لازال الخروج الأخير لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في كلمة موجهة إلى الشعب بعد سويعات من إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تعليق جلسات الحوار حول مضامين "وثيقة قرطاج 2" يثير جدلا واسعا في الساحة السياسية والإعلاميّة بالبلاد التي إنقسمت فيها التقييمات حول الشكل والمضمون بشكل واضح بين مرحّب ومتململ ورافض لما صدر عن الشاهد. في المحصلة، يوجد موقفان بارزان على خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد هما تقريبا إمتداد لنفس الموقفان بشأن النقطة 64 من "وثيقة قرطاج 2" يتحدّث الأوّل عن ضرورة التشبّث بالإستقرار مع إجراء تحوير حكومي مبني على تقييم موضوعي للنجاعة والقدرة على إستكمال مسار الإصلاحات الكبرى في حين يتشبّث الثاني بضرورة رحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد قبل أي خطوة أخرى. كان واضحا من خلال المواقف المعلنة ومن خلال بعض الكواليس المسرّبة أن شقّا داخل حركة نداء تونس يقوده المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي ومعه الإتحادالعام التونسي للشغل يرفضان مواصلة رئيس الحكومة لمهامه في القصبة وهو موقف يختلف الطرفان في أسباب إتخاذه فمن جهة النداء أصبحت الصراعات الداخلية والأزمات المتتالية تؤثر سلبيا على آداء الحزب في الحكم أمّا من جهة إتحاد الشغل فالمسألة تتعلّق بالإصلاحات الكبرى على حدّ تعبير وجوه من القيادة النقابيّة. رئيس الحكومة يوسف الشاهد خرج عن صمته وتحدّث بشكل مباشر عن جزء من معالم الأزمة السياسية في البلاد مؤكّدا ضرورة التشبّث بالتوافق وطارحا حوارا حول تقييم لآداء الفريق الحكومي ينتهي إلى تحوير وزاري هدفه إضفاء مزيد من النجاعة على الآداء خاصّة فيما يتعلّق بالقدرة على مواصلة الإصلاحات العاجلة وهي نجاعة تستوجب إستقرارا سياسيا ومناخات من الهدنة الإجتماعيّة. يمكن القول أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد طرح في كلمته إلى الشعب التونسي أفق حلّ سياسي بأخفّ الأضرار على البلاد وعلى مسار إنتقالها الديمقراطي من جهة وكذا بأخفّ الأضرار لأغلب الفاعلين السياسيين والإجتماعيين رغم النبرة الحادّة تجاه المدير التنفيذي لحركة نداء تونس. الإتحاد العام التونسي للشغل تلقى في كلمة رئيس الحكومة يوسف الشاهد رسالة مفادها أن الإصلاحات ستأخذ بالضرورة رأي خبراء المنظمة الشغلية مع التأكيد على ضرورة الإسراع بتشكيل مجلس الحوار الإقتصادي والإجتماعي أمّا منظمة الأعراف فقد تلقت رسالة طمأنة مفادها أن الإستقرار ومناخات الهدنة الإجتماعية تستوجبا وفاقا حول الحدّ الأدنى. أمّا للأطراف السياسية فقد توجّه رئيس الحكومة بشكل مباشر إلى المعنيين بإستمرار مسار الإنتقال الديمقراطي وخاصّة ضرورة الوصول إلى إنتخابات 2019 تشريعية ورئاسية في أحسن الظروف لا فقط أمنيا بل وسياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا أي أنّ الغاية والهدف الجامع بات مصلحة وطنيّة تتجاوز الأطراف والأسماء إلى إنجاح رهانات وتجاوز تحدّيات كبرى. نداء تونس نفسه تلقّى رئاسلة واضحة من رئيس الحكومة مفادها أن أزمة الحزب يجب أن تبقى خارج الدولة وأطرها ,انّ التوافق حول المصلحة الوطنية أهم بكثير من المصالح الشخصيّة أو الحزبية أمّا الرسالة الأهم فتوجه بها رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي كانت تتجه إليه الأنظار حول موقفه قبل تعليق حوارات قرطاج خاصّة فيما يتعلّق بالحفاظ على السند السياسي الواسع المبني على التوافق. قد لا يكون الإتحاد العام التونسي للشغل ولا حركة النهضة ولا حتّى نداء تونس "رابحين" من الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعيّة ولا من أفق الحل السياسي الوحيد المتبقّي أمام الأطراف الوطنيّة جميعا لكنه حلّ بأخفّ الأضرار يصبّ في مصلحة تونس وتجربتها الناشئة وهي أهم في كلّ الأحوال من إسم رئيس الحكومة نفسه الذي لا يتجاوز كونه إسما في الأزمة وقد تكون كل الأطراف الوطنية مجدّدا أمام حتميّة تقديم تنازلات مهمّة للمصلحة العامة كما فعلت سابقا.