مرتجى محجوب يقول البعض ان مشكلة تونس تتلخص في منوالها الاقتصادي الليبرالي و ان تغييره لمنوال اشتراكي او اجتماعي لكفيل بتحقيق النمو الاقتصادي و العدالة الاجتماعية . هيهات فتونس و منذ عقود ينطبق عليها المثل الشعبي" تحلب في حلاب مقعور " اذ ان المعضلة الاساسية لاقتصادنا هي الفساد ذلك السرطان الخبيث المؤذن بخراب العمران و الذي لا يكتفي ابدا بما اكتسحه من مناطق و امكنة بل يسعى دائما للتوسع و الانتشار . الفساد هو السبب الرئيسي للفجوة العميقة و انعدام الثقة بين غالبية الشعب و بين حاكميه و هو الذي يمنعنا من التدقيق في ثرواتنا الطبيعية و حسن التصرف فيها و هو الذي يقلص موارد الدولة من الجباية و الصفقات العمومية و العملة الصعبة و هو الذي يجعل حجم الاقتصاد الموازي يتجاوز الاقتصاد الرسمي و القانوني و هو الذي يحارب الرجل المناسب في المكان المناسب و الكفائة و النزاهة و الجراة و الاقدام و هو العدو الاول لثقافة العمل اذ يكرم و يمجد "الكركار" و "الصباب" على حساب المجتهد و الشريف و صاحب الضمير و هو الذي ينصر الظالم على المظلوم و يغذي الحقد و الكراهية و هو الذي يشوه قواعد المنافسة الاقتصادية النزيهة و الشفافة و هو الذي يدنس نبل المهن النبيلة و هو الذي يحض على اتباع الطرق الملتوية و المشبوهة و يضرب مبدا الجدارة و الاستحقاق و هو الذي يؤثر على نتائج الانتخابات و يضرب نزاهتها في العمق عبر المال السياسي الفاسد و الاختراق الاعلامي و هو الذي يجعلنا نعيش في غابة "الي اغلظ ركبة يغني" و هو الذي يحبط العزائم و الامل و الطموح و هو الذي ينفر المستثمرين الاجانب و المحليين و هو الذي يفرض اتاوات موازية "رشوة "على كل طالب خدمة و هو ...و هو...و هو.. اما محاربة هذا الغول فان كانت تتطلب هياكل رقابة قوية و مستقلة و هيئات ناجعة و فاعلة و التفافا و تبني شعبي و مجتمعي و صحوة قيمية و اخلاقية فانها تستوجب قبل كل شيء ارادة سياسية واضحة و صريحة و علنية من اعلى هرم السلطة لا تضع خطوطا حمراء او تستهزئ من المطالبين بالشفافية في حوكمة الثروات الطبيعية و لا تتجاهل الاتفاقيات المجحفة لحقوق تونس في خيراتها و موارها و لا تحمي مصالح كبار المهربين و الفاعلين في الاقتصاد الموازي و لا تخضع للاملاءات الخارجية دون قيد و لا شرط اذ ان الفساد و العمالة لهما وجهان لعملة واحدة .... اني اعتبر اليوم ان اهم شعار يمكن ان يرفعه شرفاء الوطن هو الفساد كلانا و لتكن لم لا حملة وطنية تضغط من اجل ايجاد و بلورة الارادة السياسية الضرورية لوقف تمدد السرطان و من ثمة العمل على مهاجمة حصونه و جعله يتقهقر لاقصى حد ممكن . اثر ذلك فليحكم اليمين او الوسط او اليسار فليس في الامر ضير . * كاتب و ناشط سياسي مستقل