- قدّم الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان عمله الجديد "إرهابي غير ربع"، مساء السبت بالمسرح البلدي بالعاصمة، وهو عمل مونودرامي دام ساعتين، حضرته مجموعة من النواب والقيادات الحزبية. الشخصية الرئيسية في "إرهابي غير ربع"، شاب مهمّش عاطل عن العمل يفكّر بجدية في الالتحاق بالجماعات الإرهابية، بعد أن وفّرت له، وفق أحداث المسرحية، ما عجزت الدولة عن توفيره له من أموال ومسكن وزوجة. وهذه الشخصية ذاتها تمثّل امتدادا لأعمال رؤوف بن يغلان السابقة وهي "مثلا" و"آش يقولولو" و"نعبر ولا ما نعبرشي" و"حارق يتمنى". وقد أعاد بن يغلان تقديمها بعجالة من خلال تقنية "الفلاش باك" دخل على إثرها في تفاصيل أحداث "إرهابي غير ربع". وهذه الشخصية سبق لها أن تنكرت في زي امرأة في مسرحية "مثلا" لتتخلى عن رجولتها وتعمل معينة منزلية، الأمر الذي جعلها تمر بأزمة نفسية حادة ولم تقدر على مواجهة سلطة المجتمع في مسرحية "آش يقولولو"، أجبرتها على زيارة أخصائي في علم النفس الذي طلبها منها التعبير عما يخالجها من مشاعر في مسرحية "نعبر ولا ما نعبرشي"، لتتواصل رحلتها في "حارق يتمنى" نتيجة تفشي ظاهرة البطالة. لكنها عادت بعد الثورة طمعا في نيل حقها من الشغل والعدالة الاجتماعية، فوجدت واقعا أسوأ مما كان عليه قبل الثورة، ما جعلها محل استقطاب من طرف العناصر الإرهابية وجعلها مشروعا للعمليات الإرهابية في مسرحية "إرهابي غير ربع". يحمّل رؤوف بن يغلان السلطة السياسية المسؤولية الكاملة لتفشي ظاهرة الإرهاب، وهو ما يتجلّى في استعادة الشخصية لماضيها الأليم، وكأن الفنان من خلال هذه العودة السريعة للماضي يذكّر الدولة بأن العوامل التي ساعدت على استقطاب الشباب ليتحوّلوا إلى إرهابيين كان قد أشار إليها سابقا، ولو تم التدخّل حينها لكان الواقع مختلف في الوقت الراهن. ويستعرض في حوار ثنائي يجمع فنان بشاب عاطل عن العمل يفكر في الانضمام إلى العناصر الإرهابية (مشروع إرهابي) ظاهرة بروز الإرهاب من جوانب مختلفة لم يحصرها في العوامل الاجتماعية المتمثلة في الفقر والتهميش والبطالة فحسب، وإنما تتعدى ذلك لتقترن بتفشي ظاهرة الفساد والمحسوبية في الدولة، وقد قابلتها الدولة بسياسة وقائية هشة. ولم يكتف الفنان في هذا العمل المونودرامي بالتطرّق إلى العوامل التي ساهمت في تفشي ظاهرة الإرهاب، بل إنه عدّد مجموعة من الحلول والمقترحات أهمها الوقاية التربوية والحصانة الثقافية لتحصين العقول فكريا ومعرفيا من الدمغجة وإنارتها، ومقاومة الفساد والرشوة والإحاطة بالشباب المهمّش. تنتهي المسرحية بإقناع الشاب بالعدول عن التحاقه بالجماعات الإرهابية، وأنّ من تصفهم هذه الجماعات ب "الطاغوت" هم في الحقيقة حماة الديار ومناعتها من المتربصين بها. وتعدّ مسرحية "إرهابي غير ربع" ثمرة عشرات الزيارات التي أدّاها بن يغلان إلى المناطق الداخلية بمدنها وأريافها، كما عقد سلسلة من اللقاءات مع شباب في الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة كحي التضامن ودوار هيشر. والتقى أيضا ببعض العناصر التي شاركت في أحداث سليمان، وتمتعت بالعفو التشريعي العام سنة 2011، فضلا عن إجرائه مقابلات مع أمنيين وأئمة مساجد وباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع. وهذه التحقيقات الميدانية مكنته من صياغة نص متكامل للمسرحية يحلّل ظاهرة الإرهاب بعمق بعيدا عن الإثارة. وكان الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان اختار أن يستهل أولى عروض عمله الجديد "إرهابي غير ربع" في الثكنات العسكرية، حيث قدم على مدى ستة أسابيع 14 عرضا مسرحيا بمختلف الثكنات بالوسط والجنوب والشمال، كان آخرها يوم 7 جانفي الماضي، وهي بادرة تتنزل ضمن تأكيد مساندة المثقف المطلقة للجيش الوطني في حربه على الإرهاب، وتكريم أبناء هذه المؤسسة الذين أثبتوا في كل المحطات التي سبقت الثورة أو تلتها التزامهم بخدمة الوطن. لمح-امين