نصرالدين السويلمي *حين يفشل الجبناء وتبعد عنهم الشقة، وتخونهم ملكات النضال، وتخور قواهم امام كثافة السجال السياسي، ويستكثرون على الحرية مخاضها وعلى الحق تكاليفه وعلى الكرامة مستحقاتها، حينها سيفرّون من ساحات التدافع المدني، ليهبوا انفسهم الى الثكنات ومن ثم يلتحقوا بحريم العسكر.. سيركنهم الجيش هناك الى جانب الرشاشات القديمة وقِطع الدبابات الصدئة واكوام الكرطوش الفاسد.. ولربما استعملهم في مآرب اخرى. تعتبر المطالبة بالبيان رقم واحد في تونس وفي تونس بالذات جريمة نكراء لا تضاهيها جريمة أخرى غير تلك التي تجاوزت مناشدة الجيش التونسي وطالبت جيوش عربية انقلابية بالمساعدة في تنفيذ انقلاب يطيح بالحرية ويعيد العبودية الى سالف نشاطها، تلك دعوات بشعة، لكنها ليست المنتهى، فأفظع منها الذين طالبوا فرنسا بالتدخل للحيلولة دون تنفيذ اجندات الثورة التي على رأسها الانتقال الديمقراطي، أولئك وحين وجّهوا دعوتهم الى باريس لم يكن قصدهم تدخل بريجيت باردو، او شارل ازنافور، او ربما صوفي مارسو، أو عالم الآثار كريستوف مانيكيه، او الروائي جيلبرت سينويه، او عالمة البيولوجيا بريجيت كيفر، لا هذا ولا ذاك ولا تلك، كانوا يقصدون مع سبق الإصرار والترصد تدخل الجيش الفرنسي وربما بالتحديد "الفيلق الأجنبي" شديد الحرفية شديد الخطر شديد الحقد، ليس ليُجهز على الديمقراطية فحسب، بل لإضافة ربع قرن آخر حتى يكتمل النصاب، فالمستعمر الذي احتل تونس لسبع عقود ونصف"75سنة" مازالت شهيته مفتوحة للمزيد، و"صبايحيته" ما فتئوا يحاولون مرة ويستجدون عودته أخرى، وعليه لا يمكن اختزال أمنية العار في المُمَيْثِل الرخو، لأن على بن ظلام الذي تمنى سماع البيان رقم واحد، ليس الا عينة هاوية مبتدئة أمام شلة الخزي المحترفة، تلك التي تترصد الخيانة و تقتنصها كما الضفادع حين تثب على الحشرات. كثيرون كتبوا حول دعوة العار او الامنية الفضيحة، ومن على منصات التواصل الاجتماعي رد الاحرار على "علي بن ظلام" حين أطلق أمنية الخيانة ثم حين تلبسه الجبن فأطلق العنان للكذب، تلك مسالة أشبعتها الراجمات الفيسبيوكية، سلاح الخنادق في مواجهة سلاح الفنادق، لكن ما وجب الوقوف عنده هو العويل والرغاء الذي أعقب تدخل النائب عماد الدايمي، واستهجان البعض لعباراته المجازية التي استعملها في الرد على الامنية التي استبطنت دعوة الشنار، لقد كانت شفقتهم كبيرة وعطفهم سخي على دعاة الموت والخراب والدماء والأشلاء والتوابيت والدموع والمآتم وكل انواع المأساة التي كان سيخلفها البيان رقم واحد، وهم يعلمون يقينا ان مثل هذه البيانات لا يمكن ان تمر دون ملاحم يخوضها شعب سبعطاش ديسمبر، قد تخلف آلاف الشهداء، ولن تخلف هذه المرة آلاف الأرامل، لان دور المرأة الأرملة ارتقى بعد الثورة الى مرتبة النضال والشهادة، وهي بدورها، لن تقبع في بيتها لتترقب لقب الارملة، بل ستخرج لتواجه قبعات الحديد والاحذية السميكة، وستكون فريسة للرتل العسكري اذا استجاب لدعوة "الدعي". استكثروا الدعوة الى تعليق قوادة الانقلابات وحريم العسكر من "شوافر عينيهم"، وكأن الذي يحرش الدبابة لتدوس الجماجم البشرية والذي يدعو الرشاش ليثقب اللحم الآدمي والمدافع لتنثر بنيان الرب في الشوارع والساحات، كأن الذي يقترف جريمة الخيانة ويتسبب في المجازر، مثله كمثل من ارتكب مخالفة مرورية بسيطة، وعلى النواب الذين ائتمنهم الشعب على حياته قبل ان يأتمنهم على خبزه، عليهم ان يتوعدوا الخائن بشهر سرسي، أو بغرامة مالية لا تتجاوز بعض الدنانير، ولن تسري عليه تلك الاحكام، إلا إذا ينجح في دعوته وتمكن من اقناع الجيش بقتل الحياة المدنية وقتل المدنيين معها! وفي عرف هذه الكائنات اللاّحمة، لا يجب تعزير من تَهدّد الشعب بالدم والدولة بالانهيار والديمقراطية بالاندثار، بل منهم من اعتبر التصريح الجريمة، يندرج ضمن حرية الراي الذي تكفله الديمقراطية!!!هكذا هم غَجر السياسة، يستعملون الديمقراطية لإسقاط الديمقراطية! وإن قالوها فقد قالها اخ لهم من قبل "بالديمقراطية ..سترحل". لقد كان هجومهم على الدايمي نتيجة لوقاحة وتخاذل، أما الوقاحة فقد عُرفوا بها قديما حين كانوا في السلطة يسومون الناس العذاب، ثم حين شرعوا في التسلل اليها من جديد عبر الابواب الخلفية، واما التخاذل، فقد اقترفته القوى السياسية المؤيدة للثورة والتي لم تضغط بكثافة لتجريم نائب العار ولم تغلظ القول للسّفيه، لذلك بدا الدايمي وحيدا في رده الحاسم، ولو تحرك نواب "المدنية" وامطروا الدعي بما يستحق، لما تكالبت قوى الصبايحية على عماد ولأعجزها ان ترد على عشرات النواب ومئات الساسة وآلاف النشطاء، لكن يبدو وكما دوما، تتراخى القوى الوطنية وتنفرط ،حين يجب ان تنهض مجتمعة، حينها و بالتأكيد سيواصل الذئب الاستمتاع بفعلته الأزلية، وسيأكل من غنمهم القاصية، ماداموا لم يتراصوا ولم يتحاذوا ولم يلينوا بين ايدي اخوانهم ولم يسدوا الفرج ، وما داموا يصرون على ترك فجوات للشيطان الرجيم.