجدّات لا بدّ من الوقوف عندها لاستكشاف مواقف الأطراف المختلفة من العدالة الإنتقالية و هيئة الحقيقة والكرامة كآليتها التنفيذية الضّرورية . أوّلها الدعوة إلى إصلاح تاريخ تونس بما يتوافق و نتائج أبحاث الهيئة و استماعاتها . ورغم أنّ هذه الدّعوة كانت من مطالب الحركة السّياسية التونسية منذ عقود ، فإنّ القوى المحافظةبقيت تسعى لتأبيد الجمود و تقديس القائم خاصّة بربطه بشخص و بتاريخ الرّئيس الأسبق الحبيب بورقيبة . ومع ذلكفقد تمّ إنجاز بعض المراجعات إبّان انقلاب 1987 خاصّة لناحية إعادة الإعتبار لمن محى التّأريخ الرّسمي ذكرهم ممّن قاوموا الإستعمار و ساهموا في إنشاء تونس المعاصرة ، خاصّة ممّن عارضوا سلطة فجر الإستقلال من سياسيين و مجاهدين كصالح بن يوسف و الفلاّقة . ولم ينتظر مجتمع ما بعد الثّورة دعوة الهيئة إذ دأبت التلفزة الرّسمية مثلا على الوقوف مطوّلا وبالصّور الحيّة على كلّ ما كان محجّر الذّكرأو مسكوتا عنه من جراح تونس الغائرة كملابسات اغتيال الشهيدين فرحات حشّاد و صالح بن يوسف أو الجانب المظلم من معركة الجلاء عن بنزرت أو مصير الحبيب بورقيبة من يوم عزله إلى وفاته . ورغم تأكيد هيئة الحقيقة و الكرامة على أنّها ليست الجهة المخوّلة بإتمام ذلك الإصلاح ، اشتغلت الآلة الإعلامية و الأبواق السياسية وكأنّ السّيّدة سهام بن سدرين ارتكبت محرّما لم يسبقها إليه أحد . هل مع ذلك يمكن أن يصدّق كائنٌ من كان أنّ النابحين وراءها قلوبهم على الأخلاق الحميدة والمال العام ؟
المستجدّ المتجدّد الثاني في اشتداد الهجوم على الهيئة هو رجوع عنقاء السياسة التونسية الرّاهنة ، أي قانون المصالحة الإقتصادية ومشروع حسم النزاع بين رأس المال المشبوه و الدّولة لصالح الأوّل وبالقانون ... مع العلم أنّ المشروع طفى على السطح مجدّدا أمام مجلس نواب الشعب ، في ما يقال إنّها نسخة معدّلة ،لاقتحام التصويت والمصادقة على النّصّ كيفما كان الأمر في ما يشبه خطّ الوصول المحموم لحسم الموقف أحاديّا ر خارج كلّ توافق . وبما أنّ هيئة الحقيقة و الكرامة ترفض التّخلّي عن البحث في الفساد المالي كأحد أوكد واجباتها القانونية الواردة في نصوصها التأسيسية ، فهي تعيق المشروع الرّئاسي ممّا يستوجب ليَّ ذراعها أو حتّى عُنُقها ...فهل يكون ذلك بيد المناضلة يمينة الزّغلامي ؟
إنّ بروز المدعو زهير مخلوف في تنفيذ كلّ مهمّة قذرة داخل تونس وخارجها لَيَسْتَدْعِي استعادة وعي سريعة بل ومصيرية بأنّ المذكور لا يمثّل وجهة نظر أو اجتهاد بعينه حول مسارات ما بعد الثّورة بل هو رأس حِرْبة الدّولة العميقة لتبييض النظام السابق واعتبار ثورة شعب تونس قوسا حان وقت إغلاقه بمحو الجرائم و إسقاط العقوبات وطمس الذّاكرة وتسليط ألوان القهرو الصّلف على من ذاكرتهم متّقدة بعناد . ففي قضايا ثلاثٍ كبرى نجد أنفسنا أمام نفس الوضعية في مسارات مستنسخة بدعم الآلة الإعلامية المسيطرة وصمت من يُفترض أنهم أصحاب القضية، حيث يظهر زهير مخلوف بمظهر الجوكيرفي يد أصحاب المصالح من أعداء الثّورة التونسية (جوكير غير ذي الجدوى ، إلى حدّ الآن على الأقل) :
- في ملفّ العدالة الإنتقالية وهيئة الحقيقة و الكرامة و رئيستها السيدة سهام بن سدرين : سُرِّب مخلوف إلى قلب الهيئة كالسّمّ البطيء والواضح أنّه كان موعودا برئاسة الهيئة مكان الرئيسة لكنّ تسرّعه في ضرب الهيئة من داخلها برسالته الشّهيرة إلى مجلس نواب الشعب و وقوف حركة النهضة ضدّ الإنقلاب عطّلا الخطّة و كشفا نهائيّا عن الوجه الخفي لمخلوف "الحَرْكِي" النّشيط لصالح بقايا النظام القديم ، ممّا جعل هؤلاء يتّخذون لأنفسهم مسافة من شخص مغرور وقليل الصّبرالى حدّ التّهوّر الطفولي ، وذلك ما جعله يركّز كلّ حراكه على نواب المجلس التّشريعي . لكنفهل كان يحلم يوما بأن تستقبله يمينة الزّغلامي لتسلّح يده المرتعشة و المرتزقة ضدّ سهام بن سدرين ؟
- في ملفّ الشهيدين فيصل بركات و رشيد الشّمّاخي ، كشفت استماعات مركز الإسلام والدّيمقراطية (مداد - ديسمبر 2016) و مؤسّسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات (فيفري 2017) أنّ مخلوف لم يكنْ أبدا ملاحظا خارجيا بل قائد جوقة متكوّنة من بعض أصحاب الحقّ الشّخصي و من محامين متواطئين وبعض شهود الزّور . ويمكن مراجعة تصريحات زهير مخلوف على الصفحة الرسمية ل"مداد" على الفايس بوك. هنا أيضا أخذ مخلوف المشعل مباشرة من يد البشير التكّاري ، آخر من باشرقضية الشّهيد فيصل بركات التي قمت بتدويلها لدى اللّجنة الأمميّة لمناهضة التعذيب ، وهو الذي كان يعِدُنا بأن يذهب بنا إلى الحقيقة كاملة وهو يسعى فقط إلى الغدر بأصحاب القضية . وبعد دخول مخلوف على الخط بُعيد الثّورة ، تمّ في القضيتين تنفيذ الجزء الأكبر من سيناريو التكاري مع قيام مخلوف بوضع نظام ابتزازمافياوي للأطباء و للمتهمين بقتل الشهيدين و منهم العقيد عبد الفتاح الأديب .
-
- أمام ثورة الشّعب السّوري ، انضمّ زهير مخلوف مبكّرا إلى طرح نظام دمشق الذي كان قد بدأ سريعا باستعمال قواته المسلّحة لهدم البلاد على رؤوس سكّانها الذين لم يلبث أن حرّقهم بالكيمياوي . رغم كلّ شيء و رغم القرف و الإشمئزاز اللذين عبّر عنهما أصدقاؤه قبل مناوئيه ، بقي مخلوف يلعب دور الوكيل المكلّف لنظام آل الأسد . ولا يعتقدنّ أحدٌ هنا أنّنا نخوض في مسالة تخصّ السياسة الخارجية ، فكما في مسائله التونسية ، يحتاج مخلوف إلى المال وإلى الظّهور الإعلامي و إلى السفريات الملكية و كل ذلك لا يعوز نظام دمشق . فهل كانت السّيدة يمينة الزّغلامي تجهل أنّ مخلوف من أصحاب فكرة توريط حركة النّهضة في تسفير المقاتلين التوانسة إلى سوريا عبر ابتزاز الموقوفين في السجون السّورية بين شهادة الزّور هذه أو المكوث في غياهب السّجن إلى أجل غير مُسمّى ؟
الصورة : منشورات مخلوف تفجير الهيئة وهَوس الخطاب العصابي
كلمة أخيرة من أجل بقاء تونس
إنّنا بقدر ما نتفهّم إكراهات السلطة الكريهة ، نعتقد أنّ حركة النّهضة قادرة على أن توفّق بين وجودها في المسؤولية و واجب حفظ الحقوق و منع الطّفيليين و المتكسّبين من المتاجرة بعذابات التوانسة لمزيد دفعهم نحو الأعمال اليائسة التي تقرّب البلاد من هوّة الإحتراب الدّاخلي و ضياع الوطن بإضرام النّار فيه بما يؤتيه الأزلام و أعوانهم من ابتكار ألوان التّعدّي والإستفزاز لشعب لم يعدْ يخفى عنه شيء ممّا يحاك ضدّ أبسط طموحاته بعد ثورة أصبح يشكّ في أنّها قد تكون حصلت أصلا ...
من هنا أولوية أن تتحرّى الحركة شديد الحذر و أقصى درجات القسط حتى لا تستعدي أناسا لن يحاسِبوا إلاّ على الأفعال والأقوال التي تتطابق معها و يمكن أن تشكّل النقاط الثّلاث أعلاه بداية معالجة الخلل المتعاظم في العلاقة مع الشّعب .
فهل يُعْقل أن تتحمّل حركةٌ ذاك تاريخها أن ينظر إليها الرّأي العام التّونسي كما كان ينظر إلى الجنرال بن علي ويعلّقَ الناشطون على سياساتها بسَخَطٍ و نقمة كما هو الحال على باب نات وغيره من الفضاءات التي لا تكنّ عداءً دفينا للثورة و لا للحركة ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.