أما الموت فهو حق لكل مخلوق. وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. والحديث عن الجامعة العربية حزين. مثل الحزن على ذكرى الانقلابات الثورية التي أدخلت على عالم العرب نكبة فوق نكبة فلسطين وحزنا فوق الأحزان، وهو مؤشر لموت الأمة العربية وعجزها الحضاري. وفي يوم طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعطيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطي جسدا على كرسيه ثم أناب. وكثير من المؤسسات العالمية ماتت، أو هي في حكم الميتة، ومنها مؤسسة دول عدم الانحياز وجمعية الأممالمتحدة التي قال عنها بوش بصراحة إنها ستلحق بنظيرتها عصبة الأممالمتحدة، أو مركز (الشرك الأعظم) أي (مجلس الأمن) وهو مجلس إجرام يعيق ولادة العدل العالمي بحق الفيتو الإجرامي في معظم الأحيان، حيث يتربع على مصير العالم أقلهم عددا. ومن الجثث التي شبعت موتاً جامعة الدول العربية التي لا تخرج عن وضع العرب. وإذا كانت الدولة فيها مقومات الاستمرار الظاهري ولا بد من وجودها حتى يستطيع الناس متابعة حياتهم فلا داعي في هذا لجامعة الدول العربية فولدت بالأصل ميتة. ومن عالج الموتى ليس بطبيب بل واحد من اثنين عيسى بن مريم أو الدجال. والدجال شر غائب ينتظر. وعيسى بن مريم رفعه الله إليه فلم يبق إلا الدجالون. وما جاء بخطأ كروموسومي فادح كان مثل النعجة دوللي في أحسن الأحوال التي قتلها من جاء بها إلى الحياة تسعى. والمهابيل من المنغوليين أو من جاء بصغر في الجمجمة قد يتابع الحياة ولكن وجوده محمل بأثقال فوق الأثقال لمن حوله ولنفسه. ثم يموت بمرض عارض فلا يعمر. والجامعة العربية يحاول اليوم نفخ الروح فيها مجموعة من الكهان العرب. ولكننا نعلم أن زعم الكهان أو نفث السحر لا يحيل الجثث إلى أبطال في الماراتون الدولي. والجثث تبقى تحافظ على الشكل قبل التحلل وهو يتوقف على الوسط وكهنة التحنيط. وجثة لينين بقيت سبعين سنة محنطة. والفرعون رمسيس الثاني أصبح له في شكله التعيس أكثر من ألفي سنة. والجامعة العربية أشبه بمومياء الفرعون الأخير أوسي سيكاري من العائلة السادسة الذي تحدثت عنه قناة ديسكفري. واليوم لم يبق من الفراعنة لغة أو ثقافة ولا يوجد مصري واحد يتكلم اللغة الهيروغليفية أو يفك خط تلك اللغة البائدة. والقرآن يتحدث عن الموت بطريقتين: موت الأفراد وموت الجماعات والأمم. فقال عن الأفراد: كل نفس ذائقة الموت. وقال جل جلاله: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد". أما موت الجماعات والأمم فقال عنه: "لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". ولا تخرج الجامعة العربية عن هذا القانون فهي ولدت ميتة بالأصل مليئة بالأخطاء الكروموسومية. وعندما يصرخ زعيم عربي أنه سوف يتبرأ من العرب ويخرج من جامعة الدول العربية ويخرج على الناس بثوب مدموغ بصور لشخصيات إفريقية فهو مؤشر لمعنى اليأس المطبق بسحب قاتمة في سماء العرب. ولا يعرف أنه طرف في المشكلة. والقانون الإلهي لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون. والعرب أنفسهم يظلمون فلم يظلمهم الله. والعرب اليوم في حالة بؤس مقيمة لن ترتفع إلا بمراجعة قاسية للنفس والاعتراف بالخطأ وهي التوبة التي تحدث عنها القرآن: أن يتوب الناس توبة نصوحا. ولكن المراجعة معناها الاعتراف بالخطأ. ومن من العرب عنده القدرة أن يراجع نفسه فيقول رب إني ظلمت نفسي كما فعل آدم؟ والسؤال: هل تلغى الجامعة العربية ويعلن عن توديع جنازتها في مأتم رسمي مع توزيع بطاقات النعي؟ أم الاستمرار في الاحتفاظ بجثة فاحت رائحتها منذ أمد بعيد؟ والجواب أن قانون التاريخ يفعل بطريقته. والقرآن يقول إن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض. والخلافة العثمانية كان اسمها يوما الرجل المريض. ثم مات الرجل المريض. وظهر ذلك واضحا في تغيير ملابس الرجل المريض بانتقال مركز السلطنة من توبكي إلى دولما بقجة. حيث ظن السلاطين أن تغيير الشكل سينفع وبعد ذلك بستين سنة أصبحت في ملفات التاريخ هي والإمبراطورية الروسية وإمبراطورية هابسبورغ وآخر من شكلها أزواج.