- قدّمت فرقة "أحفاد" المسرحية من الأردن، مساء الأحد بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، عرضا مسرحيا بعنوان "شواهد ليل" تأليف وإخراج خليل نصيرات وتمثيل سوزان البنوي وثامر خوالدة. ويتنزّل هذا العرض ضمن المسابقة الرسمية للدورة التاسعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية. تدور أحداث المسرحية في ورشة لإصلاح السيارات حيث توسطت أرضية الركح سيارة من "الخردة" قد أوت إليها شخصيتا العمل، وتحيط بالسيارة مجموعة من التماثيل على هيئة بشر تحمل كل منها جهاز ميكروفون وظفه المخرج في عمله وفي لعب الشخصيتين على الركح. في هذه الورشة، يعمل الشاب "عزمي"، الذي ولد نتيجة علاقة غير شرعية ولا يعرف شيئا عن ماضيه، على إصلاح سيّارة "رتيبة" وهي فتاة حامل بعد إقامة علاقة غير شرعية، وتعيش وضاعا نفسية سيئة جعلتها تلجأ لتعاطي المخدّرات للهروب من الواقع القاسي. ويسلّط المخرج خليل نصيرات في "شواهد ليل" الضوء على قضية اجتماعية لا تهمّ الأردن فحسب، بل هي قضية كونية إنسانية تتمثّل في نمط حياة "مجهولي النسب" الذين جاؤوا للحياة نتيجة علاقة غير شرعية، فتقذفهم في الشوارع بلا اسم أو مأوى، وينفرهم المجتمع. يقدّم المخرج الوجه الآخر للإنسان المتجرّد من إنسانيته، عندما يلقي برضيع من صلبه في "حاوية قمامة بجانب المسلخ"، كما جاء في النص، ليحكم على هذا الكائن البشري البريء بالإعدام كنتيجة لإشباع رغبات جنسية وعلاقات غير شرعية. وتتفرّد المسرحية في أسلوب تناول موضوع الأطفال مجهولي النسب، إذ أخذ المخرج المشاهدين في رحلة إلى العالم النفسي الداخلي للشخصية، للوقوف على حالة الحزن والكآبة التي تسكنها وعلامات الحيرة والضياع والجنون، وقد ترجمت في طريقة إلقاء النص وليبدو كأنه هذيان. قضية مجهولي النسب والنظرة الدونية للمجتمع لهم، جعلتهم منزوين عنه، فلا أحد يعيرهم الاهتمام لكونهم جاؤوا نتيجة علاقة محرّمة، بل ويحمّلهم المجتمع الذنوب كلّها ويتمّ عقابهم بإطلاق اسم "أولاد حرام" عليهم. ولذلك عمل المخرج على تمكينهم من التعبير عمّا يخالجهم من شعور بالظلم والاضطهاد المجتمعي. فكانت الميكروفونات التي تمسكها التماثيل البشرية المحيطة بالسيارة، ، تؤدّي وظيفة إجراء حوارات مع الإعلام، لكن هذا الاعلام جاء في شكل تماثيل أي أنه لا يحرك ساكنا ولا يساهم في إيجاء حل لهؤلاء أو مساعدتهم إعلاميا للخروج بهذه المأساة الاجتماعية المسكوت عنها من السرّ إلى العلن، ومطالبة المجتمع بالاعتراف بمجهولي النسب والتواصل معهم بشكل أفقي لا بأسلوب فوقي قاسٍ. لم تكن مسرحية "شواهد ليل" مجرّد طرح لمجموعة من الاستفهامات والبحث عن أجوبة لها، بقدر ما كانت رحلة تراجيدية بالمتفرّج إلى حيث العتمة النفسية والاجتماعية التي تعيش فيها هذه الفئة من مجهولي النسب، وذلك لإبراز أن هذا الإقصاء يجرّد المجتمع من إنسانيته. لذلك كان خطاب عزمي المأساوي موجها بأسلوب غير مباشر لشخصية الفتاة "رتيبة" الحامل، حتى لا تلقي بمولودها في حاوية قمامة المسلخ، وأن تحتضنه وترعاه حتى وإن كان من علاقة غير شرعية، لكي لا يلقى المصير المظلم نفسه الذي وُجد فيه عزمي. لمح/ريم