وزارة التجهيز و الإسكان : نحو توفير منظومة نقل ناجعة تسدي خدمات لائقة للمواطنين    قضية قتل امرأة سنة 2021.. الاعدام لمتهمين اثنين و15 عاما سجنا في حق 3 آخرين    الليلة: أمطار متفرقة بهذه المناطق    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    شاهد بالفيديو: تعليق حركة الطيران في مطار دبي نتيجة الأمطار الغزيرة    وائل شوشان.. الانتقال الطاقي أصبح ضرورة اقتصادية وامنية ملحة    والي بن عروس يشرف على جلسة عمل أمنية في إطار الاستعداد لإجراء المقابلات الرياضية    الزهراء.. الاطاحة بعنصر تكفيري محكوم ب 5 سنوات سجنا    بطولة الرابطة المحترفة الاولى(مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    عاجل/ الأردن: "لا طهران ولا غيرها مسموح لهم باختراق أجواءنا"    عاجل/ أطنان من السميد والفارينة والسكر: كشف مخزن عشوائي في حي النصر    منوبة: رفع 741 مخالفة خلال تنفيذ ­­6617 زيارة مراقبة اقتصادية طيلة شهر    توفير فضاء افتراضي آمن وآليات مراقبة لدى ابحار الأطفال على الأنترنات    البنك الدولي يتوقع نمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ب 2.7% في العام الجاري    الحشاني يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    للمرة الأولى.. مغني الراب التونسي "جنجون" ينضم لقائمة بيلبورد عربية    أنس جابر تنعش خزينة النجم الساحلي .. وتساهم في غلق النزاعات الدولية    قتيل وجرحى في حادث مرور مروع بهذه الجهة..    تغير المناخ: تونس الخامسة في العالم الأكثر عرضة لخطر الجفاف المتزايد    دليلة مصدق تقدم التهم الموجهة للمتهمين في قضية التآمر..التفاصيل    وزير التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة 4 إفريقيا في مجال الذكاء الاصطناعي    تفكيك شبكة مختصة في بيع سماعات وتوابعها تستعمل في عمليات الغش في الامتحانات ..    منتدى الحقوق الاجتماعية يدعو إلى إيقاف الانتهاكات التي تطال المهاجرين التونسيين في إيطاليا    الكاف: الاتفاق على بناء خزانين جديدين للماء الصالح للشرب    عاجل: ايران تهدد مجددا ب"رد قاسي"..    المندوبية الجهوية للتربية بتطاوين ..تنظيم المسابقة الجهوية للمواد المميزة    ميناء حلق الوادي: حجز 7 كلغ من ''الزطلة'' مخفية بأكياس القهوة    أبطال إفريقيا: إصابة نجم ماميلودي صن دانوز أيام قبل مواجهة الترجي الرياضي    يورو 2024 : منتخب فرنسا يحتفظ بريادة التصنيف الدولي لأفضل 10 منتخبات أوروبية    وزارة الفلاحة: نحو جلب حشرة للقضاء على الآفة القرمزية    قابس: نجاح تجربة زراعة الحبوب    المندوبية الجهوية للتربية صفاقس 1...تنجح في رهاناتها وتحصد المرتبة الأولى في الملتقى الإقليمي للموسيقى    مرب يتذكر...مختار صخراوي ...مهنة التعليم شاقة ودون مردود مالي !    صفاقس...يعتديان على الأفارقة ويسلبانهم    الحماية المدنية: 19حالة وفاة و404 إصابة خلال 24ساعة.    أول تعليق لرئيس الجمهورية على أعمال العنف في حي التضامن..    مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟    أولا وأخيرا: ربيع النقل السريع    فظيع: وفاة كهل جرفته مياه وادي الصابون بفريانة بعد ارتفاع منسوبه..    بالمر يسجل رباعية في فوز تشيلسي العريض 6-صفر على إيفرتون    الأولى في القيادة الأركسترالية في مهرجان «Les Solistes»...مريم وسلاتي مستقبل قائدة أوركستر عالمية    عاجل : خلية أحباء النادي الافريقي بألمانيا تهدد    أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني عمل إرهابي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    آخر زلات بايدن: أشاد بدولة غير موجودة لدعمها أوكرانيا    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    الدورة السادسة لملتقى "معا" للفن المعاصر بالحمامات يستضيف 35 فنانا تشكيليا من 21 بلدا    نصائح للمساعدة في تقليل وقت الشاشة عند الأطفال    المؤتمر الدولي "حديث الروح" : تونس منارة للحب والسلام والتشافي    تونس: التدخين وراء إصابة 90 بالمائة من مرضى سرطان الرئة    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    أولا وأخيرا... الضحك الباكي    فتوى جديدة تثير الجدل..    الزرع والثمار والفواكه من فضل الله .. الفلاحة والزراعة في القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس الحكومة ''الامبراطوري''.. ووالي توزر المتقهقر
نشر في باب نات يوم 18 - 02 - 2018


بقلم: شكري بن عيسى (*)
الاخفاق الحكومي المتواصل بتعطّل كل محرّكات التنمية، وتعمّق عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية وانهيار الدينار، وتزايد نسبة البطالة والتضخّم الصاروخي، اضافة للتصنيفات المتتالية في القوائم السوداء، قابله على مستوى القصبة "اتصال حكومي" دعائي مكثّف، عبر زيارات ميدانية للجهات من رئيس الحكومة لملىء الفراغات الرهيبة، ولكن أيضا عبر اخراج صورة تزويقي يلعب على زرع نموذج "الزعيم الفذّ"، خاصّة وانّ الامر راسخ في المخيال الشعبي، والاستعداد للمقبولية في خصوصه عالي.
فبورقيبة عبر التاريخ عمل على نحت صورة تسبق "انجازاته"، وشيّد صورة عميقة في الوجدان الشعبي، انطلقت مع ذلك المشهد السينمائي الذي ارتبط ب"النصر المجيد"، وهو قادم على الحصان يوم 1 جوان 1955، لوحة تاريخية مفعمة بالمعاني والدلالات صارت فيما بعد "تمثال" في قلب شارع بورقيبة، قبل أن يقع نقلها في عهد المخلوع لتعود بعد الثورة في استثمار مقيت وتنشر في عديد الولايات، وبعده السبسي سوّق لنفسه صورة "تلميذ" بورقيبة حامي الدولة و"هيبتها"، ولو انه يطرح نفسه النموذج البورقيبي "الديمقراطي" الممزوج ب"الثورة"، وفي كل الحالات فصورة "الرئيس" و"الوهرة" كانت أساسية في خطته الاتصالية.
الصّيد الحقيقة رئيس الحكومة السابق كان انسانا تلقائيا الى حد كبير، ولم يعمل على تسويق صورة اتصالية ذات "جاذبية"، باستثناء تسريحة الشعر التي تحسّنت وايضا الشارب، فالرجل لم تكن له طموحات "توسّعية" ويكفيه انه تقلّد رئاسة الحكومة، التي لم يكن يحلم بها لا في اليقظة ولا في الخيال، أمّا الشاهد وان لم يكن قبل سنوات يحلم أن يكون شخصية عامة، فقد مثلت الفرصة "التاريخية" التي منحها له السبسي (بدافع لا يخلو من القرابة الشخصية) منطلق للترويج لصورة "رجل المستقبل"، بطموحات شبه مرضيّة، وساعده في ذلك مكتب اتصال في القصبة يعمل على الترويج والماركيتينغ و"التعليب" على حساب "المنتوج"، متواضع الجودة ان لم يكن قريب من الرداءة (سياسيا).
الشاهد من البداية انطلق مع فريق COM متمكّن من قواعد اللعبة، والتركيز استغلّ الصورة بشكل كثيف، خاصة وان "فيزيونوميا" و"فيزيك" الرّجل تسمح بمجالات واسعة لجني الفوائد السياسة، ومدار او مركز الصورة كان الرجل "الصارم" و"قائد الفرقة"، عكس صورة الصيد الرجل التلقائي ضحية التطاول من وزرائه، وكانت جملة "يلزمنا ناقفو لتونس" التي وقف معها كل المجلس فارقة، وبقيت راسخة بالرغم انها ظهرت جوفاء فارغة ك"فؤاد أمّ موسى"، ولكنها بقيت تؤتي ثمارها السياسية، فساكن القصبة بالرغم كل اضواء لوحة القيادة الحمراء فهو الوحيد الذي يمتلك نسبة "الرضا" العالي حسب كل الاستبيانات، وهي مفارقة عجيبة لا يمكن تفسيرها الا عبر لعبة "الكوم" رهيبة النتائج.
واليوم في عالمنا التسويق السياسي على أشدّه، يستثمر أدوات الدعاية السياسية التقليدية التي تمتد على قرون، ويضيف اليها آخر "الفتوحات" العلمية في المجال النفسي والسوسيولوجي والاتصالي والخطابي ولغة الجسد، ويستغلّ الفجوات النفسية والعاطفية والغريزية واللاشعور داخل الشخصية، في ظلّ انتشار "ثقافة" التدجين والتغييب والتخدير والتصحير السياسي مع اكتساح ايديولوجيا الاستهلاك كل المساحات، مثلما حدّثنا نعوم شومسكي عن "غسيل الادمغة في مناخ الحرية"، وكيف أن "الصحف يتمّ شراؤها - ال"وول ستريت جورنال" في الولايات المتحدة، وال"إيكو" في فرنسا - من قبل رجالٍ أثرياء تعوّدوا أن يطوّعوا الحقيقة حسب مصالحهم؛ والإعلام يستخدم بشكلٍ سافر لإبراز السيّد نيكولا ساركوزي؛ والأخبار تبتلعها أنباء الرياضة، والطقس والأحداث المتفرّقة؛ وكلّ هذا ضمن إفراطٍ من الإعلانات: هكذا أضحى 'التواصل' هو وسيلة الحكم في الأنظمة الديمقراطيّة"، وهو لها ما للبروباغندا لدى الديكتاتوريات.
شومسكي في ما قام به من بحوث مع ادوارد هرمان، وصل الى استنتاجات جدّ قيّمة حول أهمّية وسائل الاعلام في "صناعة الرضى" la fabrication de consentement، والتأثير يزداد مع تقدّم نسب التعليم والثقافة، والقصف الاعلامي المتواصل يحفر في الاحجار الصمّاء، واللّعب كله على زوايا العرض والاخراج، باقصاء زوايا بأكملها والتركيز والنظر من زوايا أخرى بعينها، حتى لا تكاد ترى الاّ الجزء من العالم الذي يركّز عليه الاعلام، وهو ما استغلّه فريق الشاهد الاتصالي الذي يبرز رئيس الحكوم في صورة "رجل الحكم" القوي.
أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا ألبرت مهرابيان كان أوّل من وصل الى نتائج فتحت الباب لظهور منهج لغة الجسد body language، ووصل الى نتيجة او قاعدة 7 - 38 - 55، والتي تؤكد أهمية الاتصال غير اللفظي، بمعنى آخر تعطي القيمة الأساسية للاتصال الجسدي، فالتأثير الاتصالي ينقسم بين 7% تأثير لفظي و38% تأثير نبرة الصوت، والبقية أي 55% كاملة تأثير الجسد والحركة، وهو ما استثمر فيه الشاهد بقوّة الذي لا تبرز صفحته في تحركاته وزياراته ولقاءاته مع وزراء حكومته والولاة سوى صورته الكاسحة، مقابل صور باهتة ضبابية وهامشية للبقية.
ورئيس الوزراء يضع ذلك تحت عنوان "التضامن الحكومي"، اي "وحدة" و"تناسق" و"تناغم" الحكومة التي اطلق عليها السبسي اسم "الوحدة الوطنية" حتى في غياب المضمون والتركيبة والافق الوطني، وساكن القصبة القادم على اعقاب الصيد الذي طالته عديد السهام الكلامية بنى حوله "هالة" من الخشية من فريقه الحكومي، خاصّة وانه انطلق بدعم مطلق من قرطاج التي استمد منها "سرديته" المصطنعة، والشاب الأربعيني قوي الحركة وشديد البنية الجسدية ولون الوجه الابيض اكتسح المشهد، على حساب فريق أغلبه وضع في موضع "الكمبارس"، والصورة الاخيرة في توزر مع والي الجهة ظهرت معبّرة للغاية في الخصوص، لتمرير "البروفايل" الامبراطوري لشخصه.
فالسلطة كما أكد بن خلدون وهذا راسخ في المخيال العربي، لا بد لها من "الشوكة" والعظمة والقوّة، وهو نفس الشيء الذي أكّده Thomas Hobbes في كتابه "اللوفياتان" Léviathan، في ارسائه قاعدة "هيبة الدولة" التي تضع على الحاكم مسؤولية "الأمن" في مقابل سطوه على حرية الشعب، ورمزية "القوة" و"الهيبة" أساسية هنا في ممارسة الحكم وترسيخ السلطة، وترسيخ صورة "السلطان" في المخيال الشعبي تمر باظهارها أوّلا مع الطاقم الحكومي والولاة، واللعب على الرمزية بدا قويا والايحاء بصورة "الواحد" المهيمن بدا شديدا، والصورة التي تصدّرت موقع رئاسة الحكومة ظهر فيها الشاهد كاسحا والوالي هامدا منبهرا.
"لغة الجسد" كانت معبّرة في الصورة شديدة الاخراج، فالشاهد ظهر مندفعا متحركا متكلما ثاقب النظرة، متوجها بنظره نحو الجمهور أي لاقط الصورة، والوالي بدا متأملا مندهشا في حركة المتكلم، وما زاد في تعبيرية الصورة التي ظهرت كاريكاتورية، هو أن الشاهد ومساحته يحتل قرابة 80% والوالي لا يحتل سوى 20%، والي توزر بدا واجما مستكينا متقهقرا، في مقابل القادم من القصبة مالىء اللوحة، التي يظهر فيها قبالته باقة الورد وبجانبه الراية بالرغم ان باقة الورد في الاصل تتوسط الرجلين، لكن زاوية اتقاط الصورة جعلتها امامه، كما يظهر في الصورة شكلين اسودين لخيال رجلين، زادا في تفخيم صورته.
الزيارة كباقي الزيارات ركّزت على توزيع قروض صغرى بمعدّل 10 مليون دينار اغلبها قديم، وعديد الاجراءات الاخرى العديد منها مجتر مع وعود سابقة غير منفذة، ومن يطّلع على القائمة يرى سلسلة طويلة من الاجراءات، جلها ان لم يكن كلها مبرمجة في الميزانية، فقط تستغل لاحداث الاستعراض الفلكلوري، ولالتقاط هذه الصور الدعائية وتلك الجلسة التي كتب في عنوانها [تحت "سامي" اشراف]، لاظهار سطوة الرجل والنفخ في شكله، وكأنّ الثورة لم تحدث وكأن بن علي لازال قائما، بالفعل الصورة مذلّة ليس لوالي توزر بالذات بل لصورة الوالي بشكل عام، الذي بدا في "شكل" باهت خاصّة وانه اعان بشدّة "ماكينة الدعاية" في شكله المستلب الراهب.
وطبعا آن للشاهد أن يلعب على العواطف والصور والمخيال والبسيكولوجيا واللاشعور، ما دامت ماكينة البروباغندا قوية فعالة، وما دامت الحاشية متقهقرة لاهثة وراء المناصب، ساعية في تمجيده وتعظيمه، واسلوب التغطية على الاخفاقات العميقة متواصل، ولا ندري الى متى سيظل بيع هذا "المنتوج" المغشوش، الذي يشبع حاجيات وهمية في مقابل حاجيات حقيقية غير ملباة، ومتى ستسقط هذه الصورة المركّبة المزيفة القائمة على استغلال ضعف المتلقي، بالاستثمار في وسائل الهيمنة الرمزية والنفسية بادوات المكر والخداع!!
(*) قانوني وناشط حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.