سنة 2025: رخصتك تتسحب بالوقت كان تجاوزت السرعة ولا تعدّيت على الضوء الأحمر!    صافرة تونسية تدير مواجهة موريتانيا وجنوب السودان في تصفيات كأس العالم 2026...شكون؟    القبض على شاب قتل والده ودفن جثته في القصرين    عاجل: وزارة التربية تمكّن المترشحين من سحب استدعاءات مناظرة المهندسين 2024    وزارة الاسرة تنظم باليابان فعالية للتعريف بأبز محطات الفعل النسائي على امتداد مختلف الحقبات التاريخية    بعد انهاء التفرغ النقابي ..فاطمة المسدي تطرح انهاء توريث المناصب النقابية والامتيازات    10 سنوات سجنا لإطار بنكي استولى على أموال الحرفاء    مصري يقتل والده بعد عودته من السعودية بسبب والدته    عرض "الزيارة " ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي يجدد الموعد مع النجاحات    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الترجي الرياضي    الرابطة الأولى: تشكيلة الأولمبي الباجي في مواجهة مستقبل قابس    عاجل: إلغاء مفاجئ للرحلات في هذه الدولة..شوفو شنو صاير    الاتحاد الأوروبي يدعو الاحتلال لوقف بناء المستوطنات    تركيا: اعتقال رئيس بلدية منطقة في إسطنبول ضمن تحقيق فساد    مفزع/ 13 ألف طفل بغزة يعانون سوء التغذية الحاد..    أسعار ''الحوت''غلات! شنوة الأنواع الي سومها مُرتفع وشنيا الأسباب؟    عاجل/ تورط مصحة في التجارة بالاعضاء: الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة يكشف..    وزير الإقتصاد والتخطيط يلتقي أفراد الجالية التونسية باليابان ويزور أجنحة دول شقيقة في معرض أوساكا 2025    الرابطة المحترفة الأولى: برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    الترجي الرياضي: انتقالات، صفقات جديدة، ومفاوضات جارية..شنيا الجديد؟    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين – فوز المغرب والكونغو الديمقراطية على أنغولا وزامبيا    مونديال الكرة الطائرة لأقل من 21 سنة فتيات (الدور الترتيبي) – المنتخب التونسي يفوز على نظيره الجزائري 3-0    منى البوعزيزي تكشف تفاصيل جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي    عاجل : 20% من ''تلامذة تونس'' يعانون من اضطرابات نفسية    وزيرة فرنسية سابقة تهاجم الجزائريين وتصطدم بشكوى قضائية    رسالة من الدكتورة ديفاني خوبراغادي سفيرة الهند لدى تونس بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الهند 15 آُوتْ    عاجل/ تفاصيل ومعطيات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي على يد أبنائها..    صادم : 8000 متر مكعّب زبلة في شطوطنا... تفاصيل    بعد موجة انتقادات... مهرجان قرطاج الدولي يلغي عرض "كي-ماني مارلي"    عاجل: أحلام الإماراتية توضح للتونسيين حقيقة أجرها في مهرجان قرطاج    عاجل من واشنطن: تسريح 300 ألف عامل من الوظائف الحكومية    بلاغ هام لوزارة التربية..    توقعات الطقس: أمطار غزيرة ورياح قوية في بعض المناطق    السعودية.. إعدام مواطن أدين بتهريب المخدرات    محضر رسمي وتحقيق بعد حادثة حرق في مترو الخط 4    الترجي الرياضي يعلن..#خبر_عاجل    الرّهان على الثقافة    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    كارثة طبية في الأرجنتين.. دواء مسكن ملوّث يقتل96 شخصا    لافروف حول قمة ألاسكا: موقفنا واضح وسنعلنه ونعول على حوار بناء    وزارة الصحة الكويتية تعلن ارتفاع حالات التسمم والوفيات الناتجة عن مشروبات كحولية ملوثة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    وعد ووعيد.. حرب من الله ورسوله    نقل تونس.. أطفال يتسببون في حرق جزء من أرضية عربة مترو    خطبة الجمعة...التوسّط في الإنفاق ونبذ الإسراف والتبذير    وزير الصحة: تونس جاهزة لتكون قطبًا إفريقيًا في إنتاج الأدوية واللقاحات    عاجل: إلغاء عرض 'كي-ماني مارلي' في مهرجان قرطاج وتكريم الفاضل الجزيري    حجز وإتلاف مواد غذائية ومياه غير صالحة للاستهلاك في الكاف وبنزرت وجندوبة    عاجل/ إلغاء التفرّغ النقابي: أوّل رد من إتحاد الشغل على منشور رئاسة الحكومة    قبلي: تدخل طبّي أوّل من نوعه بالمستشفى المحلي بدوز يمكّن من انقاذ حياة مريض مصاب بجلطة قلبية    وزارة التجارة تنفذ حملة ضد أجهزة التكييف المتاتية من السوق الموازية    تونس لم تسجّل إصابات بفيروس "شيكونغونيا" وتواصل مراقبة البعوض الناقل    بنزرت: حجز عدد هام من التجهيزات الكهرومنزلية غير المطابقة للمواصفات    القيروان تحتضن الدورة الثامنة للمهرجان المغاربي ''للكسكسي''    نبيهة كراولي تختتم مهرجان الحمامات الدولي: صوت المرأة وفلسطين يصدح في سهرة استثنائية    مهرجان قرطاج الدولي 2025: صوفية صادق تغني في عيد المرأة ... بين وفاء الذاكرة وتحديات الحاضر    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السبسي يخيّر أبوّة الشّعب و حافظ على خطى بورقيبة جينيور
نشر في باب نات يوم 31 - 05 - 2018


أيمن عبيد
ألمانيا
لا ريب أن الإعلان عن تعليق وثيقة قرطاج 2، ليس بحال من الأحوال إيقافا لها و لا هي صفارة إنتهاء نهج الحوار و التوافق الوطنيين، مثلما أوردت بعض الأطراف الإعلامية و السياسية إيحاء و تلميحا، أو تصريحا فضيحا كما فعلت المملوكة الإذاعيّة السابقة لسرين بنت المخلوع، معبرة عن خلطة كريهة، من إدمان النزوع إلى التلبيس و التحايل على الرأي العام بإستغلال تشابه الألفاظ، و علّة الهذيان و الحلم بصوتٍ عالٍ التي أصابت أعداء الربيع التونسي.
كما يظهر أن هذا الإعلان لا يعكس فقط المراد المعتاد، من فسحة إستراحة تتخلّل الأشغال المضنية للمباحثات أو مجرّد نسمة عليلة تشقّ الأجواء المشحونة للمفاوضات، فتنفض عن المتفاوضين غبار الإنفعال و الإرهاق و تفتح أمامهم فرص التداول و التشاور في أطر أكثر أريحيّة، بنفس غائية رفع الجلسات في المحاكم أو إستراحات القهوة و الشاي أثناء الإجتماعات و المؤتمرات بإختلاف أنواعها، حتى يسهل بعدها الركون إلى قواعد العقل و إعلاء صوت الحكمة و التراضي، قبل أن ينفرط عقد الإجماع.
بل إنه من الأرجح، أن رئيس الجمهورية الموقن بأن غموض موقفه من هيبة شخصه و مركزه، و العليم بكواليس الأزمة و ماهية عناصر التعقيد فيها، قد وقع رأيه على الترفع عن ترجيح احدى الكفتين على الأخرى و التعفف عن دنس صراعات زعامتية ضيقة، لا تسمو إلى مقامه و رمزيته الجامعة في البلاد و الحزب، بالمرور إلى سياسة الضوء البرتقالي، فتراجع أمام تضخّم و تصادم المطامع الشخصية لنجله و قريبه، مفسحا أمام كليهما مضمار التسابق على رضاه، ليتقدم كل منهما في معركته الشخصية على مسؤوليته الخاصة، عملا بقاعدة من تغلّب و ظهرت شوكته وجبت تزكيته و البقاء للأفضل فقط. و تلك سياسة بورقيبية بإمتياز، كان يلجؤ إليها الزعيم الراحل كلما حمي الوطيس بين رجال دولته، فيسافرخارج البلاد متعلّلا بالعلاج.
فمن ناحية، و بتوالي الهزيمة الإنتخابية الثانية التي يجرّ إليها النداء بقيادة حافظ السبسي و عصبته في أقل من ستة أشهر، لم يجد هذا الأخير من بدّ، للإستعانة على فقدانه للشرعيتين الإنتخابية و التأسيسية في تزعمه للحزب الحاكم، إلا بالإستغاثة بنسبه بعد أن أبطأ به عمله. فنجد أن صفحات الحزب الرسمية، بعد أيام فقط من الإعلان عن النتائج البلدية، تحثّ الخطى في نشر مقالات مواقع إلكترونية مقربة، حاملة لعناوين من قبيل "نجل الرئيس..." و "ابن السبسي... "، ليُلبِس كل تململ أو إستنكار لسياساته، من الهياكل و القيادات تهمة العداء لنهج الرئيس المؤسس، و يوهم قواعده بأنه كان و مازال يد أبيه و ظلّه و إرادته النافذة في الحزب.
و لا يستبعد أن من وسوس إليه بهذه المشورة الساذجة، متناسيا أن الرئاسة كالملك ليس لها أبناء، قد أوهمه أيضا أن الطريق الأسهل لتألف قلوب المنظمات الإجتماعية و الفلول الندائية المنشقّة، يكون أولا بالشطط في إستعداء حركة النهضة و مخالفة كل توجهاتها سواء أصابت أم أخطأت، بالإضافة إلى تبني مواقفهم المنادية بإسقاط الحكومة سلفا، مما سيوفر له بعد ذلك حزمة من الحقائب الوزارية و ما وراءها من مناصب، توزّع كعطايا ثمنا لولاء كل مستاء و معارض، و بعدها فقط يسعه المضي في ما أعلن عنه، من نية إجراء المؤتمرات الجهوية و الوطنية و قد خضعت له النفوس بعد أن أشبعت البطون.
فيكون قربان الشاهد و حكومته، حجرا واحدا و ضربة معلّم، تسقط كل عصافير الغاب في جيبه.
إلا أن هذا الأخير قد بعثر كل أوراقه بخطاب الثلاثاء، الذي حمل شكلا و مضمونا رسالة مفادها، أنه خصم عنيد مستميت، في معركة مفتوحة لن تنتهي إلا بنهاية المستقبل السياسي لأحدهما أو كلايهما.
فمن حيث الشكل فقد كان الخطاب قصير المدة، بما يجعله ذا قابلية كبيرة للإنتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنه قُدّم في وقت ذروة يجتمع فيها أغلب التونسيين حول التلفاز للسمر و متابعة الأعمال الدرامية، ضامنا بذلك أعلى نسب المشاهدة الممكنة، إضافة إلى رمزية القناة الوطنية التي أذاعته، و كأنه يلوح بأن عصا المؤسسات الرسمية مازالت له طيّعة و أنه لن يتوانى عن توظيف إمكانيات الدولة في صراعه هذا.
كما إستعمل لهجة دارجة بكلمات بسيطة و صريحة مباشرة، حاول جاهدا من خلال إثرائها بتقنيات التواصل الغير لفظي، مستعملا الإشارات الجسدية المعبرة و نبرة الصوت الهادئة، للإيحاء بعفويتها و إستغنائه عن التلاوة من الأوراق، حتى لا تشوب صورة المستوثق الصادق المقدام التي ظهر بها أو أراد، أية شائبة.
أما مضمونا، فقد حرص عن الإعلان على أن هامش مناورته يفوق كل التوقعات و أنه أَحسن إعداد العدّة و الخطة للمضي قدما في المناجزة حتى آخر رمق سياسي.
فعلاوة على أن إقرار ما كان يتداوله المتابعون و بعض الخصوم من أن رأس الداء و البلاء في البلاد و النداء هو حافظ السبسي، على الملأ و من رأس السلطة التنفيذية بالذات، يغلق كل إمكانيات الصلح أو العمل المشترك في المستقبل.
فقد فاجأ الجميع بإختياره الهجوم كخير وسيلة للدفاع، ملوّحا بنقل المعركة إلى حمى خصمه و بين مضاربه، إذ أَدخل من خلال المطالبة بالإطاحة بحافظ من منصبه، رافعا شعار ضرورة إصلاح الحزب، عنصرا جديدا في معادلة المقايضة.
كما أن خطابه ذاك، كان أشبه ما يكون بالبيانات التأسيسية للأحزاب، محتويا على محاورها الأساسية الثلاث؛ فإستهلّه بتوطئة تصف السياق العام للنشأة، متخذا من حديّة الأزمة السياسية و ما خلّفته رعونة قيادة النداء من ويلات التشرذم و التشتت على العائلة الديموقراطية، دوافعا تبرر لإيجاد مشروع بديل منقذ. ثم إنتقل إلى عنصر المهام، للإجابة عن السؤال المعهود: "ماذا نريد و إلى ماذا نطمح؟"
و التي لخصها في: تحقيق التوازن كضمانة للإستقرار السياسي،و إنجاز الإصلاحات الكبرى، و محاربة الفساد. و إختتم بطرح نظرة إستراتيجية تشمل وسائل تحقيق المهام، و التي تمثلت في إصلاح الصناديق الإجتماعية و المؤسسات العمومية، و التحكم في كتل الأجور، متعهدا الإلتزام بالتوافق السياسي و التحرك في إطار مخرجات الحوار الإجتماعي. و في ذلك تطمينات لكل الفاعلين على الساحة.
بما يوحي بعلو سقف سيناريوهات التصعيد، التي لن تنتهي بإسقاط الحكومة و لا حتى بنجاح غريمه في الدفاع عن مكتب البحيرة. فقد تتطور الأمور إلى فرض عزلة خانقة عليه، بإستنزاف رصيده القاعدي و إستمالة هياكل و نواب من كل ربوع البلاد، سبق و أن تواصل معهم الشاهد و بلّغوه إستياءهم أثناء جولاته.
و لم يفته أيضا الإشارة إلى ما أبرمه من أحلاف و ما إستجلبه من دعم، حيث أثنى على عدد من مراكز القوة الداخلية و الخارجية، كذكره للساحل، المعروف بالسعي الحثيث للوبياته لإستعادة ما سلب منها من جاه، و شكره لأصوات الحكمة، التي تقترن عادة بصفات الشيوخ، كما لمّح عن موقف اللاعبين الدوليين المساند لبقائه، و هو ما صرح به فعلا السفير الفرنسي منذ أسبوعين، إثر لقاء جمعه و سفراء الدول السبع الكبار برئيس الحكومة، بدار الضيافة في مشهد أشبه "بالكوميسيون" المالي الذي قرأنا عنه في سيرة خير الدين.
و بما أن أحجام الصراعات السياسية تكون بأحجام أهدافها، فإن هذا الصراع الذي يقوم في أدناه من أجل تزعّم الروافد الدستوتجمعية و في أقصاه من أجل خلافة قصر قرطاج، لن تفي بالتأكيد الهراوات الميليشياوية بالقضاء فيه، على شاكلة مؤتمر الحمامات. و لئن كان الحسم فيه مازال مفتوحا على كل الإحتمالات، و يبقى رهين الموارد و الإمكانيات المتوفرة لكلا الطرفين، فإن دافع ثمن إستفحاله و إستطالة مدته، ستكون لا محالة الحلقات الشعبية الأضعف. و لا رجاء ممن أسس وجوده و تنافسه السياسي على فرضيّة الخداع المصطنع و ليس على الحقيقة الموضوعية، في السعي لتنقية الأجواء الوطنية، ترفقا بالبلاد و طمعا في إسترداد شيء من ثقة العباد. فقد ترسخ إنقطاع الأمل من الناس في عقيدتهم الإستبدادية، و نمت معهم قناعة بأن المحرك الأسرع و الأنجع للجماهير، إما الفزاعات و عصيّ التخويف من الخلف كالقطعان تهشّهم، أو لقمة طريّة في مكان الوجهة تجذبهم.
و لا ريب أن مثل هاته العقليات الإستبدادية الضيّقة الأفق، لا تتعايش طويلا مع قواعد اللعبة الديموقراطية، فقدرهما أن يفشل أحدهما الآخر. و أغلب الظن أن رئيس الجمهورية، و هو الذي أبعدته السياسة و التفاني في خدمة الدولة -كما صرحت عقيلته المصون- في مقتبل عمره عن معرفة أولاده، قد يلجأ اليوم مجبورا إلى إبعاد إبنه عنها بعد أن عرفه، فلا أحسبه سعيدا برؤية إبنه يراكم الخيبات و يسير إلى ما لا تحمد عقباه، و لا هو يرضى بإختتام مسيرته الحافلة بعار الخروج من بوابة خلفية بجريرة ولده، خاصة و قد أتيحت له فرصة تاريخية، للأبوة الروحية، لأول ديموقراطية عربية.
و لئن كانت طأطأة حافظ الخجولة و إرتباكه أمام أبيه في إجتماع قرطاج الأخير و في المقابل ظهور التناغم في صور الإستقبال البروتوكولي من رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية على مدرجات الطائرات، تدعم هذه القراءة و التأويل إلا أنها لا تقتضيه حتما. فهل يختار رئيس الجمهورية أبوة التونسيين جميعا على إبنه؟ و هل يتركه إقتداء بالزعيم، لمصير بورقيبة جونيور؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.