إذا أردت أن تعمل بنصائح الأطباء والباحثين في شتى المجالات فإنك لن تستطيع أن تعيش لدنياك كأنك تعيش أبدا، بل سيلازمك إحساس قوي بأنك هالك خلال بضع دقائق: آخر موضة في موجة التحذيرات تتعلق بالسفر الجوي ويقال إنه من الثابت أن من يسافر على الدرجة السياحية لمسافات طويلة يتعرض لجلطة مسماة ب deep vein thrombosis في الساق وإذا رحلت الجلطة إلى أعلى فعلى من حولك أن يذكروا محاسنك المزعومة.. باختصار ما إن تطالع جريدة أو مجلة حتى تقتنع بأن الحياة المعاصرة أكثر خطرا من حياة الأجداد في العصر الحجري، ومن حسن حظي أنني سيئ الظن بالطائرات وأخاف منها وهي رابضة في مطاراتها، وبما أنه ليس في وسعي السفر جوا إلا بالدرجة السياحية ف"ما بدهاش"، يعني ليس ثمة داع للسفر إطلاقا، طالما أنه قد يسبب الجلطات والشلل والموت، وبما أن ذلك يعني أنني لن أتمكن من السفر إلى السودان، فإنني أناشد دول مجلس التعاون الخليجي منحي جواز السفر الخليجي الموحد الذي وعد المجلس به مواطنيه قبل نحو 20 سنة، مع الأخذ في الاعتبار أنني كنت مقيما بمنطقة الخليج عند تأسيس المجلس، بل وقمت بتغطية قمة التعاون الأولى لحساب صحيفة إمارات نيوز في أبو ظبي، وكانت الصحيفة الإنجليزية الأولى في تاريخ دولة الإمارات، وبعد التحاقي بها بدأ توزيعها في الهبوط حتى تم الإعلان عن وفاتها أخيرا. وفي بعض المدن ينصحنا الأطباء بعدم التنفس لأن الجو ملوث، ولو كان التلوث يضر بالرئة أو القلب لكان أبو الجعافر في ذمة الله منذ عقود طويلة، ففي شمال السودان تغزونا البلايين من حشرة سخيفة اسمها "النمتة"، تنخر مناطق الأذن والأنف والحنجرة، وتترك حولها جروحا وقروحا بشعة، ولا سبيل للتخلص من مضايقاتها إلا بإطلاق الدخان الكثيف والجلوس وسط الدخان الذي تعجز النمتة عن اختراقه، وفي إنجلترا مثلا ينصحك الأطباء بعدم شرب الماء من الحنفية لأن ذلك يؤثر على الخصوبة، ولا معنى لزيارة الفحل العربي لذلك البلد، في رحلتي الشتاء والصيف لمعصية الله الذي أطعمه من جوع وآمنه من خوف، إذا كانت الزيارة ستنال من فحولته بسبب ارتفاع نسبة الرادون واليورانيوم في الماء في مناطق عديدة أولها ديفون. وينصحنا الأطباء بالإكثار من أكل الخضار، ولكنهم كعادتهم الذميمة في ترويعنا وتخويفنا، يرددون أن معظم الخضر تعرضت للرش بالمبيدات السامة التي تسبب السرطان، و.... العقم، ولو كان الأمر بيدي لرششت كل مزارع الخضر في العالم العربي بالمبيدات كي أضمن انقراض السلالات العربية التي تحمل جينات الخيبة والخنوع،.. شيخنا الدكتور حسن الترابي دعا أكثر من مرة إلى تشجيع السودانيين على الزواج من الصينيات، لتحسين النسل وإنجاب سلالات تحترم العمل، ولو كانت الدعوة تتعلق ببنات السويد أو هولندا أو فرنسا لهبت الجماهير تلبيها بالملايين، ولأصبحت للترابي قاعدة جماهيرية رهن إشارته لإزاحة الرئيس عمر البشير من السلطة، وما فات على شيخنا الترابي هو أن مشكلة أهل السودان ليس في سوء النسل ولا في عدم احترام الناس للعمل، بل في انعدام العمل وكثرة الجدل، ببركات جيل الديناصورات الذي ظل يتحكم في مصائر أهل البلاد لنصف قرن، حتى أصبحت الأرحام بورا والأرض يبابا وخرابا، فتبعثرنا في كل واد حتى بلغ الأمر بشخص مثل أبي الجعافر، ظل طوال عمره يحمد الله أن خلقه سودانيا، يحلم بجواز سفر يكفل له الاحترام وحسن المعاملة في المطارات.. على الأقل.