بقلم: شكري بن عيسى (*) الخبط العشوائي بدأ بشكل قوي، والقارب لما يغرق لابد من التضحية ببعض راكبيه، كان لا بد من أكباش فداء في لحظات الانهيار، ابراهم أصلا ما كان ليشغل وزارة الداخلية، لانه من ناحية قادم من الوزارة ومن اخرى لارتباطاته المشبوهة بكمال لطيف، الذي كان له اليد الطولى في فرضه على السبسي، الذي هو من سماه وليس الشاهد، هذا فضلا عن الحماية والدعم السعودي الإماراتي الذي يحوزه، وبالتالي عزله اليوم هو نتيجة الخطأ الأصلي (péché originel) في تسميته. الشاهد اليوم في معركة الدقائق الاخيرة، لذلك يسعى لإنقاذ نفسه بكل الطرق، وكسب خاصة الشريحة المعادية لبراهم، والقيام باستعراضات تحقق نقاط ربح ثمينة لدى الرأي العام، بعد كارثة وطنية كبيرة هزت كل الشعب، و"الضربة" كانت مناسبة للغريم الأكبر، المتنطّع الذي دخل عبر باب قرطاج، وعبر بوابة "الداخلية العميقة"، للتخلص منه ولإعادة خلط الأوراق في وقت يحتاج في ساكن القصبة المحاصر لمتنفس. طبعا اللعبة ليست سهلة لان الشاهد قد يربح جزء كبير من الرأي العام، ويربح جزء كبير من أعداء براهم خاصة من المقربين من النهضة، ويسكت عديد الأصوات التي ركزت على وجود إخلالات أمنية عميقة واتهمت الداخلية بوجود "شراكة" مع تجار الموت، ويسحب البساط من تحتها، ويكسب الطرف الاوروبي باثبات حرصه على لعب وظيفة "حرس الحدود" المطلوبة، في مقابل مواجهة معلنة مع القصر وشبكة لطيف و"الداخلية العميقة" والسعودية، ولكن الغريق لا تهمه الأمور وكل الطرق للحياة مشروعة، واللطم العشوائي قد يأتي بالنجاة كما قد يؤجل الغرق أو يعمّقه. وواضح أن الأمور تزداد انهيارا، والربح في المعارك الموضعية والظرفية لا ينقذ التدهور، وسياسة استعراض القوة على أرضية رخوة لا تجدي، والأصل سواء كان الاخلال متعلق بالقبض على الغرسلي، او غرق المركب وما رافقه من اتهامات، فالمسؤولية اذ لا تتحملها القيادات الأمنية لوحدها، ويشاركها بالتواطؤ وزير الداخلية الذي لم يتابع ويراقب بما يكفي، فالاولى والأحرى ان يتحملها الشاهد ذاته، الذي خلق كل الاهمال الحالي والتسيب والتقصير على المستوى الحكومي ككل، ولم يتابع بما يكفي لقضية مشتعلة خلفت عديد المآسي، آخرها في أكتوبر من 2017 حيث لم يتغير من وقتها أي شيء، بل وازدادت الأمور استفحالا حسب ارقام منتدى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وواضح أن الإرادة السياسية لم تكن موجودةبالاساس، والقرار "الصاعق" بدا في إطار التشفي والتصفية وليس في إطار الحزم والإصلاح، وواضح ان الخلل بنيوي في الداخلية، وفِي الحكومة في عمقها حيث في كل مرة تفور بالوعة أوحال جديدة، واليوم الهروب الى الامام وادعاء الحزم وتصفية الأعداء والتضحية بكباش الفداء، لن تحل المشكل الجوهري والتراكمات المتكاثرة، ولا بد من مخرج حقيقي لوضعية صارت شبيهة بأيام حكم بورقيبة الاخيرة، مخرج يجنبنا سيناريوهات قد تعيدنا لمربع تاريخي أليم بعناوين الاستبداد والدكتاتورية!! (*) قانوني وناشط حقوقي