نصرالدين السويلمي تعيش تونس هذه الايام على وقع عملية استهداف ممنهجة لحركة النهضة، اعدتها لوبيات مالية واعلامية وسياسية، وتم توزيع المهام وفق اجندة زمنية ووفق منهجية تصاعدية مرتبطة باستحقاق الانتخابات البلدية، ولعلها من المرات القلائل التي تلتقي فيها عبير موسى بحمة الهمامي بمحسن مرزوق بمتفرقات اخرى، على مهمة واحدة وفي خندق واحد، فيما تبدو معركة استئصال وليست معركة اضعاف، لان الكيان الذي يبحث عن استنزاف وعاء غيره لابد ان تكون لديه قابلية لاستمالة ما استنزفه، وهذه الكيانات مجتمعة لا تعني شيء لانصار النهضة او المتعاطفين معها، والاولى ان تتنافس على شريحة مجتمعية تشبهها وتميل اليها ثقافيا وربما ايديولوجيا، أما وانه يستحيل ان يستميل حمة الهمامي او محسن مرزوق ومن يقول بقولهم، انصار النهضة، فهذا يعني ان المعركة لا تستهدف الإضعاف والابتزاز والاستنزاف ، وانما تهدف الى اجتثاث حزب النهضة بأنصاره والمتعاطفين معه من قريب او من بعيد، وربما اجتثاث حتى من يختلف معها ولا يقول بحرق انصارها في الساحات العامة، حملة خطيرة مرفوقة هذه المرة بخطابات وتصريحات تدعو الى اقتلاع الحركة وتلمح الى القتل الجماعي بتغطية او بمساهمة من قوى اجنبية..انها الدعوة الى تصفية شريحة واسعة من التونسيين بتهمة شعبية حزبهم وبجريرة استغراقهم في الهوية والثوابت، أكثر من المسموح به حداثويا، لقد تجاوز انصار النهضة النسبة التي حددها سدنة الفرنكولائكية. *على من يراهن هؤلاء؟ اذا كان الرهان على الجيش قد انتهى بلا رجعة، واذا كانت المؤسسة الامنية قد حددت خياراتها ومالت الى سلوك الجيش ونات بنفسها عن الانقلابات، واذا كانت القوى الحزبية غير قادرة على تنفيذ عملية اجتثاث انتخابي لخصم نجح في النفاذ قديما الى عمق الشعب، لمّا كان الامر كذلك، لم يعد امام قوى الاستئصال غير المجتمع، والعمل على الجبهة الاعلامية لأقناع الشعب بضرورة اجتثاث بعضه ودفع شرائح المجتمع الى التخلص من مكوناتها، لكن كيف سيتمكنون من اقناع المواطن التونسي ان النهضة هي التي صنعت الجهويات وكرستها ورسختها وحمتها، وهي من قسمت البلاد الى مناطق الظل ومناطق الضوء، وهي من حصرت الحكم في جهة بعينها، وانها غيبت الديمقراطية عن البلاد وانها من دعت الى منح بورقيبة رئاسة مدى الحياة وانها حين تم الانقلاب عليه منعت عنه الزيارة مدى الحياة، وحددت اقامته واقتلعت كل تماثيله من البلاد، وغيبت اخباره وطمست تاريخه، وانها من سجنت 30 الف من شعب لم يتجاوز 8 ملايين، وانها من قتلت المناظلين تحت التعذيب واستعملت القوارير والعصي والكهرباء والماء الساخن في التعذيب والتركيع وتكسير الارادة وهي من اغتصبت الابنة امام الاب والزوجة امام الزوج والاخت امام الاخ ، وهي من كانت تحشر الموقوفين في الطوابير الطويلة عراة، وتضع بشكل متعمد الاب وراء ابنه وتطلب منه ان يقاربوا الصفوف.. وانها من قدمت السلطة والمال والجاه لأنسابها واصهرها ومنعتهم عن بقية الشعب، وانها من اعدمت خارج القانون وانها من ارسلت الفنانين الى تل ابيب رغما عنهم لتمرير التطبيع الثقافي الذي لم ينجح حتى في مصر بلد التطبيع السياسي، كيف سيتم اقناع شعب تونس ان النهضة هي من استدعت القوى الخارجية للتدخّل في تنافس سياسي مفتوح، وطالب من أوروبا اجتثاث خصم حزبي بتهمة عدم التكافؤي في الفرص وعدم القدرة على منافسته، كيف سيتم اقناع الشعب بان النهضة هي من ورثت ترسانة عبد الوهاب عبد الله وهي من استحوذت على تركة التجمع وهي من اغرقت البلاد بالإضرابات وهي من دعت الى استنساخ الانقلاب الدموي المصري في تونس للتخلص عسكريا من حزب فشلت في التخلص منه مدنيا، كيف سيتم اقناع الشعب بان النهضة هي من قالت انها تقدمية وترغب في تخليص البلاد من الرجعية ولو بالدم، كيف سيتم اقناع الشعب بان النهضة هي التي غرّبت الى باريس وشرقت الى ابوظبي تطلب المساعدة في الاجهاز على الانتقال الديمقراطي، حتى اذا فشلت ذهبت تستجدي الجار الجزائري الذي طردها شر طردة، كيف سيتم اقناع شعب تونس بان النهضة هي من حشدت للزحف على المجلس الوطني التأسيسي واستبداله بهيئة منبثقة عن قوى الانقلاب، ثم كيف سيتم اقناع شعب تونس بان النهضة هي التي كانت مستعدة لقتل 20 الف تونسي بتهمة الانتماء الى حزب تحوم حوله شبهة التعلق بالهوية والثوابت. قبل ان يشرع هؤلاء في اقناع شعب تونس بالتخلص من النهضة والقائها في البحر، عليهم ان يفككوا معنى "نهضة"، حينها سيقفون على حقيقة تؤكد اصابتهم بنوع نادر من الجنون، وإلا كيف يشطب حي التضامن بعض اجزائه وكيف يتخلص الكرم من مكوناته وكيف تنفي صفاقس بعض احيائها وكيف تلفظ تطاوين اسمدتها وكيف يستأصل الجنوب التونسي أحشاء الجنوب.. وذا كان ذلك من جنس المستحيل، على القوى التي اختارت منابر الاعلام المحتلة لتقرع طبول الحرب ، أن تثوب الى رشدها، فلا الجيش ولا الامن ولا الشعب يرغب في ممارسة جريمة امتصاص الدماء، ولا المجتمع التونسي على استعداد لسمل بعض اعينه وبتر بعض أعضائه واقتلاع بعض اسنانه وقطع بعض رؤوسه.. تلبية لرغبة ابو ظبي او نزولا عن هواية اليمين الاوروبي المتطرف، او مجاملة لصبايحية ، تابت "آنيا ليوسكا" عن صنائعها ولم يتوبوا! ونزع دراكولا انيابه ولم ينزعوها وخمدت نيران بول بوت ولم تخمد نيرانهم! *من يقود معركة الاجتثاث؟ ثلاثة خصوم يشاركون في شن الهجوم الاخير على النهضة، الخصم الاول يرغب في اجتثاثها بشكل نهائي ولتذهب تونس بعد ذلك الى الجحيم مادام الثمن اغراق النهضة في الدم والتخلص من الجثة، والخصم الثاني يرغب في اجتثاثها بطريقة حرفية تجهز على النهضة وتحفظ تجربة الانتقال الديمقراطي، ليس عشقا في الديمقراطية، وإنما خوفا على مصيره، لعلمه انه لا يمكن ان يكون الشمولي الوريث للديمقراطية، بما ان غيره اقرب الى ذلك، وان الشمولية لا تحتمل تعدد المستفيدين إلا تذيلا، في شكل عبيد ورقيق، وهذا الخصم لا يقل في غبائه عن غيره، لان الاجتثاث يكون للدخيل عن الاصل ولا يمكن اجتثاث الاصل من اصله، والخصم الثالث يرغب في تحويلها الى ديكور او الى قوة دافعة لقوى اخرى تعمل من خلف الفترينة ولا تسهم في الفعل السياسي المباشر، يحلم هذا الخصم بتغييبها عن السجالات السياسية دون الحاجة لاجتثاثها، وتلك امنية الشنار، والا لو كان للحياء مكانه عند مثل هذا ، لاستحى من سعي فصيل سياسي ولد بعد 2011 الى تجميد فصيل عتيق ولد رسميا سنة 1981!!! ومارس مخاضه في عشريناتها. *لماذا وضع خصوم النهضة كل بيضهم في سلة الاعلام؟ من الواضح ان الحشد لمعركة اعلامية شرسة تديرها منابر وشخصيات استئصالية، وتأثثها كوادر الاستئصال السياسي في البلاد، يعكس فشل قوى التطرف الحداثوي في بناء كيان جامع على شاكلة جبهة الانقاذ، يمكنه قيادة معركة سياسية متكافئة مع النهضة، هذا الفشل الذي وصل الى حدود هزلية بعد ان اصبحت التكتلات والجبهات والائتلافات تولد في الصباح وتقبر في المساء، هو الذي دفع بقوى "النهضفوبيا" الى الرهان الكامل على الاعلام واعتماده راس حربة في معركة الاصرار على مصرنة ويمننة وسورنة تونس، ولان المقدمات المشوهة تُغرق اصحابها في مستنقعات التشويه، فقد استفحل الاحباط في هذه القوى ونخرها الياس، وقعدت على بناء كيانات سياسية بشروط سليمة، ذلك انها رفضت منذ مطلع الثورة الانخراط في العمل الحزبي بأدواته النظيفة، واصرت على اعداد برامجها وطروحاتها وفق تحطيم الآخر القوي ، الآخر الشعبي،الآخر المتماسك تنظيميا، الآخر المهيكل.. ولو استنسخوا او استلهموا من خصمهم طريقته في بناء كيانه وامتداده في العمق وتركيزه على العلاقة مع المجتمع والحديث بلكنته والتحرك في فضاءاته، الأمكنهم الخروج من المراوحة والارتقاء الى مستوى المنازلات السياسية الشريفة، لكنهم استمرؤوا المؤامرات واستعذبوا الخصومات، فأبدعوا فيها واستبدعوا، وظل رصيدهم في العمل السياسي النظيف يراوح الصفر، لذلك فشلوا في تشكيل تكتلات او جبهات ناجحة ، ليس لصعوبة ذلك، وإنما لإصرارهم على استعمال ادوات ملوثة وغير معقمة، ولو اناخوا هيجانهم لفترة واستمعوا لصوت العقل ، لأمكنهم استمالة شرائح واسعة من شعب يحسن الاستماع إلى المنطق ويستحسن المنهج السليم. *هل سينجحون في تخريب التجربة ؟ لنترك القوى المهسْترة والمحقونة بوباء الاستئصال، فاعتناق الحقد عقيدة ومذهبا والتصوف في ملكوت الكره، لا يحتاج الى التذكير بالوطنية ولا بالمصلحة العامة، لان جيناته تتغذى على الدمار وترتوي من الخراب ، وإنما الحديث للذين يراهنون على ضربات خاطفة تضعف النهضة قبل البلديات، ولا تدمر التجربة، هؤلاء نذكرهم بأن الرهان اخطر مما يتوقعون، وان الذي دخل لسرقة رغيف، قد يفقد السيطرة على عملية السرقة لتتحول الى كارثة، والدخول في شراكة بسيطة مع عتاة المجرمين، قد تنتهي بصاحبها آدات قاتلة في يد الجريمة، تفتك به لصالحها، وتتخلص منه حين يقتضي تسلسل خطتها، ثم عليهم ان يتوقفوا الآن عن التدمير الممنهج للإعلام ، وتعويم المشهد برمته في النجاسة وتعويده على الاستعمال المهين، عليهم ان ينتهوا من المضي في مهمة هي اقذر بكثير من تلك التي أُوكلت للرمضاني وعبد الوهاب عبد الله واجهزتهم، فأولئك كانوا يحمون دكتاتورية من الأفول، بينما انتم تدمرون ثورة وتحيون دكتاتورية من افولها، ولن تنجحوا في استجلاب الهزيمة غير انكم تؤخرون النصر، وبينما يسعى شعب تونس الى الخروج من المرحلة الانتقالية ليلتفت الى التنمية، تمططون انتم هذه المرحلة على امل كذُوب. ووفق مقتضيات العقل التونسي والسنن التي درجت على هذه البلاد، فان السؤال ليس حول متى نعلن تونس الحرية والعدل، ذلك من المسلمات، وإنما حول باي ثمن سنصل الى ذلك.