قدم المخرج معز العاشوري أول أمس الجمعة وأمس السبت العرضين الأولين من عمله المسرحي الجديد «ليلة الغفلة» والأول على مستوى الإنتاج للمسرح الوطني التونسي بعد 14 جانفي بإدارة المدير الجديد الدكتور وحيد السعفي. وقد حضر هذين العرضين جمهور غفير. وتوثق مسرحية «ليلة الغفلة» لحادثة وقعت ليلة 14 جانفي وأدت إلى وفاة شاب أثناء حراسته لحيهم حيث تسرد أخت الشهيد تفاصيل الواقعة... وقد اعتمد معز العاشوري في تناوله لهذا الموضوع أسلوب المسرح الوثائقي حيث اعتمد فيه على تقنيات الراديو من سرد وتنشيط وتوثيق من خلال زيارات ميدانية أجراها بنفسه وتسجيلات قام بها شخصيا مع عائلات الشهداء في تونس العاصمة والقصرين وتالة وسيدي بوزيد، وذلك بعد أن سقط اتفاقه مع إذاعة «موزاييك» الخاصة في الماء وفق ما أكده لنا بالمناسبة حيث كان من المفروض أن تنجز هذه الإذاعة الجزء السمعي في المسرحية...
من 14 جانفي إلى القصبة 2
تمتد المسرحية زمنيا من 14 جانفي إلى حدود اعتصام القصبة الثاني أما على مستوى المضمون فهي تنخرط في واقع الثورة التونسية حيث نشاهد أخت الشهيد في عديد الفقرات سواء وهي تشارك في التظاهر والاعتصام أو من خلال المطالبة بمعرفة الحقيقة والتعرف على قاتل شقيقها وذلك بالاشتراك والتقاطع مع شخصيات أخرى فاعلة ومعنية من بعيد أو من قريب بالثورة التونسية. ويشارك قرابة عشرين ممثّلا على الركّح . وقد مثلت هذه الشخصيات وجسّدت التنوع الفسيفسائي للمجتمع التونسي على مستوى الفكر والمواقف، وهي مواقف فيها اليمين واليسار والوسط إلخ. ووضع المخرج أصحاب هذه المواقف في مواجهات وجدال في بعض المشاهد وجعل المبالغة في ذلك يسقط المسرحية أحيانا في خطاب سياسي مباشر. وذكر المخرج معز العاشوري في هذا الصدد أن هذا العمل لا يمكن له أن يهرب من صميم الواقع باعتبار أهمية الجانب التوثيقي وموضوعه الحساس، وأضاف أن خطاب المسرحية ليس خطاب الأحزاب السياسية ولا الخطاب السائد بالقنوات التلفزيونية بقدر ما هو صوت المواطن وصوت الحقيقة والألم والأسى التي لمسها وسجلها عن البعض من الذين فقدوا أعزاء وأقرباء...
ذات وموضوع
ولم تكن هذه المسرحية في مستوى بعض الممثلين مجرد تجسيد لدور بل هو أداء لدور حقيقي في الحياة على غرار الممثلة كوثر البحري زوجة الشهيد والممثل المسرحي والسينمائي والتلفزي معز الكوكي الذي أصابته رصاصة القنّاصة يوم 15 جانفي في العاشرة صباحا بينما كان في سيارته ومتوجها إلى منزل والده. موضوع المسرحية لم يكن بالنسبة إليها مجرد رصد لمسار تاريخي عاشته تونس بل هو مشغل شخصي وعائلي محير كذلك مثلما عبرت عليه في المسرحية ولم تجد له جوابا لا في الواقع ولا على الركح حيث نفت الجهات الأمنية لكوثر البحري أن تكون السيارة التي أطلقت الرصاص على زوجها تابعة للأمن الداخلي أو الجيش وقد انعكس هذا الغموض وهذه الحيرة في الواقع على الركح لتظل الشخصيات في «ليلة الغفلة» في رؤى ومفاهيم متضاربة للثورة والقناصة والمصالحة...
رموز ودلالات
لئن كان النص في ظاهره مباشرا ولصيقا بالواقع إلى حد المحاكاة أحيانا فإن العناصر الأخرى في المسرحية كان لها بعدها الرمزي على غرار الكوريغرافيا التي صممتها كوثر البحري والإضاءة التي أمضاها عمار العتروس والملابس التي صممتها نادية العلوي والديكور والاكسسوارات التي وضعها منير بن يوسف. ومثلت هذه العناصر إشارات وإيحاءات للكتابة الشعرية والفنية للمسرحية الغاية منها نقد عدة ظواهر من بينها العلاقة بين المواطن والأمن والعلاقة بين الشعب والحكومة وتعرضت للإشاعة والتعصب والثأر وغيرها من المواضيع والاهتمامات التي عاشها المواطن التونسي وما يزال منذ 14 جانفي. لم يكد يسدل الستار على أحداث المسرحية ليعلن انتهاء العرض ولتقع تحية الجمهور حتى خرج الممثلون من شخصياتهم الدرامية إلى وضعهم الآدمي ليحملوا زوجة الشهيد معز الكوكي على الأعناق ويرددون شعارات ألفناها في المسيرات والاعتصامات في مختلف مناطق الجمهورية.